مقتل جوليبي رانارا هو فشل للدولة وللمجتمع
في الوقت الذي يستمر العنف الشديد ضد عاملات المنازل المهاجرات، تتعثر الكويت في وضع آليات للحماية
تعرضت العاملة المنزلية الفلبينية جوليبي رانارا – 34 عاماً – للاغتصاب والقتل وتم حرق جثتها ودفنها من قبل ابن صاحب العمل الكويتي الذي تعمل في منزله في الكويت، والبالغ من العمر 17 عاماً، وذلك في 21 يناير 2023. تمكنت السلطات من التعرف على الجاني وسجنه خلال 24 ساعة من العثور على جثة رانارا، التي دُفنت في الصحراء، على طريق السالمي بضواحي الكويت. وكشف تقرير التشريح أن رانارا كانت حاملاً في شهرها الرابع وقت حدوث الجريمة. واعترف الجاني، خلال التحقيقات إنه اعتدى جنسيا على جوليبي، وقتلها عندما اكتشف أنها أصبحت حاملاً.
وأثار مقتل رانارا غضباً في الكويت وفي الفلبين، وشجب العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام هذا الفعل وانتقدوا قانون حماية الأسرة غير المفعّل في الكويت، والذي يهدف لمكافحة العنف ضد النساء. وفي وقت سابق، عبّر مستخدمو الانترنت عن غضب مشابه ضد المسئولين والوكالات المسئولة على تجاهلهم حقوق العمال. ومع ذلك فغالبا ما تنحسر هذه الحملات وتغطيها أخبار أخرى. وما هو مفقود هنا هو الاستمرارية في الضغط على صناع القرار لوضع حد للظلم الذي تتحمله فئات مهمشة في الكويت ككل. فنجاح وسائل التواصل الاجتماعي في التغيير مرهون عندما لا ينظر اليها على انها «هبّة» مؤقتة، وإنما كركائز للالتزامات الشعبية لمعالجة الفجوات التشريعية والتنفيذية التي ينجم عنها انتهاك حقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الصمت المخيب للآمال من قبل منظمات حقوق المرأة المحلية المؤثرة بشأن القضايا المتعلقة بعاملات المنازل، يثير القلق بافتقار المناصرة في المجتمع المدني لشمولية النظر للقضايا المجتمعية، الأمر الذي يستبعد شريحة كبيرة من النساء اللاتي يقعن خارج نطاق «المرأة الكويتية». فيما يجب أن تمتد المناصرة لتشمل النساء من مختلف الأعراق، والطبقات، والجنسيات إذا ما كانت النسوية - وليس المواطَنة – هي ما تقود القضية.
قضية جوليبي رانارا ليست قضية منفردة في العنف الأسري كما يزعم مسئولون كويتيون. فهناك حالات عدة للعنف الذي تتعرض له عاملات المنازل ومن بينهن عاملات فلبينيات. وكانت الفلبين الأكثر اهتماما بالحل في الماضي. وفي 2018، بلغت العلاقات الديبلوماسية بين البلدين انعطافه عندما قامت الفلبين بحظر توظيف عاملات المنازل في الكويت، وذلك بعد مقتل جوانا دانييلا التي عثر على جثتها في الثلاجة. وتم رفع الحظر جزئيا بعد أشهر بعد عقد اتفاقية حماية وقعها البلدين. ومع ذلك، فإن حدوث هذه الجرائم البشعة لازال مستمراً ليس فقط في حق عاملات المنازل وإنما في حق النساء في جميع أنحاء الكويت. ونظراً لأن هذه الجرائم تقع في منزل خاص، فالكثير منها يظل غير موثقاً ولا يتم الحديث عنه، ويتم تبريره بحجج ثقافية- ودستورية - بأن المكان الخاص «لا يمكن انتهاكه».
ويدفع تكرار وقوع مثل هذه الأحداث إلى التساؤل عن التشريعات المحلية في الكويت، بالإضافة إلى التزاماتها الإيجابية بقانون حقوق الإنسان الدولي، ومسئوليتها لمنع، ومقاضاة، ومعاقبة أفعال الجهات غير الحكومية التي ينتج عنها العنف القائم على نوع الجنس الاجتماعي. يشير تكرار حدوث مثل هذه الجرائم غير الإنسانية إلى فجوات تشريعية وإدارية في التدابير الحمائية الكويتية. وفي الوقت الذي اعتبرت الكويت من الرواد بعد سن قانون العمالة المنزلية رقم 68 لعام 2015، فإنها تتراجع الآن إلى الخلف في سن القوانين لمعالجة العنف الذي تتحمله عاملات المنازل. وبدلا من تقوية وتدعيم التدابير والاجراءات الاستباقية، تلجأ الكويت إلى إجراءات ضعيفة لا تتجاوز رد الفعل لمكافحة العنف. وقد تجاهلت الدولة العنف الأسري الذي تواجهه المرأة في الكويت بشكل عام، كما ينعكس من قانون حماية الأسرة رقم 16 لعام 2020 الذي لايزال معطلاً، كما أن إهمالها لحقوق عاملات المنازل أصبح أكثر حدة ووضوحاً. على سبيل المثال، فإن القانون لا يذكر عاملات المنازل بشكل واضح، برغم انتشار الجرائم ضدهن.
وتشتمل المادة 38 من الدستور الكويتي، التي تنص على أنه «للمساكن حرمتها»، على تحدٍ إضافي لمعالجة العنف من قبل الجهات غير الحكومية. ومع وقوع أغلب الحالات ضمن هذا المكان الخاص، ومع اثبات صعوبة وصول عاملات المنازل لآليات الشكوى المتاحة، أو عدم فعاليتها، فقد طال انتظار قيام الكويت بإعادة النظر في تشريعاتها بموجب القانون الدولي.
ومع ذلك، فلم توقع الكويت أو أي من دول الخليج حيث تتعرض عاملات المنازل لانتهاكات مشابهة لحقوقهن، على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم (1990). وبذلك فهم فقط يتحملون المسئولية تجاه التزاماتهم بموجب أدوات حقوق الإنسان الدولية، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW. بيد أن هذه الأدوات من شأنها فقط أن تحدد مسئولية الدول لضمان المساواة في الوصول الملائم للسبل الحمائية من خلال القانون، وتلبية أهداف سيادة القانون.
جوليبي، وروسيلا، و بادما هن ثلاث من ضمن عاملات منازل كثيرات ممن أشعلت قضاياهم الغضب المحلي والدولي في الذاكرة الحديثة. ومع ذلك لم يتم عمل ما يكفي على المستوى المحلي لمعالجة أي من الانتهاكات في الحقوق التي تعرضت لها وتحملتها النساء المهاجرات. وبرغم أن عاملات المنازل يشكلن 30% من إجمالي العمالة في الكويت إلا أن الاعتراف الكامل بحقوقهن كنساء، وكعاملات وكإنسان لم يتحقق حتى الآن.