لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

وزارة العمل الأردنية ترحل عمالاً قبل الفصل في قضاياهم

في 24 نوفمبر 2014

 لم تلق وزارة العمل الأردنية بالاً لوضع العامل المهاجر أحمد، الذي رفع قضية نزاع عمالي في إحدى المحاكم الأردنية للمطالبة بحقوقه من صاحب العمل، لتصر على ترحيله إلى بلاده بعد أن ألقت القبض عليه، لعدم تجديده تصريح عمله، متجاهلة حقه في البقاء داخل البلاد، لحين صدور قرار قضائي يفصل في قضيته.

أحمد من ضمن آلاف العمال المهاجرين العاملين في الأردن، ممن تم احتجازهم وتسفير بعضهم، حيث تشير أرقام صادرة عن وزارة العمل أن العام الجاري شهد ضبط (24160) عامل مهاجر، وتسفير (3475) عامل منهم، في ظل انتقادات واسعة للوزارة من قبل خبراء في مجال حقوق العمال المهاجرين في الأردن.

انتقادات الخبراء صبت في عدم وجود آلية ومعايير واضحة لمن تم تسفيرهم، خاصة أن بعضهم سجل قضايا عمالية في المحاكم على أصحاب العمل، مطالبا بحقوقه التي امتنع صاحب العمل عن دفعها.

يقول أحمد " تم ترحيلي خلال يومين، ولم يستمع الي أحد عندما قلت لهم أن لدي قضية في المحكمة، عاقبوني على ذنب عدم تجديد تصريح العمل رغم أنني لا أستطيع وحدي تجديده دون صاحب العمل، الذي تشترط الوزارة وجوده عند تجديد التصريح".

ويتساءل "كيف أطلب من صاحب العمل الذي نصب على ولم يعطِني حقوقي أن يجدد لي تصريحي؟؟هو يعلم انني رفعت عليه قضية، فهل سيوافق على تجديد تصريحي دون أن يبتزني ويطلب مني إسقاط الدعوى والتنازل عن حقوقي؟".

وتقضي إحدى فقرات المادة (12) من قانون العمل الأردني بتسفير العامل غير المجدد لتصريحه إلى خارج المملكة، وتمنع إعادة استقدامه قبل مضي ثلاث سنوات على الأقل من تاريخ تنفيذ قرار التسفير.

مدير مركز تمكين للدعم والمساندة، المختص بتقديم المساعدة القانونية للعمال المهاجرين في الأردن، لندا كلش تؤكد شبح التسفير أصبح سيفاً مسلطاً على رقاب العمال المهاجرين باختلاف جنسياتهم، كونه يصدر بشكل تلقائي وروتيني وسريع، حيث يتم التنسيب بإبعاد أي عامل مهاجر يتم توقيفه من قبل الجهات المعنية، سواء كان يحمل إذن إقامة أو لا يحمل، ولا يعطى من صدر بحقه الإبعاد الوقت الكافي للتظلم.

الأمر الأهم من وجهة نظر كلش يكمن في إلزام قانون العمل الاردني لصاحب العمل بإصدار إذن الإقامة وتصريح العمل، إلا انه بحال عدم قيامه بذلك فإن العامل المهاجر هو من تتم معاقبته.

وتؤكد كلش أن إحدى الحملات التفتيشية للوزارة أسفرت عن تسفير (111) عاملا سُفروا وأوقفوا، لم يمض على وجودهم في الأردن أكثر من أربعة أيام، وهم بذلك لم يتجاوزوا الفترة المسموح لهم فيها، باستصدار تصريح عمل، وتبلغ 45 يوما، فضلا عن تسفير 45 عاملا سفروا لارتكابهم مخالفات عمل، وليس لعدم حملهم تصاريح عمل.

وقالت إن بعضا ممن تم تسفيرهم، لهم حقوق عمالية، لم يحصلوا عليها، وبعضهم كان قد رفع قضايا في المحاكم لاستردادها.

وأشارت كلش إلى أن "حالة هلع" سرت بين عمال وافدين، حتى ممن يحملون تصاريح عمل، مؤكدة أن المركز، وصلته معلومات تفيد بالتزام عمال من الجنسية المصرية بمنازلهم، حتى غير المخالفين منهم، خشية تسفيرهم.

هذه النقطة تؤكدها حالة عامل وافد يخضع للعلاج حاليا في إحدى المستشفيات الحكومية، حيث يعاني من كسور في رجله ويده، فضلا عن جروح في مختلف انحاء جسمه، بسبب وقوعه من الطابق الثاني لعمارة تبنى حاليا كان يعمل بها عند قدوم المفتشين، وعندما تفاجأ بهم لم يخطر بباله إلا القفز هربا منهم.

المستشار القانوني في منظمة محامون بلا حدود/الأردن المحامي معاذ المومني أشار إلى انه ووفقا لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فقد يكون من الممكن اعتبار الطريقة التي يتم فيها القبض على العمال وملاحقتهم بين ورش البناء معاملة قاسية ولا انسانية أو مهينة وفقا للاتفاقية.

واكد ان صدور قرار بالتسفير يعد انتهاكا لحقوق هذه الفئة وفقا للمعايير الدولية؛ إذ أن هذه القرارت تخالف الحدود الدنيا من المادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، من حيث تمكين من صدر بحقه القرار من الدفاع عن نفسه.

وانتقد المومني تفويت الفرصة على العامل من متابعته لقضيته المنظورة أمام القضاء، إذا ما كان هناك دعوى مقامة من عامل على رب العمل.

وتساءل" هل يتم تسفير العامل إذا كان رب العمل هو من قام برفع الدعوى؟" مبينا أن مثل هذا الفعل من شأنه أن يمس بضمانات المحاكمات العادلة التي كفلتها الاتفاقيات والمواثيق الدولية وخاصة ما ورد في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ويؤيد الخبيرالقانوني في قضايا العمالة المهاجرة أيمن هلسا مع ما جاء به المومني، ليزيد عليه بالتنويه الى عدم التفات التشريعات العمالية الأردنية للاحتياجات الخاصة للعمال الأجانب، التي تمنع حصولهم على حقوقهم.

وتحدث هلسا عن الكثير من الحالات الموثقة لعمال أجانب تعرضوا للابتزاز من رب العمل تحت تهديد التسفير بموجب قانون العمل، أو الإبعاد بحسب قانون الاقامة وشؤون الأجانب، الأمر الذي يترك المجالل لكافة أشكال الاستغلال التي ترقى إلى العمل الجبري أو حتى الاتجار بالبشر.

ودعا هلسا إلى إعادة النظر بالتشريعات الناظمة للعمالة الأجنبية لتتماشى مع المواثيق الدولية التي التزمت بها الأردن؛ إذ من ضمن ما جاء فيها عدم إبعاد العامل إلا بعد تبني آليه فعالة للتأكد من أنه استلم حقوقه العمالية، بغض النظر عن وضعه القانوني في الأردن، كما لا يجوز إجبار العامل الأجنبي على العودة في حالات محددة نصت عليها اتفاقية مناهضة التعذيب وبرتوكول منع الاتجار بالبشر، حتى لو لم يكن ضحية لهذه الجريمة.

بدوره يؤكد مدير مديرية التفتيش في وزارة العمل أيمن الخوالدة أن الوزارة مستمرة وبشكل متواصل بحملاتها التفتيشية، التي لا تتوقف حتى في الأعياد والعطل الرسمية، مبينا أن الهدف منها تنظيم السوق المحلي.

وردا على التساؤلات حول المعايير المستخدمة في التسفير بين الخوالدة أن (55%) من العمال المخالفين من الجنسية السورية ولا يمكن تسفيرهم لبلادهم، في حين أن (5%) من العمال المهاجرين يتم ضبطهم نتيجة "خطأ" إداري سببه هروبهم عند رؤيتهم للمفتشين، رغم أن وضعهم قانوني، في حين لا يتم تسفير نسبة أخرى بعد صدور قرار التسفير، لاستفادتهم من قرار الوزير بإيقاف قرار التسفير بعد دفعهم مبلغ (2000) دينار أردني، ما يعادل (2807) دولاروقال الخوالدة إن (322) عاملا وافدا توقف قرار التسفير بحقهم خلال العام الحالي، بعد أن دفعوا مبلغ ال(2000) دينار.

ودفاعا عن موقف الوزارة بتسفير عمال لديهم حقوق عمالية، وبعضهم لديه قضايا في المحاكم، قال الخوالدة "نحن جهة إجرائية، وينتهي دورنا عند ضبط العامل المخالف وإصدار قرار بتسفيره، ومن ثم يأتي دور الجهات الأمنية للتأكد من وضع العامل الأمني أو القضائي واتخاذ القرار الذي تراه مناسبا".

وتؤكد دراسة صدرت مؤخرا عن مركز تمكين للدعم والمساندة أن التسفير إجراء إداري فوري، يؤدي لحرمان العمال المهاجرين من ممارسة حقهم في تحويل مدخراتهم المالية لأسرهم، ويمنعهم من المطالبة بحقوقهم العمالية؛ كما يعرض العمال للمعاملة الغليظة التي تتنافى والمعايير الدولية لحقوق العمال.

وقال التقرير "صلاحية السلطة التنفيذية بالتسفير فيها مجال واسع لانتهاك كرامة العامل وحقه للتظلم للقضاء، حيث لا ترافقها تدابير حماية حق العامل للتظلم للجهة القضائية، كما يوجد فراغ قانوني لا يضمن للعمال حقهم بالتعويض عن التوقيف التعسفي وتعطيلهم عن العمل".

ودعا الى عدم إبعاد وترحيل أي عامل إلا بقرار قضائي، وعدم اللجوء إلى (حجز الحرية/التوقيف الإداري) أثناء إجراءات الإبعاد، أو تصويب الأوضاع، أو بسبب مخالفة قانون الإقامة، قبول كفالة ممثل السفارة للعامل المهاجر، وعدم ربطها بكفيل أردني للحد من التوقيف.

وانتقد التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية لعام 2014 الخاص برصد وضع الأردن فيما يخص مكافحة الاتجار بالبشر قانون العمل الاردني، كونه يجبر العمال المهاجرين على الاعتماد على أرباب العمل لتجديد تصاريح العمل والإقامة الخاصة بهم".

ودعا الى عدم إبعاد وترحيل أي عامل إلا بقرار قضائي، وعدم اللجوء إلى (حجز الحرية/ التوقيف الإداري) أثناء إجراءات الإبعاد أو تصويب الأوضاع أو بسبب مخالفة قانون الإقامة، وقبول كفالة ممثل السفارة للعامل المهاجر وعدم ربطها بكفيل أردني للحد من التوقيف.

يذكر أن الأردن لم ينضم إلى الآن إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لعام 1990، وهي الصك الدولي الأهم والأكثر شمولاً في مجال حماية حقوق العمالة المهاجرة.

حول هذه النقطة يقول هلسا "من العسير القول إن دولة ما توفر الحماية والضمانات المناسبة لحقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم دون أن تكون طرفاً في هذه الاتفاقية، أي أن المنظومة القانونية الأردنية ليست مكتملة ولا كافية في مجال حماية حقوق العمال المهاجرين النظاميين وغير النظاميين، ما لم يقم الأردن بالانضمام إلى هذه الاتفاقية".