لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

عندما تدلل الأغنام ويعاني البشر

في 28 ديسمبر 2017

راجياه ينكمبالي، البالغ من العمر 43 عامًا والمولود في ولاية أندرا براديش في جنوب الهند، استقل القطار عائدًا إلى موطنه من مومباي.

"وصلت إلى مطار مومباي من الكويت اليوم (السبت). ولا زلت أتألم، فلدي 22 غرزة في رأسي."

ينكمبالي الذي هاجر إلى الكويت في عام 2016 بتأشيرة عامل منزلي، أُجبر على العمل كراعي أغنام في صحراء الوفرة التي تقع على الحدود بين الكويت والسعودية. وعلى الرغم من عدم رضاه عن رعاية ما يزيد عن 100 ماعز بمفرده، لكن لم يكن لديه خيار آخر سوى المواصلة، ما لم يتوقعه العامل هو ماحدث بعد أن فُقدت معزاة في أحد الأيام.

يقول ينكمبالي "فقدتُ معزاة واحدة فقط... وقد أبلغت المسؤول بذلك. فدفعني وضرب رأسي بالأرض. كان كل وجهي مغطى بالدماء حتى كان بإمكاني تذوق دمي، وكنت أفقد الوعي أيضا".

قام المسؤول عن ينكمبالي باصطحابه إلى المستشفى، ولكن حين أدرك أنه قد يُحاسب على اعتدائه على ينكمبالي، تركه هناك وهرب.

ونظرًا إلى أن الوثائق التعريفية لينكمبالي كانت بحوزة صاحب العمل، رفض المستشفى تقديم رعاية صحية متقدمة له.

"شعرت بالعجز وغادرت المستشفى. ونظرًا إلى الدوار الذي كنت أعاني منه لم أستطع المشي أيضًا. لحسن حظي اقترب مني سائق هندي واصطحبني إلى السفارة الهندية. وبمساعدتهم نُقلتُ إلى المستسفى مرة أخرى وقُدمت لي المعالجة المناسبة." ثم وفرت السفارة الهندية مسكناً له.

"الآن وخلال يوم واحد سوف أصل إلى مدينتي. ذهبت إلى الكويت وكانت لدي أحلام كبيرة. ولدي ثلاث فتيات. كنت أفكر في كسب بعض الأموال وتوفيرها. لكنني رجعت محملًا بالندوب والألم، دون اقتراف أي خطأ مني. لدي 22 غرزة في رأسي. وقال الطبيب إنني قد أعاني من فقدان الرؤية أيضا."

حالة ينكمبالي ليست استثنائية. ففي منتصف أكتوبر/تشرين الأول، سافر موقع (Migrants-Rights.org) إلى مدينة العبدلي التي تقع على الحدود بين الكويت والعراق، حيث ينتشر ما لا يقل عن ستة رعاة غنم على جانبي الشارع.

محمد قاسم، البالغ من العمر 25 عامًا، هو مواطن كشميري من منطقة بونش، ومحمد بلال، البالغ من العمر 40 عامًا من بنجلاديش، يعيش كلاهما في خيم ويرعيان 125 من المعز. تعرّض كلا منهما للخداع من قبل وكلاء التوظيف الذين أتوا عبرهم للكويت.

قيل لقاسم وبلال إنهما سيعملان في منازل كويتية. وقد دفع أحدهما 65000 روبية هندية (ما يعادل 1000 دولار أمريكي) والآخر 300000 تاكا بنجلاديشي (ما يعادل 3500 دولار أمريكي) لتوفير إقامة لهما في الكويت بتأشيرة عمالة منزلية. لكن كفيل كل منهما سرعان ما حولا التأشيرتين إلى رعاية الأغنام.

ولا يُسمح لكلٍ من قاسم وبلال بزيارة الخيم المجاورة.

قال بلال "من حين لآخر يأتي (الكفيل) لتزويدنا بالمواد الغذائية. وإن لم يرنا هنا في الخيمة، يبدأ بالصراخ. ترى أين سنذهب؟ في أغلب الأحيان نكون بالخيم المجاورة نتحدث مع رعاة أغنام آخرين. إلى متى يمكننا البقاء معزولين في خيمة؟ و لا يوجد لدينا حتى تكييف هواء ملائم. وسيلة الرفاهية الوحيدة هي مبرد الهواء. وإذا احتاج إلى إصلاح، فعلينا الانتظار حتى يكون لدى الأرباب وقت لاستبداله أو إصلاحه."

يُدفع لكلٍّ من بلال وقاسم حوالي 80 دينارا كويتيا (ما يعادل 265 دولارًا أمريكيًا) شهريًا. يوفر صاحب العمل الطعام، لكنهما قالا إنهما يحرمان من الرعاية الطبية اللازمة.

وقال بلال "إذا شعرنا بالمرض، فعلينا إخبار المسؤول. ويستشير هو الطبيب ويحضر لنا بعض الأدوية. حتى إذا كنا نرتجف بسبب الحمى الشديدة، فلن نؤخذ إلى المستشفى. تُحضر الأدوية إلينا هنا". وأضاف بأنه إذا أصيب ماعز بالمرض أو مات فإنهما يتحملان المسؤولية. "سوف يقول إن الماعز مات بسبب إهمالنا وسوف يصرخ علينا."

مراج الدين أنصار، البالغ من العمر 35 عامًا، راعي أغنام من ولاية أوتار براديش في وسط الهند. تعرّض مراج الدين إلى الخداع أيضًا من قبل وكيله. فقد دفع ما يقرب من 80.000 روبية هندية (ما يعادل 1230 دولار أمريكي) من أجل الحصول على تأشيرة للعمل المنزلي وانتهى به الأمر في رعاية الأغنام.

قال مراج الدين المسؤول عن رعاية 100 ماعز "هذا هو قدري. وعليّ مواجهة ذلك. قد أكون ملعونًا لأعاني في هذه الصحراء. أنا وحدي في هذه الخيمة. وأحيانًا أشعر بالخوف."
بعد وصوله إلى الكويت أدرك أنه قد تم خداعه واتصل بوكيله. لكن لم يعطه الوكيل ردًا واضحًا.

"اكتشفت لاحقًا أن والدي يعرف ما ستكون وظيفتي. لذا، لا فائدة من المقاومة والتصدي لذلك. هذا مصيري.. ينبغي أن أكون هنا".

يُدفع لمراج الدين شهريًا 60 دينار كويتيًا فقط (ما يعادل 200 دولار أمريكي). وقال مراج الدين "إننا نحصل مرة كل سنتين على شهرين إجازة غير مدفوعة الأجر. نُمنح التذاكر فحسب، ولا شيء آخر. بلا إجازة مدفوعة."

معظم العاملين في ذلك المجال يُدفع لهم فقط ما بين 60 دينارًا و 100 دينار كويتي شهريًا (ما يعادل 200-300 دولار أمريكي). واعتبارًا من يوليو/تمّوز 2017، أصبح الحد الأدنى للاجور في الكويت 75 دينارًا كويتيًا (ما يعادل 250 دولارًا أمريكيًا).

وصرح مسؤول في السفارة الهندية في مدينة الكويت لموقع Migrant-Rights.org قائلًا "لقد أوقفنا إصدار تصاريح لمنح تأشيرات رعاة الأغنام. ومع ذلك، لا نزال نواجه حالات لهنود يعملون رعاة أغنام ويتعرضون إلى الإيذاء الجسدي والنفسي."

وأضاف المسؤول "لقد قابلت مؤخرًا أحد رعاة الأغنام من الهنود الذين تم إيواؤهم من قبل السلطات الكويتية. وعندما راجعت موضوعه مع زملائي من المسؤولين اكتشفت بأنه على نفس الحال منذ سنتين، فطلبت منهم إحضار ملفاته وإيجاد طريقة لإعادته إلى الوطن في أقرب وقت ممكن."

ومن العمال الذين نقطّعت بهم السبل العامل أروجياسوامي من تاميل نادو.

قال الأخصائي الاجتماعي" إن أروجياسوامي أتى بتأشيرة عامل كهربائي. ولكنه أرسل إلى الصحراء ليعمل كراعي أغنام. مكث هناك 15 يومًا وهرب لأنه لم يتحمل التعذيب هناك. ومنذ ذلك الحين ظلّ محتجزًا في دار الإيواء."

وقال الناشط في مجال حقوق المهاجرين في حيدر أباد، بهيم ريدي، لا يزال العمال يُخدعون بتلك الوظائف الصعبة المنعزلة على الرغم من انطلاق العديد من حملات التوعية.

"ينبغي أن تتصرف الدول بجدية في حماية العمال المهاجرين وحقوقهم، ليس فقط الدول المرسلة للعمال ولكن المُستقبلة لهم أيضًا لنتمكن من المساعدة في إيجاد حل في مثل هذه المواقف."

 

مصدر الصورة: منير أحمد وشمير ماناكاتوو

نُشر المقال للمؤلف بمثابة جزء من برنامج زمالات وسائط الإعلام بانوس جنوب آسيا عام 2017-18 في إطار موضوع العمل القسري والإتجار بالبشر. يُدعم برنامج زمالة بانوس من قبل منظمة العمل الدولية (ILO) والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC) وشبكة الصحافة الأخلاقية.