لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

أزمة رواتب 1200 عامل أجنبي تلقي الضوء على تحديات إصلاحات العمل المزعومة في قطر

في 14 مايو 2018

تقطّعت السبل بنحو 1200 عامل أجنبي في قطر يعملون في شركة  حمد بن خالد بن حمد للإنشاءات بعد أن حُرموا من رواتبهم لشهور عدّة. ولم تفلح مساعيهم في استخدام آليات تقديم الشكاوى والأنظمة القانونية المعمول بها في البلاد على مدى أشهر في الوصول إلى حل لمشكلتهم التيّ بدأت في شهر سبتمبر/ أيلول 2017 وما تزال تراوح مكانها حتّى الساعة. واشتكى العاملون من أن الشركة دأبت على تأجيل رواتبهم لبضعة أشهر على مدار سنوات عدّة وحتى الآن. وبين هؤلاء العمّال حوالي 1100 منهم يعملون في قطاعات النجارة وعمّال تسليح وميكانيكيين وفنيي كهرباء. بينما يعمل الموظفون المئة المتبقّون ما بين مهندسين ومديري مشروعات وموظفين في مجال ضمان السلامة وإداريين. هذا ومن المحتمل أن يتمّ ترحيل العديد منهم.

منظمة Migrant-Rights.org تحدّثت إلى العديد من هؤلاء العاملين المتأثرين بهذه المحنة المستمرّة. وفيما يأتي تحليلها لحالتهم.

بحسب تقرير "الهلال الأحمر" القطري وصندوق "الجالية الهندية للأعمال الخيرية" ومؤسسات مجتمعية أخرى؛ فإن هؤلاء العاملين عانوا على مدى أسابيع من انقطاع المياه أو الكهرباء، وتُركوا من دون مساعدة أو تقديم مواد إغاثة، بما في ذلك وقود الديزل  المستخدم في تشغيل المولدات الكهربائية. وبسبب الضغط المتزايد من منظمتنا المتزامن مع نشر هذا التقرير وما يسببه ذلك من إحراج محتمل "للإصلاحات" المزعومة في قطر؛ فقد أعيدت بعض الخدمات إلى مناطق سكن العمّال في المنطقة الصناعية بشارعي 36 و41.  وتمت إزالة النفايات إلى خارج مناطق سكن العمال في الوقت الذي أعادت شركة كهرماء تشغيل الماء الكهرباء.

ورغم أن مشكلات العمال أخذت تجتذب مؤخراً اهتمام السلطات لها؛ إلا أنّ الموظفين المكتبيين "ذوي الياقات البيضاء" ما يزالون يعانون من الإهمال. فقد أعطى مالك السكن بمنطقة الثمّامة عشرة موظفين (يعملون لصالح شركة حمد بن خالد بن حمد للإنشاءات) مهلة لغاية هذا الأسبوع من أجل دفع الإيجار أو مواجهة الطرد من مساكنهم. فقد امتنعت الشركة عن التعاون مع مالك تلك المساكن على مدار الأشهر الستة الماضية. ويخشى الموظفون من أن يتم قطع التيار الكهربائي عن مساكنهم أيضاً؛ إذ أن فواتير الكهرباء لم تدفع لشركة كهرماء منذ شهر فبراير/ شباط 2018.

وقد اضطر العديد من الموظفين إلى ترك مساكنهم الخاصة فعلاً بعدما عجزوا عن دفع الإيجار؛ نظرًا لعدم تقاضيهم أي مرتبات خلال تلك الفترة، وهم يعيشون الآن مع أصدقاء لهم.

 

تعهدات شفهية دون تنفيذ

يشتكي العمال من أن الشركة دأبت على تأجيل رواتبهم لبضعة أشهر على مدار عدة سنوات وحتى الآن. وبحسب السجلات التي حصلت عليها منظمة Migrant-Rights.org  فقد تأخر صرف رواتب العمّال 5 مرات لمدد تتراوح ما بين ستة إلى عشرة أسابيع خلال الفترة ما بين شهري سبتمبر/ أيلول 2016 لغاية أغسطس/ آب 2017. وقام العمال بتقديم شكوى رسمية لإدارة الشركة في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2017 حين لم يحصلوا على راتب شهر يونيو/ حزيران. ونتيجة لذلك، فقد حصلوا على تعهدات شفهية "بأنه سيتم حل المشكلة في أسرع وقت" مما دعاهم ذلك إلى معاودة العمل في مواقعهم بالشركة. إلا أن الأوضاع استمرت في التدهور؛ إذ لم يحصل الموظفون على رواتبهم منذ شهر سبتمبر/ أيلول 2017 ولغاية الآن.

كانت رواتب العمال تتأخر بانتظام. "توجهنا إلى الشرطة مرتين أو ثلاثة مرات وحصلنا على رواتبنا بعد تدخلها وتوسطها". ولكن منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017 باءت تدخلات الشرطة بالفشل؛ إذ لم تفلح مساعيها في حصول العاملين على رواتبهم. وامتدّ ذلك إلى شهر يناير/ كانون الثاني 2018؛ حيث امتنعت الشركة عن صرف رواتبهم أيضاً.

كان العمال يعملون لمدة 48 ساعة أسبوعيًا على مُدَد تتراوح ما بين 15 إلى 20 ساعة كعمل إضافي. وبهذا زادت رواتبهم [المفترضة] ـــ التي تتراوح ما بين 900 إلى 1200 ريال قطري ـــ زيادة كبيرة. "كانت الشركة تقول لهم إنها تتوقع مشروعًا كبيرًا وستُحل جميع المشكلات بمجرد الحصول عليه" .

ولكن كان الامتناع عن صرف الرواتب هي القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لهؤلاء العمال. إضافة إلى أن بعضهم لم يحصل على بطاقة الهوية القطرية على مدار السنة الماضية.

يقول أحد العمال "كانت الشرطة تُوقف الحافلة في أي وقت وتطلب الاطلاع على هوياتنا. في بعض الأحيان تستدعي المندوب (موظف العلاقات العامة الذي يتعاون مع الحكومة) الذي يخبرهم بدوره أنه سيتم تجديد بطاقات الهوية للعمال خلال أسبوع. وفي أحيان أخرى تقوم الشرطة باحتجازنا إذا كانت بطاقة الهوية منتهية لما يزيد على ستة أشهر، وكنا نُترك في الحجز".

يؤكد العمال أن شركة "حمد بن خالد بن حمد للإنشاءات" كانت تتكفل بدفع رسوم تجديد تأشيرات الإقامة للموظفين حتى عام 2016. لكن ذلك تغيّر. من جانب آخر فإن معظم العاملين لم تكن لديهم بطاقة صحية. وفي ظل تأخير الرواتب فإن هؤلاء العمال  لم يكن في مقدورهم سداد رسوم تجديد تصاريح العمل.

"من أراد المغادرة في إجازة وانتهت بطاقة هويته كان يضطرّ للاقتراض من أصدقائه لتجديد بطاقة الهوية (1200 ريال قطري). بعضهم اضطرّ إلى اقتراض المزيد من الأموال؛ إذ كان عليه دفع غرامة تأخير التجديد. هذا في الوقت الذي استمرت الشركة إعطاء الوعود الكاذبة بأنها سوف تعوضهم عن تلك الأموال".

لقد فضل بعض الموظفين ممن عملوا في قطر مدة عامين أو أقل العودة إلى بلدانهم دون أن يكافحوا من أجل الحصول على مستحقاتهم. كان الوضع مزريًا دون طعام وعمل ومستلزمات المعيشة الأساسية. وبالتالي فإن المعاناة التي كانوا سيتكبّدونها [ لو فضّلوا المكْث]  لم تكن تتناسب أبدًا مع الرواتب والمزايا المتأخرة [فيما لو حصلوا عليها].

فشل آليات معالجة الشكاوى

لم يقتصر إهمال  شكاوى العمال المقدّمة على الشركة فقط والتي تتضمن شكاوى بخصوص تأخير الرواتب، والامتناع عن دفعها، وعدم الالتزام بتجديد تأشيرات الإقامة، إضافة إلى ظروف النقل غير الآمنة في الحافلات.

ففي 10 أبريل/ نيسان 2018 قام العمال بتسجيل شكوى أيضاً في السفارة الهندية. ثم لاحقًا في السفارة النيبالية فالبنغالية. لكن لم يكن في مقدور السفارات المذكورة (السفارة الهندية بصورة أساسية والسفارة البنغالية والنيبالية والسريلانكية والفلبينية) سوى عمل القليل. بعض المساعدات المبدئية كإرسال خطابات إلى إدارة الشركة وتقديم بعض مواد الإغاثة في حال وجدت. هذا كل شيء.

في 15 مارس/ آذار 2018 قدم العمال أول شكوى إلى الشرطة في قسم "شرطة الخور" بعد أن لم يحصلوا على رواتبهم قرابة سبعة أشهر. وقد وعدت الشرطة بالتحقيق مع شركة حمد بن خالد بن حمد. ثم عادوا أيضاً  في 18 مارس/ آذار وقدموا شكوى أخرى إلى الشركة مطالبين بالحصول على أجورهم. ولكنهم لم يحصلوا سوى على وعود سرعان ما ذهبت أدراج الرياح. وحين أصبح العديد من العمال ممن يعيشون في مساكن خاصة مهددين بالطرد من منازلهم، عادوا إلى قسم الشرطة مرّة ثانية فطُلب منهم الانتظار لغاية الأول من أبريل/ نيسان.

"لكننا لم نقتنع، وتوجهنا إلى وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية في 25 مارس/ آذار 2018 وتقدمنا بشكوى هناك. تعهد لنا موظف الوزارة المسؤول بأنه سيستدعي مندوب الشركة خلال يومين، وطلب منا العودة في 27 مارس/ آذار 2018 للمشاركة في اجتماع مع مندوب الشركة. وفي 27 مارس/ آذار تعهدت الشركة أمام الوزارة بأن كل شيء سيكون على ما يرام وستُحل جميع المشكلات قبل 10 أبريل/ نيسان 2018. وتعهدت بذلك في خطاب قدمته إلى الوزارة".

في 10 من أبريل 2018، أُخبر موظفو الشركة [من قبل وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية] بأنهم سيسجلون قضية يوم 16 أبريل/ نيسان 2018.

"ومرة أخرى في 16 أبريل/ نيسان طلب منا موظف الوزارة أن ننتظر ساعة أخرى لمنح الشركة فرصة أخيرة. وإذا لم يحدث شيء فإن شكوانا سترفع إلى لجنة النزاعات. قال إن الأمر سيستغرق من 15 إلى 21 يومًا، وحالما يتم تسجيل قضيتنا ستصلنا رسائل للمشاركة في جلسة استماع".

ذهب المزيد من العمال لتقديم شكاوى نتيجة لتغيّر الوعود والتعهدات بصورة يومية. ولكن بعد الأول من مايو/ أيار 2018 أخبروا بأنه لن يتم قبول أي شكاوى جديدة [من قبل من سبق لهم تقديم شكاوى] لغاية 10 مايو/ أيار 2018. وتمّ تعليل ذلك بوجود كم هائل من الشكاوى مقدمة ضد شركة حمد بن خالد بن حمد.

في 12 أبريل/ نيسان 2018 قامت مجموعة من العمال بتقديم بشكوى بخصوص هذا الوضع  إلى "إدارة حقوق الإنسان" التابعة إلى وزارة الداخلية في مدينة خليفة. ولكنهم أخبروا بأن الإدارة لن يمكنها التدخل؛ حتى يتم تسجيل القضية. ولهذا ذهبوا إلى "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان" في 12 ابريل/ نيسان 2018 وتقدموا بشكوى هناك. ونظراً لعددهم الكبير فقد نشأ تنسيق بين "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان" ومؤسسة "قطر الخيرية" والسفارة الهندية والسفارة النيبالية وصندوق "الجالية الهندية للأعمال الخيرية".

خلال تلك الفترة أيضاً توجهت مجموعة من العمال مرتين إلى "محكمة العمل" من أجل التظاهر والمطالبة بإنصافهم. ولكن مجدداً فهم لم يحصلوا سوى على تعهدات بأنه ستتم تسوية الأوضاع خلال بضعة أسابيع.

لقد كانت هناك آثار بالغة ناتجة عن عدم حصول العاملين على رواتبهم تجاوزت قدرتهم على توفير سبل الحياة اليومية. فقد أُلقي القبض على أحد المهندسين الفلبينيين وأودع السجن لمدة 3 أشهر بسبب عدم قدرته على الوفاء بديونه. وتلقى بعض الموظفين الآخرين أيضًا اتصالات ورسائل من البنوك تهددهم باتخاذ إجراءات قانونية ضدهم لتأخرهم عن سداد التزاماتهم الماليّة.

في 8 مايو/ أيار 2018 تسلم بعض العاملين الذين سجلوا شكاواهم في المنطقة الصناعية استدعاءات للمثول أمام المحكمة، ولكنهم أُخبروا بعد ذلك بتأجيل الجلسة إلى 20 مايو/ أيار. فيما لم يحصل العاملون الذين قدموا شكاواهم لدى فرع الوزارة في برج الهدى على إخطار بموعد جلسة الاستماع؛ حتى بعد ذلك بوقت كثير.

وبسبب عدم قدرة العاملين على الوصول إلى صانعي القرار في الشركة، فقد أصبحت مصائرهم معلقة في أيدي مجموعة من الموظفين الوافدين الآخرين في أقسام المحاسبة والعلاقات العامة. لم يعد أي شيء واضحا أمامهم.

يقول أحد الموظفين "هؤلاء هم من يساعدوننا قليلاً. ويُعدّون مستندات إخلاء الطرف لمن حصلوا على وظائف أخرى وما شابه".

هذا وقد أحيلت القضية إلى منظمة "العمل الدولية" التي افتتحت مكتبا لها مؤخرًا في دولة قطر.