لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

إحدى كبريات شركات المقاولات في عمان تترك عامليها في موقف عصيب

أكثر من 600 عامل مهاجر تقطعت بهم السبل في مخيمات مهملة يكافحون من أجل الحصول على أشهر من الأجور المستحقة

في 27 أبريل 2019

في منطقة غلا الصناعية بمسقط يقع مُخيَّم عمالة متهالك يسكنه ٢٥٠ عاملًا معظمهم من الهند بالإضافة إلى بعض العمال البنغلاديشيين والباكستانيين. نحو ٤٠٠ من زملائهم موزعون في مختلف معسكرات العمالة في مسقط وحولها.

طوال العشرة أشهر الأخيرة، قرابة ٦٥٠ موظفًا في شركة حسن جمعة باقر للتجارة والمقاولات لم يتقاضوا أجورهم. معظم تأشيراتهم قد انتهت، لذلك لا يغادرون المخيم المزدحم خشية أن تعتقلهم الشرطة. ورغم فشل الشركة في تجديد تصاريح عملهم، فالعمال هم مَن يتحملون تكاليف تجاوز فترة الإقامة لكي يتمكنوا من الخروج من البلاد وإلا يواجهون العقوبة القضائية.

في الأسابيع القليلة الماضية، اعتمدوا على المساعدات الغذائية من المنظمات الخيرية المحلية.

يقول أحد كبار السن في المخيم: «لقد متنا عندما مات أربابنا في ٢٠١٦». بعض الموظفين يعملون في الشركة منذ ٢٥ سنة وبعضهم يعملون فيها منذ ٣٤ سنة. أما معظمهم فيعملون مع الشركة لفترات تتراوح بين ثماني إلى عشر سنوات.

محمد صادق خان من باكستان: إنني محاصر هنا منذ سبعة أشهر. بعض الزملاء هنا منذ سنوات. إنهم يعطوننا وعودًا وحسب. إننا نريد العودة إلى بلادنا، نريد تذاكرنا ومستحقاتنا. لقد وعدونا بمذكرة عدم ممانعة وبدفع مستحقاتنا لكننا لم نتسلم شيئًا. إننا نعاني. لا نريد مذكرة عدم ممانعة. نريد العودة إلى بلادنا وحسب. لقد عملنا هنا منذ ١٢ عامًا. إنهم يدينون لنا برواتب ثمانية أشهر وتعويض عن السبعة أشهر التي بقينا فيها عاطلين عن العمل.

 

يرفض العمال كل عروض المساعدات والإمدادات. يقول أحدهم: «ماذا نفعل بكل ذلك الطعام هنا بينما تجوع عائلاتنا هناك؟». يقاطعه آخر موافقًا إذ يقول: «لا نريد بطاقات شحن للهواتف؛ فما نفع الاتصال بعائلاتنا ونحن لا نملك أجوبة لأسئلتهم… متى سنتلقى المال؟ متى سنعود…؟»

جميعهم يرددون الرجاء نفسه: «كل ما نريده هو العودة إلى بلادنا». بعضهم جلب الأموال من بلده الأصلي ليدفع الغرامات وعاد بالفعل. أما محمد من بنغلاديش فيقول: «نحن لا نستطيع فعل ذلك».

«ماذا نفعل بكل ذلك الطعام هنا بينما تجوع عائلاتنا هناك؟»

كيف انكشف الأمر

في ٢٠١٨، صُنِفت شركة حسن جمعة باقر للتجارة والمقاولات واحدة من أهم الشركات في عمان، بل واقتصر عملها على المشروعات الحكومية فقط تقريبًا. بعض أهم مشاريعها شملت أعمال بناء للحرس الملكي العماني، وجامعة السلطان قابوس، والمؤسسة العامة للمناطق الصناعية، بالإضافة إلى غيرها من مشاريع الطرق والبنية التحتية المائية للحكومة العمانية.

بلغت أرباح الشركة في ٢٠١٨ نحو ٢٦ مليون ريالًا عمانيًا (٦٨ مليون دولارًا أمريكيًا)، وفقًا لأحد كبار الموظفين.

عندما تُوفي رئيس مجلس إدارة الشركة والشريك ذو النصيب الأكبر، حسن جمعة باقر، في نهاية عام ٢٠١٦، جرى صراعٌ على السلطة. كان ابنه أحمد حسن جمعة يحمل ٣٠٪ من أسهم الشركة، وحمل كريشناكومار تاوري، مدير إدارة المجموعة، ٣٠٪ أيضًا. أما الـ٤٠٪ المملوكة للراحل فتوزعت على أحمد باقر وأخواته السبعة، وحين منح تاوري أحمد توكيلًا عامًا بشأن حصته في الشركة، نال أحمد أغلبية الأسهم بالإضافة إلى الحكم المطلق في الشركة. أما تاوري، الذي يدير أعمالًا في الهند أيضًا، فلم يعد يعيش في عمان.

وبحسب المحامين الذين يتولون القضية، سحب أحمد حينها مبلغ ٢٥ مليون ريالًا عمانيًا من الشركة وشرع في تصفيتها والتنازل عن عروض المشاريع. ورغم رفع أخواته قضية ضد التصفية، حكمت المحكمة لصالح شركة حسن جمعة باقر.

في الوقت الحالي، توقفت الشركة عن دفع المستحقات لنحو ٦٥٠ عاملًا ما يزالون يعملون في مشاريعها ما بين يونيو ويوليو ٢٠١٨. طُرِد العمال حين انتهت تأشيراتهم؛ بسبب رفض الشركة تجديد أوراقهم. هكذا أصبح أكثر من ٧٥٪ من العمال المحجوزين في وضع غير قانوني.

في ٥ مارس ٢٠١٩، أنهت شركة التموين التي كانت تمد مخيمات العمالة بالطعام خدماتها؛ إذ لم تسدد لها شركة باقر ديونًا بعشرات الآلاف من الريالات.

خرابٌ وحصار

بحسب العمال الذين تحدث إليهم موقع Migrant-Rights.org فإنهم قد اتبعوا كل المسارات القانونية المتاحة للشكاوى والتظلُّم. يقول آشوك، الذي يعمل مع الشركة منذ عشر سنوات: «قدمنا بلاغًا للشرطة، ثم توجهنا إلى وزارة القوى العاملة، وقدمنا شكوى لدى السفارة… إنهم لا يفعلون أي شيء ويستمرون في التعهد بأن كل شيء سيُحل في غضون أسبوعين. لقد مرت أشهر والوضع لم يتغير».

منذ شهرين، تظاهر العمال أمام مقر الشركة وسجلت وزارة القوى العاملة شكواهم ووعدتهم بحل المشكلة، لكنها لم تتخذ أي إجراء. (انظر الوثيقة)

فوق هذا كله، استنجد العمال مرارًا بناجش فاتسيايان، مدير عام الشركة. «في البداية وعدنا بالمساعدة، والآن لم يعد يرد على اتصالاتنا».

تواصل موقع Migrant-Rights.org مع فاتسيايان، لكننا لم نتلقى منه أي تعليق.

فولشاند من الهند: عائلاتنا مكروبة، ولدينا الكثير من المشاكل. لقد أعطونا وعودًا زائفة وجعلونا نعمل. إنني أعمل هنا منذ ٢٢ عامًا. لقد تعهدوا بأن يجددوا تأشيراتنا لكنهم لم يفعلوا.
 

تدين الشركة للعاملين بمرتبات ومكافآت مُستحَقة (بدون تعويضات) يبلغ قدرها الإجمالي نحو واحد ونصف مليون ريال عماني (٣.٨ مليون دولار أمريكي)، وفقًا للمحامين المدافعين عن العمال.

كان العمال يتقاضون ما بين ٤٥ و٩٠ ريالًا عمانيًا كراتب أساسي، ووقت إضافي يزيد صافي مرتباتهم بنحو ٦٠ إلى ٩٠ في المئة. حاليًا تدين الشركة لهم بتلك الأجور بالإضافة إلى مكافآت نهاية الخدمة؛ أي راتب شهر كامل عن كل سنة عمل.

نظرًا لكون مخيم غلا أكثر ترابطًا ويضم أغلبية العمال، انتقل إليه نحو ١٠٠ عامل إضافي آتين من معسكرات أصغر.

تنتشر الأسرَّة ذات الأدوار في المساحة المفتوحة بين الكبائن المتنقلة، معظمها إما مكتظ بالعمال أو مُدمَّر لدرجة أنه لا يصلح لاستخدام أي أحد. التكييفات معطلة، وإمدادات المياه غير منتظمة، والصرف الصحي مُعطَّل، وتراكم القمامة يزيد الوضع كله سوءًا. هذه الأجواء غير الصحية تجذب البعوض، ويمرض الكثير من العمال نتيجة نقص الرعاية الصحية.

بعض الرجال يُضطر إلى النوم في الخارج نتيجة اكتظاظ المخيم.

يقول جمال الدين من بنغلاديش: «منذ يوليو من العام الماضي ونحن مجبرون على العمل رغم عدم دفع الشركة مستحقاتنا. قالوا إذا استمريتم في العمل فربما ندفع لكم الشهر المقبل، لكننا لا نملك المال الآن. هكذا نواصل العمل دون أجور منذ أشهر».

في الوقت الحالي، لا يغادر أي من هؤلاء العمال المعسكر. يقول أحدهم، وهو أصغر سنًا، إنهم يتجنبون الخروج للبحث عن وظائف أخرى خشية أن تقبض عليهم الشرطة.

راماشانكار من ولاية راجستان الهندية عمل مع الشركة لست سنوات. يدخل إلى منتصف الدائرة وقد بدا عليه الاضطراب الشديد (شاهد الفيديو) وكأنه على وشك الانهيار العصبي. لم تتمكن ابنته من دخول امتحاناتها لأنهم لم يستطيعوا دفع الرسوم. يقول: «إننا لا ننام. تعالوا في أي وقت من الليل وسترون أننا نجلس هنا لنبكي معًا. جميعنا مضطرب نفسيًا».

يضيف راماشانكار: «إنه لمن المُهين أن نقبل المعونات الخيرية. نحن رجال أصحاء البنية، لم يسبق لنا أن أكلنا لقمة لم نشقى من أجلها، لا نحن ولا عائلاتنا. نجلس هنا من الصباح حتى المساء، بلا عمل، نأكل من تبرعات الآخرين. أجدر بنا أن نموت.»

يتساءل آشوك: «كيف يمكن لنا أن نتناول طعامنا هنا بينما عائلاتنا تموت جوعًا في بلادنا»؟

«لقد فقدنا آباءنا وأمهاتنا، واضطر بعض أبنائنا إلى ترك مدارسهم. كيف لنا أن نتخطى كل ذلك؟ نريد أن نعود إلى أوطاننا وحسب».

راماشانكار من الهند: أرجعونا إلى بلادنا في أقرب وقت ممكن. إننا نعاني كثيرًا. أطلب من وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج ورئيس الوزراء ناريندرا مودى أن يساعدونا وإلا سنموت هنا. إن السفارة لا تدعمنا.

 

ملاحظة: التعليقات التوضيحية على الفيديو ليست ترجمات كاملة.