لماذا يجب أن تكون الحميمية أو حتى الحياة العائلية مقصورة على الجنسيات المميزة والأثرياء؟
قطر، مثلها مثل جميع دول الخليج، تجعل من المستحيل لأزواج وشركاء العمال المهاجرين منخفضي الدخل مرافقتهم في أثناء فترة عقدهم. وعلى مدى فترة طويلة من الحرمان من المودة والمشاعر الحميمة تصبح الرغبة أكثر إلحاحاً. وما يجعل الامر صعباً هو أن تكون محاطاً بالأزواج من الجنسيات المميزة، يتسكعون جنباً إلى جنب بيدين متشابكتين، أو يتناولون وجبة طعام معاً مستمتعين بالصحبة. وبعد قضاء يوم ساحر يعودون إلى بيوتهم حيث ينعمون برفاهية الخصوصية.
وللبقية منا، فإن خياراتنا محدودة. ابتداءً من اختلال نسبة الرجال إلى النساء، والتي، إن لم أكن مخطئاً فهي 3:1، وفي معدل العمر ما بين 25 و35 عاماً فالنسبة تقفز إلى 4:1. إنها تنافسية للغاية.
بالنسبة لمنخفضي الدخل من العمال المهاجرين، ليس من السهل التفاعل مع أشخاص ينتمون إلى نفس البلد التي يأتون منها، إذ أننا إما أن نكون في موقع العمل أو في أماكن سكننا. ومع القيود المفروضة علينا "نحن الرجال" لزيارة أماكن عامة معينة مثل الشواطئ، ومراكز التسوق، والمتنزهات، تصبح خياراتنا المتبقية محدودة. والفرصة الأفضل للقاء الناس هو مكان العمل (يعتمد ذلك على مكان العمل)، أو أثناء التسوق (يعتمد على السوبر ماركت أن مركز التسوق الذي تذهب إليه، أو، كما سمعت، الكورنيش (يعتمد ذلك على ما إذا كان هناك قيود مفروضة).
ومن النادر أن تتم المواعدة بين المنتمين إلى أعراق مختلفة، بينما يتم ذلك تدريجياً مع ارتقاء درجة الراتب وسلم الجنسية.
ومع محدودية الخيارات هذه، فإن اغلب التفاعل يحدث عبر الانترنت، على صفحات فيس بوك الخاصة بالدول ومجموعات الواتس أب. هنا يمكن للناس مشاركة تجاربهم في الخليج، ونشر محتوى ملهم، وإعطاء بعض الأمل للأوضاع غير المثالية – بما في ذلك الإحباط الجنسي، والصعوبات التي يتم مواجهتها في مواقع العمل، والحنين إلى الأوطان، وبشكل عام التخفيف عن النفس بالحديث إلى مواطنين من بلدانهم. هنا يمكن للناس التواصل، وإذا ما حصل بينهم التوافق، يتم تبادل أرقام التواصل ومن ثم يبدأ التخطيط للخروج واللقاء.
الآن، أود أن أقول إن "الخروج معا" يعني المشي بغرض التنزه، والذهاب إلى السينما أو لتناول عشا رومانسي، ولكن ذلك هراء. " ويشير مصطلح "الخروج " دائماً إلى شراء الخصوصية بشكل مؤقت، في واحد من الفنادق الرخيصة في أنحاء الدوحة. ويمر الوقت سريعاً في مثل هذه الأوضاع، ويكون لكل ثانية معنى، فأنت لا تعرف متى ستتوفر لك مثل هذه الفرصة مرة أخرى. وخلال هذا الوقت من حقك أيضاً أن تكافئ نفسك بوجبة سريعة يتم توصيلها لك – نوع من المكافأة في مقابل العبودية المستمرة في عملك، والروتين العادي الذي يأتي معه. وللحظة عابرة من الحياة الطبيعية، فإن تكلفة الغرفة والمواصلات والطعام تصل إلى ما بين 400 – 500 ريال قطري.
وإن لم تكن محظوظاً بما يكفي ليكن يوم إجازتك الأسبوعية متوافقاً مع يوم شريكك الجديد، أو إن تكن تمتلك ما يكفي من المال، أو إن لم تكن على استعداد لإنفاق هذا القدر من المال على أقل من يوم من الصحبة، فإن الخيار التالي أمامك هو تبادل الرسائل النصية.
وهذه نظريتي فقط، ولكن هنا في قطر، يحيلنا الحرمان من الحياة الحميمة إلى السلوك الحيواني. ربما سيكون عليّ استشارة أنثروبولوجي، ولكن الإنسان يحتاج بشكل عام لإقامة علاقة حميمة مع الشريك، والتعرف على بعضهم البعض أولاً لمعرفة أن كانوا مناسبين لبعضهم تماماً على المدى الطويل. إنما هنا تم محو جميع هذه الجوانب الإنسانية وحلت محلها الرغبات الجسدية لتتصدر الاهتمام. انتهى الانزعاج (المُتصور) من هذه المشاعر، أو ربما أنا الوحيد الذي أشعر بذلك.
قد لا أكون أفضل من يمكنه تقديم التوصيات حول كيفية تسهيل حياة العمال المهاجرين من أجل حياة حقيقية، لكنني سأقول شيئاً أو شيئين على أية حال.
لا يجب أن تفرض قطر أي قيود على "العزاب" لمنعهم من زيارة الأماكن العامة، لكن هذا يبدو غير عملي. فما أن يظهر هؤلاء الرجال فهناك أمرين مضمون حدوثهما، من بين الكثير من الاحتمالات الممكنة. سيكونون على الأغلب أهدافاً للتمييز العنصري (المباشر وغير المباشر، السلبي والنشط)، وسوف يقاطع الأشخاص من ذوي الامتيازات، تدريجياً، هذه الأماكن على اعتبار أنها سهل الوصول اليها من قبل الجميع. ربما بعد ذلك، يجعل ذلك المجتمعات أكثر شمولية، الأمر الذي قد يعيدها إلى لوحة رسم التخطيط الحضري وهيكل الأجور.
يدفعني هذا إلى السؤال: لماذا تكون "الحياة الطبيعية" من حق ذوي الامتيازات وحدهم في حين أن الجميع لديهم احتياجات لا بد أن تُلبّى، سواء أكانوا من ذوي الدخل المنخفض أم لا؟
(مرة أخرى، الأمر يبدو غير عملي، تخيل فقط أن تقيم عائلة من جنوب آسيا أو أفريقيا حفلة شواء بالقرب من الشاطئ شأنها شأن العائلات القطرية، والبريطانية، والأمريكية.)