لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

نظام الكفالة لايزال حي يرزق، والمهاجرون هم الأكثر تضرراً

في 2 نوفمبر 2020

هناك ميل للاحتفاء والاحتفال بكل إصلاح صغير وكل تشريع جديد في قانون العمل على أنه إلغاءً لنظام الكفالة. وعندما تجعل الدولة هذا الإدعاء مسموعاً، وتسخّر كل قدراتها في العلاقات العامة لخدمته، يتم تبني الخط الرسمي دون أي انتقاد أو تحليل... حتى يتم الإدراك فيما بعد أن ذات المشكلات القديمة الناجمة عن نظام الكفالة لاتزال موجودة. حينها، تماطل الدول لشراء بعض الوقت لـ"إلغاء" نظام الكفالة، مرة أخرى. 

نرى ذلك في لبنان الذي ادعى أن العقد المعياري للعاملات المنازل هو نهاية نظام الكفالة (وهو ما رفضه مجلس الشورى مؤخرا). نسمع أيضاً عن تهليل البحرين بنظام التصريح المرن وأنه بمثابة انتهاء نظام الكفالة، إلى الدرجة التي حافظت به على درجتها في المستوى الأول لثلاث مرات متتالية في تقارير الاتجار بالأشخاص TIP (برغم المشكلات التي يتم ذكرها هنا). وتزعم السعودية، حالياً، إلغائها لنظام الكفالة في 2021، كخطوة تالية بعد تطبيق " الإقامة المتميزة" للأجانب من ذوي الدخول العالية. 

وتعتبر حالة قطر، وإلى حد بعيد، هي الأكثر انتقاداً والأكثر إشادة. فمنذ 2014، سمعنا أن قطر تزعم إلغاء نظام الكفالة. أولا بإعادة تسميته بنظام التعاقد. وتالياً، بتغيير أجزاء من متطلبات شهادة عدم الممانعة لتغيير الوظائف، ثم بإلغاء تصريح الخروج على مراحل. والآن، أخيراً التخلص بشكل كامل من شهادة عدم الممانعة، الأمر الذي يسمح للعمال بتغيير وظائفهم في أي وقت. 

هذا المقال يستكشف نظام الكفالة في قطر، ليس لأنهم أسوأ المسيئين، وإنما، ببساطة، لأن العمل الأكثر وضوحاً تم القيام به من قِبل نشطاء حقوق الإنسان والحكومة نفسها على السواء، ويعود ذلك بشكل أساسي، إلى الانتباه الذي أثاره كأس العالم 2022 للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

وفي حين دفعت الدعوة الدولية الجماعية قطر إلى الحديث عن احترام حقوق الإنسان للمهاجرين، من المهم الاعتراف أن الدولة أظهرت استعداد غير مسبوق (في المنطقة) للعمل مع المنظمات غير الحكومية الدولية، والنقابات العمالية ووكالات الأمم المتحدة. كما أن التعاون الفني مع منظمة العمل الدولية وتأسيس مكتباً للمشاريع عنى أن القوانين والتشريعات تلبي المعايير الدولية. 

وتعتبر الإصلاحات التي تم إدخالها خلال السنوات الست الماضية جديرة بالملاحظة وتشمل بشكل أساسي قانون العمل وهو من اختصاص وزارة التنمية الإدارية والعمل والتنمية الاجتماعية. لكن أي قانون لا يكون صالحاً إلا بتطبيقه بشكل جيد. وأي قانون يعتبر أقل فاعلية وحاكمية من قانون الهجرة الواقع تحت اختصاص وزارة الداخلية. وفي التسلسل الهرمي للهيئات الحكومية، فإن وزارة الداخلية هي الأكثر سيطرة وحاكمية.

وتعتبر النظرة الضيقة لمسألة حقوق المهاجرين على أنها قضية حقوق عمالية، أحد أسباب استمرار المشاكل. بالإضافة إلى أن الافتقار لوجود النقابات العمالية والمجتمع المدني الرسمي والمساعدة القانونية، يجعل الإصلاحات الجيدة غير مجدية كما ينبغي. 

ولفهم سبب بقاء نظام الكفالة، من المهم فهم ماهية النظام. إنه تسمية واسعة جداً و"لزجة جداً" أكثر من أن يكون لها معني حقيقي لرفاه العمال. فنظام الكفالة يبدو مختلفاً في كل دولة تقوم باستخدامه.  والقاسم المشترك الوحيد هو أن تصاريح الإقامة والعمل لكل عامل مهاجر مربوطة بشخص أو لكيان واحد.   

فصاحب العمل يتحكم في حق دخول البلد للعيش والعمل. ولا يمكن للعامل المهاجر تجديد تصريح إقامته، ولا يمكن أن يتم إلا عن طريق صاحب العمل. ومع ذلك فإن عدم القيام بذلك سيعرّض العامل للعقوبة والتجريم الذي يصبح تبعاً لذلك غير نظامي أو مقيم "غير قانوني". 

وما فعلته قطر على مدى السنوات (كباقي دول الخليج) هو وضع قوانين عمل قوية نسبياً لكنها توفر المعايير الدنيا فيما يتعلق بساعات العمل، وأوقات الراحة، والمستحقات والأجور. وعلى الورق فقط. 

وعندما لا يلبي صاحب العمل هذه المعايير الدنيا، فهناك قدر قليل أو منعدم من المسئولية، لأن العمال لا يملكون ما يمكّنهم من تحمل حتى قدر قليل من التأخير في تحقيق العدالة. وطوال فترة سير إجراءات الشكاوى يظل المهاجرون تحت رحمة صاحب العمل الذي قدموا الشكوى ضده. 

ويعتبر هذا أمر مؤسف، إذا أن العملية داخل وزارة العمل تميل لصالح العمال، ولأن منصة تغيير الوظيفة عبر الانترنت (أون لاين) سهلة ومتاحة. ولأنه، عندما يتم رفع القضايا لدى المحكمة العمالية، فدائما يتم تسويتها لصالح العمال. 

ومع ذلك، ففي أي مرحلة خلال هذه العملية، فإن المدعى عليه بإمكانه تقديم قضية مضادة ضد المشتكي لعدة أسباب منها، عدم تطلّب أن منها وجود دليل حقيقي، وإنما ببساطة لأنهم قادرون على ذلك. فيصبح العامل الذي قدم الشكوى يكافح الآن ليس من أجل تحقيق العدالة فحسب، وإنما لإثبات براءته من التهم التي قد تتراوح ما بين "الهروب" وحتى سرقة المال والاحتيال.

في العام 2018، قدم أوكرانيا يعمل في مطعم بمنطقة لؤلؤة قطر، شكوى بعد دفع الأجر. وبرغم أن الحالة قد تم تسجيلها، إلا أن صاحب العمل رفع بدوره دعوى ضده بتهمة الاحتيال المالي. وكان بإمكان تحقيق بسيط أن يكشف عدم قدرة العامل على الوصول إلى الشؤون المالية للشركة وأن طبيعة التهمة التي يزعمها صاحب العمل في حق العامل هي أقرب إلى المستحيل ارتكابها. ولكن بسبب عدم القيام بالتحقيق، تم وضعه في السجن بانتظار جلسات المحاكمة في المحكمة الجنائية.

بداية جيدة

مع إلغاء شهادة عدم الممانعة، فإن العامل يحتاج فقط أن يقدم إشعاراً لصاحب عمله الحالي وتقديم طلب تغيير الوظيفة. وكلا هاتين الخطوتين تتطلبان سهولة في تقديم الطلب عبر الانترنت. وعند اكتمال كل خطوة، يستلم العامل إشعاراً بالموافقة (أنظر الصورة). هذا النظام يستحق الإشادة فعلاً. 

ولكن، لأن تصريح الإقامة لايزال مربوطاً بصاحب العمل، فإن الأخير سيتسلم إشعاراً بالإخطار وبإمكانه أن يلغي فوراً البطاقة الشخصية، أو تقديم دعوى ضد العامل بضغطة زر واحدة على تطبيق مطراش. ويحق للعمال المنتهية صلاحية بطاقتهم الشخصية أو الملغاة فترة سماح مدتها 90 يوماً دون التعرض لغرامة تجاوز مدة الإقامة. ومع ذلك، فإن عليهم الآن تقديم طلب منفصل لإعادة تفعيل البطاقة قبل التقديم لتغيير الوظيفة. 

ويتردد العمال في اتخاذ أي خطوة قد تتسبب في مضايقة كفلائهم، الذي يملكون القدرة على مضايقتهم أو خلق مشاكل لهم، الأمر الذي سيتطلب، لاحقاً، إجراءات طويلة لحله. إن معظم العمال منخفضي الدخل يقيمون في مساكن عمالية تحت أنظمة أمنية يتم التحكم من خلالها بدخولهم وخروجهم منها، وعندما تتنامى إلى علم أصحاب العمال إشارة فقط بتقديم شكوى ضدهم، فإن العمال يُمنعون من حضور جلسات المحاكم أو متابعة سير قضاياهم وشكاوى تظلمهم. وهذا التقييد يعتبر أكثر وضوحاً بين عاملات المنازل اللاتي تعتبر أماكن الإساءة لهم هي نفسها البيوت التي يقيمون فيها.  وتعني مغادرة هذه البيوت وضعهن في مخاطرة التعرض للاتهام بـ “الهرب". ويجبرهن الخوف من الإجبار على مغادرة البلد وترك مصدر رزقهن، على تحمّل ظروف العمل السيئة. 

وفي كل خطوة خلال العملية، يواجه العمال بشكل واضح أو ضمني الردع من تقديم شكوى عمالية تستغرق وقتاً، إذا لا يوجد أسهل من قيام الكفيل بتقديم دعوى ضد العمال وتركهم عاطلين عن العمل، وغير نظاميين، ومتورطين في قضايا جنائية مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً. 

ومن الواضح أن أنه بمجرد ذهاب القضية إلى اختصاص وزارة الداخلية، وحتى في حالة أن العامل لديه قضية قائمة لدى وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية، فالعامل بالتأكيد لا يكون في وضع جيد ويواجه الترحيل دون القدرة على المطالبة بمستحقاته. 

إن ما أخفقت فيه الدعوة الدولية والأنشطة ضد نظام الكفالة في الاعتراف به هو الفجوات المعرفية لديهم، وأنهم لم يتمكنوا من استيعاب هدف مطالباتهم بشكل تام (لإلغاء نظام الكفالة). وعلى عكس العبودية، التي غالباً ما تعادل بالكفالة، فإن تعريف نظام الكفالة ليس عالمياً. وتختلف تجربته وفهمه بين الناس بناءً على السياق الذي يأتون ضمنه، وجنسياتهم، وموقعهم. ولذلك، فإن الوقت قد حان للابتعاد عن الدعوات العامة لإصلاح نظام الكفالة، وتحديد الممارسات والقوانين التي تتعارض مع حقوق الإنسان الدولية. 

تغيّر كل شيء، لكن شيئاً لم يتغيّر

كل ذلك لنتمكن من القول، أنه بعد ست سنوات منذ أول زعم بإلغاء الكفالة، فإن تجارب العمال – بناءّ على مقابلات وأبحاث Migrant-Rights.Org – ظلت كما هي بدون تغيير تقريباً.

نظام حماية الأجور الذي أطلق في 2015 لم ينجح حتى الآن في  الحد من سرقة الأجور.

يعتبر احتجاز جواز السفر غير قانوني، إلا أنه متفشي، ولا يُعاقب أصحاب العمل لقيامهم بذلك. 

لم ينجح صندوق دعم وتأمين العمال الذي أُنشئ في 2018 حتى الآن في خفض مدة انتظار العمال لاسترداد أجورهم غير المدفوعة، ولكن الظروف التي يتم استخدام هذه الأموال بمقتضاها، لاتزال غير واضحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تسهيل تغيير الوظائف لا يخفف القبضة الخانقة التي يتمتع بها أصحاب العمل تجاه موظفيهم. 

وفيما يلي عدد من الأمثلة التي توضح أن التجارب المعاشة للعمال لم تتغير فعلياً بما يعكس الإصلاحات التي تم إجرائها خلال السنوات القليلة الماضية، كما توضح القوة التي لا رادع لها، التي يتمتع بها الكفلاء. 

خلال عدة شهور في عامي 2017 و2018، لم تدفع أجور 1200 من عمال  شركة حمد بن خالد بن حمد للإنشاءات وتم تركهم فريسة للعوز والحاجة. وقد عاد العديد من الموظفين إلى بلدانهم يائسين وخالي الوفاض. أما أولئك الذين قدموا دعاوى في المحاكم للحصول على حقوقهم فقد تسلموا حكماً لصالحهم في منتصف 2019. إلا أن الحكم لم يدخل حيّز التنفيذ سوى في الربع الثالث من 2020، وحينها تسلم المشتكون أجورهم المستحقة، التي لم تتضمن أية تعويضات للمشقة التي نكبّدوها طوال الفترة. وكانت الشركة مملوكة لعدد من أفراد فرع من الأسرة الحاكمة. 

وفي خلال الفترة من 2018، تُرك 800 عامل تابعين لشركة هامتون انترناشيونال بدون مياه أو مجاري، كما لم تدفع أجورهم لأكثر من عام. وتوفي اثنان من العمال في معسكرات سكن العمال. وكانت الشركة تدار من قبل شريك هندي هرب من البلاد. وتم القبض على الشريك القطري وهو، نسبياً، أقل نفوذاً، من قبل الشرطة. وكان على العمال القبول بتسوية أقل من مستحقاتهم ليتمكنوا من تغيير عملهم أو مغادرة البلد. 

في خلال الفترة من 2016 وحتى 2018، كان على آبي تحمل ساعات عمل طويلة، والإساءة الجنسية، والاضطراب العقلي. وبرغم استقالتها، إلا أنها لم تتمكن من المغادرة لأن صاحب العمل هددها بتقديم دعوى هروب ضدها وضد زملائها. وكانت مرعوبة من تقديم شكوى رسمية بسبب عدم ثقتها في النظام. 

في عامي 2019-2020، لم يتسلم  عمال شركة قطر ميتا كوتس، الموظفين في موقع كأس العالم، أجورهم لعدة شهور. وكان العمال قد تقدموا بشكوى واستنفدوا كافة مواردهم في سبيل ذلك. واحتاج الأمر صدور تقرير من منظمة العفو الدولية ليحصل هؤلاء العمال على مستحقاتهم. ويلخص أحد العمال المتضررين جوهر المشكلة بأن "الشركة لديها ميزة كبيرة تفوق ما لدى العمال إلى الدرجة التي تندم معها للتوجه إلى المحكمة. فما تقرره الشركة تكون قطر في صفه. العمال يعانون بسبب أن الشركات هي من بيده السيطرة."

في العام 2019، توقف 550 موظف تابعين لشركة امبريال للتجارة والمقاولات، عن تسلّم رواتبهم. ولم تساعدهم الشكاوى سوى لاسترداد القليل من مستحقاتهم، ويواصل الموظفون انتظارهم عبثاً. ولم يقتصر الأمر على فشل نظام حماية الأجور في الإبلاغ عن هذه المشكلة في وقتها فحسب، وإنما لم يُستخدم الصندوق الذي كان من المفترض أن يساعد العمال في الوقت المناسب.

بي، التي وصلت إلى الدوحة في 2018 للعمل كعاملة منزل، واجهت عددا من الإساءات وعدم دفع الأجر. وفي يونيو 2019 قامت بالاتصال بـ Migrant-Rights.Org طلباً للمساعدة، ولكن بسبب عدم امتلاكها لهاتف خاص، وأيضا بسبب خوفها من انتقام صاحب العمل، لم تتمكن من الشكوى مباشرة للسلطات. وفي نوفمبر 2019، تمكنت من الوصول إلى السفارة الهندية. ومع ذلك، لم تنجح السلطات الحكومية ولا السفارة في اقناع صاحب العمل في إعادة جوازها لها ودفع مستحقاتها من الأجور. وفي يناير 2020، عادت إلى بلادها خالية الوفاض باستخدام وثيقة سفر مؤقتة. 

في أكتوبر 2020، تم إنقاذ عاملة منزل، قامت بالاتصال بالشرطة لأنها كنت تتعرض للإساءة الجنسية على يد صاحب العمل، وتم انقاذها وبعد ذلك توقيفها لأن صاحب العمل قدّم شكوى بتهمة الهروب ضدها. (يتبع، تقرير يصدر عن MR حول الموضوع قريباً).  

خلال الشهور السبعة الماضية، شهدنا ارتفاعاً في استعراض أصحاب العمل لقدراتهم غير المحدودة. فمن أجل التراجع عن التزاماتهم لمواصلة توفير الإقامة والطعام خلال كوفيد 19، تم رفع دعاوى هروب وسرقات ضد العمال الذين لا يمتلكون المعرفة لهذا النظام ولا كيفية استخدامه. 

وعلى عكس وزارة التنمية الإدارية والعمل والشئون الاجتماعية، فإن إدارة الأدلة الجنائية والمعلومات التابعة لوزارة الداخلية، لا تتعامل بفعالية مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني. حتى السفارات، أينما وُجدت، فهي لديها نموذج لخطاب طلب الافراج عن العمالة المحتجزة أو حل القضية، إلا أن ذلك الخطاب لا يسرّع العملية. وبالنسبة للعمال القادمين من دول ليس لديها تمثيل ديبلوماسي في البلد، قد يستمر احتجازهم لفترات طويلة جداً إلا في حالة إبداء صاحب العمل بعض "التساهل" تجاه الأمر. 

إن حقوق العمال ليست مقتصرة على قانون العمل، وقدرتهم للوصول إلى العدالة ليست مقتصرة على نظام العمل وحده. الأمر كله يتعلق بمن هو كفيلهم. وهذا يفسّر استمرار تسيّد نظام الكفالة برغم الإصلاحات

وكلما زادت قوة الكفيل، كلما قل تحميلهم المسئولية. ومع الأخذ في الاعتبار حجم السكان المواطنين، والعلاقات المتداخلة بين العائلات المختلفة، فالجميع يعرفون بعضهم.  وفي حين أن درجة المقدرة قد تتفاوت، فهناك ما يكفي في غالبية هذه المجموعة الصغيرة لإخافة هؤلاء العاملين لديهم.