لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

عندما يبتسم الحظ: العميل وليس صاحب العمل هو من يقرر لنا كيف نعيش

في 4 أغسطس 2020

معسكر GSS Certis في المنطقة الصناعية بالدوحة ، والذي يضم أكثر من 2000 من موظفيه.

تعرّف على GSS Certis، النجم في المقالين السابقين اللذين كتبتهما، وصاحب العقود في قطاعات الضيافة، والطاقة، والمواصلات، والطيران، والبنوك، والتعليم ... الخ. فهي على أية حال ليست شركة صغيرة.

ووثقت تلك المقالات مستويات المعيشة في أماكن الإقامة بالمنطقة الصناعية، وفي مجمع فيلل في منطقة الوعب الذي تقوم بإدارته وتسيير أموره "رستك فيلاز". وتم نقلنا بعد أن أصبح إغلاق المنطقة الصناعية وشيكاً بسبب جائحة كوفيد 19، وعندما أعادت الحكومة فتح المنطقة، تمت إعادتنا في 21 يونيو إلى مكان إقامتنا وإلى أوضاعنا المعيشية فيها. 

وظروف المعيشة تحت المجهر هي كالتالي: ستة أشخاص يتزاحمون في غرفة صغيرة نسبياً، بها ثلاثة أسرة بطابقين، وخزائن معدنية وأمتعة شخصية تشغل مساحة كبيرة من الغرفة. ويقل عدد دورات المياه وأماكن الاستحمام عن النسبة المنصوص عليها في الأنظمة الحكومية. وعددنا يزيد عن 2000 شخص في "المعسكر العمالي". كانت جودة طعام الكافتيريا مروعة وبالتأكيد ليست شاملة لتلبي أذواق جميع الأعراق. هناك الكثير من المشاكل مع الشركة في ذلك الوقت، إلا أن الظروف المعيشية كانت الأكثر إلحاحاً لأنها ما تعود إليه بعد العمل الذي تقضي فيه جزءا كبيرا من وقتك، فهو المكان الثاني بعد عملك. 

رأيت أنه من المناسب أن ابلّغ، عن هذا الترتيب الذي آلت عليه أوضاعنا، عميلنا البارز الذي أعتقد أنه ليس على علم بالوضع. وبعد مرور فترة زمنية من الوقت دون أن أحصل على رد، توجّهت إلى الطابق العلوي حيث مقر مؤسسة قطر، الشركة الأم. ووصلت رداً منهم على الرسالة الالكترونية ولكن لم يكن هناك شيئا ملموساً. وكانت الخطوة التالية التوجه إلى وزارة العمل. وهذه لا تعترف بالبريد الالكتروني. كل ما أرادوا مني فعله هو تقديم شكوى، وهذا مالم أتمكن من فعله بسبب مخاوف الهوية وكل شيء... 

أننا لم نحصل على هذه التغييرات لأن عميلنا كان بارزاً ومعروفاً، وإنما لأننا طرقنا الأبواب الصحيحة. فالشركات بشكل عام حذرين بشأن سمعتها في المجتمع.

ولم تتغير الأشياء بالنسبة لنا إلا بعد أن نشرت Migrant-Rights.org تأملاتي. وكما ذكرت، في 21 يونيو تمت إعادتنا إلى المنطقة الصناعية، وعدنا إلى أوضاع ما قبل كوفيد 19. ولكن بعد يومين، أصبحنا ثلاثة اشخاص في الغرفة، بأسرّة فردية، وبجانب كل سرير هناك طاولة عليها مصباح صغير. كانت من السهل ملاحظة المساحة الإضافية في الغرفة. وفي يوم 27 من الشهر نفسه، جاء عميلنا، أخيراً، للتفتيش رغم أننا لا نعرف النتائج التي توصلوا إليها. ومع ذلك فإن الجميع رحّب بالتغيير. 

وعندما أقول الجميع، أعني نحن الذين تم التعاقد معنا للعمل في مشروع مشيرب داون تاون الدوحة. وظلت المجمعات المتبقية في مكان الإقامة تضم ستة أشخاص محشورين في غرف صغيرة. هم أيضاً يستحقون تغييرات مشابهة. كل شخص، حقيقة، في المعسكر العمالي، كل عامل في قطر يستحق مكاناً لائقاً ليعود إليه بعد يوم العمل الطويل، أو الليل لهؤلاء الذين يعملون في نوبات ليلية. 

ضع في اعتبارك، أننا لم نحصل على هذه التغييرات لأن عميلنا كان بارزاً ومعروفاً، وإنما لأننا طرقنا الأبواب الصحيحة. فالشركات بشكل عام حذرين بشأن سمعتها في المجتمع، خصوصاً إذا ما نُشر عنها أشياء سلبية في وسائل الإعلام. ابعث لهم بريداً الكترونياً، ولن يفعلوا شيئاً حياله. لكن، تطرّق إليهم في مقال أو أشر إليهم في تغريدة وستتحرك التروس للتغيير. أغلبهم على أية حال. فبعض المؤسسات إما أنها لا تهتم مطلقاً بالأمر أو أنها تختار أن تبقى صامتة. 

الأمر الصادم، هو أن الغالبية، إن لم يكن جميع حراس الأمن الذين يعملون لدى GSS Certis، ويعيشون في معسكرنا يعملون لبعض الأسماء الكبيرة هنا في قطر وحول العالم. بدءً مطار حمد الدولي. نعم، الوحيد المتفرد. ومروراً بالفردان العقارية، شركة المناعي، كهرماء (المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء)، سيفورا، إنترناشيونال الدوحة، فريزر سويتس، بنك قطر الوطني (QNB)، البنك التجاري، وزارة البلدية والبيئة (البلدية) في حديقة البدع وعدد من المدارس الدولية وآخرين. 

وقد أحدهم، ممن أُرسل للعمل في بنك قطر الوطني والذي كان تحت "العزل" مع زملائه: "أنكم جميعاً محظوظون!" وهو أمر، عندما أفكر فيه الآن أجده خاطئا على مستويات مختلفة. فلا يجب أن يكون الحظ هو العامل الذي يحدد رفاه الموظف. فالمعاملة اللائقة يجب أن تكون هي الحد الأدنى. 

شخص آخر قال متعجباً وهو ينظر إلى التصميم الجديد للغرفة: “إذن أنتم تعيشون كالملوك؟ وكانت عينه تجول في كل بوصة من الغرفة وهو يدير رأسه معها. وكان هذا ممن تأثروا بالتقليص في مشروع مشيرب داون تاون الدوحة، وأصبح بدون عمل لمدة ثلاثة شهور حتى الآن. 

وقد أحدهم، ممن أُرسل للعمل في بنك قطر الوطني والذي كان تحت "العزل" مع زملائه: "أنكم جميعاً محظوظون!" وهو أمر، عندما أفكر فيه الآن أجده خاطئا على مستويات مختلفة.

إلا أن شخصاً آخر كان يعمل تحت مظلة مجموعة جيدة، وهو عاطل عن العمل منذ ستة شهور بعد عودته من الإجازة، شاركني شعوري بـ"أن هذه التغييرات لابد من أن تطبق على كل شخص، خصوصاً في ضوء كوفيد 19 والتباعد الاجتماعي الموصى به. 

إذا وجدت نفسك خارج العمل، فـ"يفترض" أن تحصل على راتبك الأساسي (750 ريال قطري) بالإضافة إلى علاوة الطعام (200 ريال قطري). عندها يصبح عليك أن تقرر ما تود انفاقه على مستلزمات المعيشة، إما بالاشتراك في خطط الوجبات أو شراء الوجبات بشكل يومي، وكلاهما من الكافتيريا نفسها، التي بسبب تمتعها بالاحتكار، لاتزال باقية برغم وجباتها السيئة وعدم أخذها في الاعتبار الأذواق العرقية المختلفة للأشخاص الذين يقيمون في المعسكر. 

وينتهي الأمر بالبعض أن ينفقوا أكثر مما يجب، بينما البعض لا يستطيع سواء شراء وحبة واحدة في اليوم أو ما يشبه الوجبة بينما ينتظرون الفرصة للعودة للعمل ليكسبوا أجورهم بالكامل. 

والأمر لا يقتصر على العملاء كونهم بارزين، فـ GSS Certis نفسها شركة تابعة لـ Certis، الشركة الفرعية المملوكة بالكامل لشركة تماسك القابضة "Temasek Holdings" وهي شركة استثمار مقرها سنغافورة

وكما حدث معنا، تم نقل البعض إلى أماكن أخرى بسبب الاغلاق الذي تسبب فيه كوفيد 19. والبعض، مثلنا أيضا، سيتم إعادتهم إلى هنا. أما الذين لن يعودوا، فهم محظوظون لأن المنطقة الصناعية ليست مكاناً للعيش فيه.

وبرغم ان الشركة لم تعد تقدم خدمات الأمن للفنادق St. Regis، وW، و Westin، و Wyndham، وMarsa MalazK  Kempinski، إلا أنهم عندما كانوا يقدمون الخدمة، كانوا أيضاً يتركون موظفي الأمن يعيشون في الأوضاع نفسها، يتنقلون بين مكاني إقامة متباينين يفصل بنهما شارع فقط. 

في الواقع، اسمحوا لي أن اغتنم هذه الفرصة لأقول التالي: لابد من حظر الإقامة في المنطقة الصناعية. ذلك ليس فقط لأنها غير لائقة بل لأنها تنطوي على خطورة – الغبار (الذي في الغالب دائما ما يحتوي على جزئيات خطرة)، والأبخرة، والضوضاء، والتأثيرات الضارة على الصحة العقلية، الإرهاق...الخ. ويتوجب أن تقام المزيد من أماكن الإقامة المميزة مثل بروة البراحة والمدينة الآسيوية والتي تشتمل على جميع المرافق والتسهيلات التي تحددها الحكومة.