فرضت الكويت عدداً من التدابير في إطار محاولاتها لاحتواء تفشي كوفيد-19، من بينها الاغلاقات، وحظر التجول ومنع نشاطات اجتماعية معينة، وتضرر بذلك قطاع المطاعم والأغذية والمشروبات، المتعثّر أصلاً، بشكل كبير مع تعليق العمليات أو تقييدها لعددٍ من المرات منذ بدء الجائحة.
وفي الوقت الذي تكيف مع الوضع، عدد من المطاعم والمقاهي بتقديم الوجبات المجمدة والتي يتم تحضيرها ذاتياً، إلا أنهم مع ذلك واجهوا خسائر ضخمة. وبصرف النظر عن التأثير الشديد للجائحة على الشركات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن الحكومة لم تقدم المساعدة المالية للقطاع حتى الشهر الماضي، عندما صوّت البرلمان لصالح مسودة مشروع قانون لتأجيل أقساط القروض لأصحاب الشركات.
وكان العمال المهاجرون الموظفون في قطاع الأغذية والمشروبات هم الأكثر تضرراً، بتسريح الكثير منهم أو عدم دفع أجورهم لشهور عدة.
فقدان الوظائف
في 12 مارس 2020، شهد قطاع الأغذية والمشروبات الموجة الأولى من القيود عندما منعت الحكومة على المطاعم تناول الطعام في الداخل. وأدى هذا الحظر، الذي استمر حتى أغسطس، على إغلاق الكثير من المطاعم أو تقليص حجمها.
وأوضح العامل النيبالي المهاجر، هاري نيوبين، الذين كان في السابق يدير فرعاً لأحد المطاعم، إن حوالي 52 منفذاً لتجارة التجزئة مملوكة لمجموعات كبيرة من المستثمرين (80% هي جزء من قطاع الأغذية والمشروبات)، أجبرت على الإغلاق خلال الشهور الأولى من تفشي الوباء. وتأثر تبعاُ لذلك أكثر من 1600 عامل بشكل عام بمن فيهم العاملون في مطعمه.
وقال: "أصبت بفيروس كوفيد 19 في مايو، وعندما عدت، بعد استعادتي لصحتي، للعمل، وجدت أنهم قد أنهوا خدماتي."
بعد ذلك، بدأ العمل في مقهى، إلا أنه سُرّح سريعاً بسبب عدم قدرتهم على تحويل تأشيرة إقامته. ووجد عملاً في مقهى آخر، إلا أن الأجر كان ضئيلاً ولم يتمكن من البقاء لفترة طويلة.
ويقول هاري، وهو ليس متأكداً إن كان بإمكانه الحصول على وظيفة أخرى، قبل أن يقوم كفيله السابق بالتقدم بشكوى هروب ضده:" المشكلة تكمن في صعوبة الحصول على شركة على استعداد لتوظيف مدير أو مشرف لأنهم يقومون بتقليص مصروفاتهم، ويبحثون عن موظفين برواتب أقل. ولذلك، إذا لم أحصل على وظيفة خلال الأيام القليلة المقبلة سيتوجب على مغادرة الكويت بعد أن عملت فيها على مدى 15 عاماً".
خفض الرواتب
ظلت شرعية تخفيض الرواتب محل جدل بين المحامين الكويتيين. وكان البرلمان الكويتي قد رفض في أغسطس مسودة قانون تسمح للشركات بتخفيض الرواتب بنسبة 50%. ولم تتناول المحاكم هذه القضية بعد، ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى إجراءات الشكاوى المطولة.
أما جيمس، الطباخ الفلبيني الذي يعمل في مطعم محلي، فقد كان واحداً من كثيرين تعرضوا لخفض رواتبهم. وفي الفترة ما بين مارس 2020 إلى يونيو 2020، تسلم جميع العمال 25 دينار كويتي (83 دولار أمريكي فقط) شهرياَ، ما يمثل انخفاضاً كبيراً عن الراتب المتعاقد عليه وقيمته 235 دينار كويتي (780 دولار أمريكي). ويقول: "في خلال هذه الشهور الأربعة، واجهت صعوبة كبيرة في دفع الإيجار، وكان عليّ الاستدانة من صديقي. كما كنت أحصل على الطعام ومستلزمات البقالة من المساعدات الخيرية أو مجموعات الإغاثة.
ثم، من يونيو حتى أغسطس، تسلم جيمس وزملائه في العمل 50 دينار كويتي فقط. ومنذ أن تم إعادة فتح المطاعم الداخلية في أغسطس، لم يتسلموا سوى 50% من رواتبهم. وقال إنهم لم يتسلموا رواتبهم كاملة إلا بعد عدة شهور بعد فتح المطاعم والسماح بتناول الطعام في الداخل.
وكان جيمس، شأنه شأن الكثير من العمال، أكثر قلقاً من أجل عائلته في بلاده الفلبين لأنه المعيل الرئيسي لها.
وما إن بدأت المطاعم تخفض الأجور مرة أخرى وتقلّص أيام العمل حتى قرر جيمس العودة، لكنه حصل على عمل مؤخراً في إحدى الشركات.
الرقابة الحكومية
ومع حلول يوليو، أعلنت الهيئة العامة للقوى العاملة أن الشركات التي ليس لديها شهادة راتب تثبت أنها قامت بدفع الرواتب كاملة لموظفيها، لن يكون بإمكانها توظيف موظفين جدد، أو أن تجدد أو تحول تصريحها.
وفي السياق نفسه، لم يُدفع راتب لوكاس الفلبيني العامل في فرع لمطعم لندني، راتبه بالكامل في الفترة ما بين أبريل 2020 ويونيو 2020. ولم يتسلم جيمس وزملائه رواتبهم كاملة إلا بعد أن تغيرت ملكية الشركة.
وقال لوكاس: "لم نتسلم رواتبنا إلا عندما تسلّم المالك الجديد منصبه. ونحن غير متأكدين إن كان مصدر المال المالك السابق أو الجديد".
وفي حين أن ما حدث لم يكن واضحاً، فمن المحتمل أنه لكي يقوم المالك السابق بتحويل الشركة إلى المالك الجديد، لابد من أن يتم دفع جميع الرواتب المستحقة قبل تسليم الوثائق للهيئة العامة للقوى العاملة من أجل تسلّم شهادة الراتب.
واقع الشكاوى
في الوقت الذي يحق للموظفين تقديم شكوى ضد صاحب العمل، فإن الإجراءات مليئة بالتحديات.
نظرياً، إذا ما أراد الموظف تقديم شكوى فعليه الذهاب إلى وزارة الشئون الاجتماعية وتسليم الطلب. بعد ذلك، يتم استدعاء الطرفين ذوي العلاقة وتحاول الوزارة حل القضية. وفي حالة عدم حضور صاحب العمل، أو رفضه تسوية القضية، يتم تحويل القضية فيما بعد إلى المحكمة العمالية (فرع محدد في المحكمة يتناول المنازعات العمالية). ومن ثم يتم مراجعة القضية من قبل أحد القضاة وفي أغلب الحالات، يكسب العامل القضية أو يتم تسويتها.
لكن في الممارسة العملية، فإن غالبية الشكاوى لا يتم حتى تقديمها لعدة أسباب. الأول، أن العمال الأجانب ليسوا واعين لحقوقهم وأيضا خائفين من الانتقام. وأشارت آن، عضوة اتحاد سانديغان في الكويت، إلى "أن العديد من العمال لا يتقدمون بالشكاوى بسبب تعرضهم للترهيب من قبل صاحب العمل. وقالت:" إذا علم صاحب العمل أنه تم تقديم شكوى، فسوف يتحدثون للموظف ليتراجع، ويقدمون له وعوداً كاذبة من أجل اسقاط الشكوى. "وأضافت آن:" كذلك فإن الكثيرين قلقون من خشية أن يطردهم صاحب العمل إلى خارج محل الإقامة، أو أن يكونوا قلقين من عدم استلام رواتبهم المعلقة أو مخصصات آخر المدة.
وبحسب خبرة آن، فإنه كان على من تمكنوا من رفع دعوى، الانتظار لعدة شهور قبل أن يتم التوصل لحل للمطالبة. أما بالنسبة للقضايا التي تُحوَّل للمحاكم، فإنها تستغرق وقتاً أطول لحلها. ويستغرق صدور الحكم النهائي ما بين عامين إلى عامين من تاريخ رفع القضية.
فالجائحة لم تفعل أكثر من إبطاء هذه العملية. وأنشأت الحكومة نظاماً عبر الانترنت للعمال من أجل تقديم الشكاوى، إلا أن الكثير من العمال المهاجرين لا يستخدمون النظام ويذهبون، عوضا عن ذلك، بأنفسهم إلى الوزارة. ويحالف الحظ البعض منهم لتقديم الشكوى اعتمادا على الازدحام في الطلبات، ومدى تعاون المسئولين الذين يتعاملون معهم هناك.
تراجع الأعمال
على رغم أن هناك الكثير من المطاعم والمقاهي اتخذت من الوضع ذريعة لاستغلال العمال، إلا أن بعض أصحاب الأعمال بذلوا جهدهم لضمان حماية الموظفين رغم الخسائر الضخمة التي تعرضوا لها.
وأوضحت لجين الفليج، صاحبة مطعم "سنغابورا"، أن الجائحة أثرت بشكل كبير على أعمالها، فمنذ أن فُرض حظر التجول لأول في 22 مارس 2020، تراجعت مبيعاتها 60%.
بمجرد فرض الإغلاق الكامل، اضطرت الفليج لخفض الرواتب بعد أن أصبح المطعم بالكاد يتلقى أية طلبات، فيما كانت لا تزال مجبرة على دفع الإيجار، ودفع الرواتب وأيضا تكاليف الموردين. وتقول: "في الواقع، كانت هذه فكرة الموظفين أنفسهم. فقد جاءني عدد منهم مقترحين أن يتم خفض الأجور. وبذلك اجتمعت مع فريق العمل وطلبت منهم تدوين احتياجاتهم لضمان دفع الإيجار وتغطية احتياجاتهم من الطعام والضروريات. ومن ثم، بناء على ذلك قمت بحساب مقدار الخفض في الرواتب للتأكد من أن لديهم ما يكفيهم لتغطية مصروفاتهم وأيضا لإرسال بعض المال لذويهم في أوطانهم."
وتقول الفليج إنه مع السماح بتناول الطعام داخل المطاعم بدأ العمل في مطعم "سنغابورا" يعود تدريجياً إلى مرحلة ما قبل الجائحة، "وبالطبع، ما أن بدأنا تقديم الطعام داخل المطعم، حتى قمت بدفع رواتب الموظفين كاملة، وفي 2021، حصل جميع العمال على زيادة في رواتبهم بغض النظر عن مدة عملهم في المطعم."
المستقبل غير مأمون
ما أن بدأت المطاعم والمقاهي في التعافي من الصدمة المالية للجائحة، حتى أعلنت الحكومة في 22 فبراير 2020، إغلاق جميع المطاعم حتى إشعار آخر. ومع وجود حظر تجول جزئي، أصبح الكثير من المطاعم والمقاهي يعملون لساعات محدودة. ومرة أخرى عاد العمال المهاجرون إلى تحمل عبء هذه القيود والتعرض للمزيد من التخفيض في الأجور.
وعاد الكثير من المطاعم إلى تطبيق سياسة "لا عمل... لا أجر" مشيرة إلى أنها ستدفع الأجور وفقاً لساعات العمل الفعلية – وليس بحسب الرواتب الشهرية المتعاقد عليها.
أوضح لوكاس أنه لم يمانع سياسة "لا عمل لا أجر"، ذلك لأن الشركات الأخرى تطبق أيضاً الممارسة نفسها. وأشار أيضاً إلى أنه يعمل 4 أيام فقط في الأسبوع حتى الساعة الرابعة مساءً، إذ أن المطع يغلق أبوابه قبل حظر التجول لوجوده في مجمع تجاري.
أما بالنسبة لـ"سنغابورا" فقد قررت الفليج إعادة برنامج توزيع الطعام الذي أطلقته في بداية الجائحة. وتقول:" لم يساعد برنامج المساعدات الغذائية المحتاجين فحسب، وإنما رفع توزيع 10,000 وجبة، معنويات الموظفين. ولذلك قررنا أن نعيده في شهر رمضان."
من الصعب توقع الأوضاع خلال الشهر المقبل بالنسبة لقطاع المواد الغذائية والمشروبات، إذ لا يزال حظر تناول الطعام داخل المطاعم مستمراً، كما أن المطاعم التي ليس لديها تصريحاً، لن تتمكن من توصيل الطعام بعد حظر الساعة السابعة مساءً. وإذا ما استمر إغلاق المطاعم والمقاهي، فسيعاني المزيد من العمال المهاجرين، وقد يغادرون الكويت نهائياً دون الحصول على مستحقاتهم.
وللتأكد من حماية العمال المهاجرين في المستقبل في حالة تكرار حدوث مثل هذه الأزمة، يتوجب على الكويت تنفيذ برنامج الحماية الاجتماعية لحفظ حقوق هؤلاء العمال من ممارسات خفض الرواتب والامتناع عن تسديد مستحقات نهاية الخدمة. بالإضافة إلى ذلك، على الهيئة العامة للقوى العاملة توضيح حقوق العمال والتزامات أصحاب العمل خلال أوقات الأزمات، والتأكد من معاقبة المتورطين في ممارسات سرقة الأجور والاستغلال بشكل مناسب.