لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

الجميع متورط ولكن لا أحد مسئول

مع انعدام الحماية في المنشأ والمقصد، الأمل والإيمان هما ملاذ المهاجرين الغانيين وعائلاتهم

في 30 مايو 2023

يحتفظ الجميع بخططهم سراً في قلوبهم، خوفاً من فشلها. ومع ذلك، يبدو أن الجميع يعرفون كل شيء عن شئون الآخرين. مجمعات البيوت – صفوف طويلة من الغرف المتداخلة والمتشاركة في موقد وعتبة وفناء داخلي – تأوي أسراً متعددة ترعى علاقات متشابكة حيث كل شخص ابن عم/خال، أو عم/خال، أو عمه/خالة. علاقات معقدة بتسميات بسيطة. لكن عندما تسأل أين ذهبت ابنتهم أو من ساعدها لتذهب إلى هناك، تكون التفاصيل غامضة.  

الحظر ليس سراً، لكن الجميع يتغافل عنه وكأنه أمر عابر، أو عقبة صغيرة في وجه الخروج من البلد لضفة أخرى أكثر اخضراراً. ويحافظ الراغبون في الهجرة على خططهم الرامية للثراء في أضيق نطاق ممكن والأفضل ألا يعلم بها سوى شخص واحد وهو الوسيط. 

لذا، فالعمة الآتية من المدينة، والأخت من أم أخرى، لم تعد أرقامهما متاحة، فهم فقط يصلونهم بالوسيط الذي يتحول إلى مخلوق آخر بمجر الصعود إلى الطائرة أو مع أول إشارة لوجود مشكلة. 

ويسيّر هؤلاء «الوسطاء» – سواء جون أو أجاثا، غير المسجلين والعاملين في الخفاء – قنوات التوظيف لعمالة المنازل. يتزايد الطلب على عمالة المنازل في الخليج، ومثله يتزايد الطلب على الوظائف في غانا، ما خلق بيئة خصبة للوسطاء لمزاولة أنشطتهم دون مساءلة. فالحظر وتفاصيله لا تعني أي شي لهم، أنظر الجزء الأول.  

في القرى المتناثرة حول الطريق من أكرا إلى كوماسي (قي إقليم أشانتي) وإلى سونياني (في إقليم بونو)، يشير العائدون أو أهالي المهاجرين إلى أشخاص عشوائيين منتشرين على جانبي الطريق. «انظر هناك، يوجد أحد الوسطاء وهو يتحدث إلى أشخاص من القرية عن وظائف في الخليج». وقبل أن تتمكن السيارة من التوقف أو الدوران للعودة للتحدث مع الوسيط، يهرب سريعاً. ليس من المفترض أن يكوم موجوداً. 

تقوم كل من كلوديا، وهي مسئولة ميدانية تعمل في منظمة الهجرة والحقوق الأهلية المحلية التي تعمل على رفع مستوى الوعي في المجتمع، وفليشيا، وهي مهاجرة عائدة العمل وقائدة مجتمعية، بتوجيه السيارة. وهما سريعتان في لمح الوسطاء قبل اختفائهم. تقول كلوديا إنها اتصلت، قبل أسبوع بـ 45 «وسيط» وقوبلت بعدائية من قبلهم. «جميعهم قالو إن هناك حظراً، لماذا تتصلين بنا. كان من بينهم سيدات وكنّ غاضبات بسبب اتصالي بهن. لكننا نعرف أنهن ينشطن في إرسال الفتيات الصغيرات إلى الخارج.»

وهذا بسبب أن الوكلاء يدركون جيداً معنى العمل الذي يقومون به، هم وزملائهم، مما يُقلق عملهم ويؤثر سلباً عليه. 

«نعمل على رفع الوعي بشأن الهجرة غير النظامية من خلال راديو المجتمعات المحلية وكذلك مراكز المعلومات. وفي مناطق تيتشيمان، وماكرونزه ودروبو… تحدثنا أيضاً لجماعات شبابية. وقمنا بتدريب مدرسين من أجل تثقيفهم أيضاً. وخصوصاً الطالبات الشابات، تحدثنا عن الإشارات التي تنذر بأن هناك شيء ليس على ما يرام. تحدثنا معهم أيضا عن فتح الحسابات المصرفية. وخسارة العائدين لأموالهم. وضرورة الاحتفاظ بنسخ من جوازات السفر». تقول إن أغلب النساء الشابات يغادرن بهدوء ولا يخبرون عائلاتهم لأنهم سيوقفونهم عن السفر. هذا الصمت والتكتم بدوره يخدم الوسطاء. 

«الجميع يخطط للهرب، لكن لا أحد يتحدث عما يدور في نفسه. لذلك كان علينا اتباع طرقاً مختلفة. كما أن الحظر صعّب الأمر أكثر. البعض يذهب عبر توغو. غالبية الناس عاطلون عن العمل، كيف يمكننا منعهم من الذهاب؟ بإمكاننا تثقيفهم على الأقل. البعض لا يعرف القراءة، وهم بحاجة للمساعدة حتى لفهم الوثائق البسيطة.»

تقول العائلات إن الفتيات لا يعلمونهن بأمر سفرهن، ولا يكتشفن الأمر إلا بعد أن يتصلن بهن من أي مكان يذهب اليه. ويقول أبوبكر ليمان، وهو وكيل توظيف مسجل: «نعم، ففي غالبية الحالات. رسمت وسائل الإعلام صورة سيئة عن الخليج للناس في غانا، لكن الفتيات المحتمل هجرتهن يتحدثن أيضاً لصديقاتهن ممن يعمل بالفعل في الخليج، ولا يرين أية مخاطر، لكن الأهل يمنعونهن من الذهاب، لذلك يغادرن ويخبرن الأهل فيما بعد.» (أنظر الجزء الأول).

«الحكومة لا تخسر فقط الأموال بفرضها الحظر، لكنها أيضا تعرّض العمال الغانيين للمخاطر بدفعهم للسفر بطرق غير قانونية. الشباب ليس لديهم وظائف هنا، ولذلك مهما يكلفهم الأمر وإن كان سيدفعون حياتهم ثمناً لذلك، فسيذهبون لينضموا إلى أصحابهم الذين يكسبون عيشاً هناك.»

«لا يوجد تدريب ما قبل المغادرة في غانا، ولا توعية. هناك فقط رجال يجمعون فتيات لا تتجاوز أعمارهن 16 عاماً، ويزورون الوثائق ويرسلونهم…»

المجازفة بأمل ضئيل

يقول كثير من الرجال والنساء الذين تمت مقابلتهم أنهم التقوا «الوسيط» أو الصديق في الكنيسة. وفي الشمال من البلاد، تتم هذه اللقاءات بالقرب من المساجد وأثناء خطبة الإمام (أنظر اللوحة في الأسفل). الإيمان يلعب دوراً مهماً في حياة الغانيين. فـ70% من الغانيين مسيحيين ونحو 15% منهم مسلمين. 

ينتشر الخطباء في زوايا الشارع والطرق السريعة. كل ما يحتاجونه خيمة مؤقتة وكراسي بلاستيكية ومكبرات صوت محمولة وطاولة قابلة للطي. تتخذ المواعظ والدعوات الموجهة للمؤمنين نغمة مختلفة بحسب أي يوم من أيام الأسبوع، وأي وقت من اليوم. يحتفى المجتمعون في عطلة نهاية الأسبوع بالمواليد والوفيات وكل شي بينهما. كل شيء احتفالي سواء للتعبير عن الحداد أو الاحتفال بالحياة. لكن   في صباح الإثنين تتجه دعوات هؤلاء المتحمسين للأبناء وهم ذاهبون إلى المدارس، وللتجار الذاهبين إلى السوق وللعاطلين عن العمل الباحثين عن وظائف. الإيمان هو ما يسيّر الأمل لدى هؤلاء، والقس هو أقوى من «الوسيط» وإن كانت جماعة أتباعه صغيرة. 

ينتمي القس بيترو أوزورو إلى طائفة لها فروع في جميع أنحاء المنطقة. ولديه «كنيسته» في دروبو – موقع مصمم ليكون مؤقتا وهو عبارة خيمة ومذبح. وإلى اليمين هناك هيكل لمبنى جديد تحت الإنشاء يتم تمويله بشكل أساسي من تبرعات المصلين. اقترح أحد العائدين ممن وصفه بأنه خدوماً، أن يتحدث معه. وبعد صلاة قصيرة، وافق على الإجابة على الأسئلة. 

نعم، لقد ساعدنا، وقال: «استلم عدد من الشكاوى. جوازات يتم مصادرتها، عمل شاق، حرمان من الطعام… انهم يتصلون لطلب الدعاء. غالبيتهم من النساء.»

إنه لا يعرفهم جميعهم بشكل شخصي، ويعرف البعض منهم من خلال العائلة. «إنهم يجدون رقم هاتفي ويتصلون لطلب المساعدة عندما يقعون في مشكلة. إنهم لا يتصلون قبل ذهابهم بل بعد وصولهم إلى وجهتهم.»

يقول إنه عندما يتحدث عن الهجرة الآمنة لأتباعه المصلين فهو يضمّن خطبته هذه المشكلة. «أفعل ذلك وإن كان ذلك بشكل غير منتظم. وأنا الآن أقوم بمتابعة حالة خطيرة لأحد أعضاء الكنيسة ويواجه إساءات كثيرة في دبي.»

وكيف يقوم بالمساعدة والبحث عن حل للمشكلة؟

«بالصلاة والدعاء. فمع المصلين لا أقوم بتقديم شكاوى.»

بدا واضحاً أن الإيمان (بديانة، أو بشخص غريب، أو في المجهول)، وليس المعرفة هو ما يقود الرجال والنساء الذين يغادرون البلاد لكسب معيشتهم.

كما أن السرية التي تحيط بالهجرة والافتقار إلى الإجراءات القانونية تمنعان المهاجرين المحتملين من فهم ظروف العمل والحياة في المكان الذي يتجهون اليه. تقول كواكو تيدير: «لا يوجد تدريب ما قبل المغادرة في غانا، ولا توعية. هناك فقط رجال يجمعون فتيات لا تتجاوز أعمارهن 16 عاماً، ويزورون الوثائق ويرسلونهم.» (أنظر الجزء الأول)

«لا تعرف الحكومة أن ميري ذهبت إلى السعودية، كما أن ميري لا تعرف فيمن تتصل من أجل المساعدة، لأن الحكومة لا تقوم بأي تدريب.»

 «لا نعرف مالذي سيحدث لهم حتى يعودون، لا أحد يخبرنا مالذي يجري.»

أمهات بالانتظار

بنفس القدر من العجز تعاني أمهات كل من ماري أو إستر أو جوليتا…

تقف غريس بشموخ وتبدو أيضا أنها قد تعرضت للكثير وهي تدخل فناء منزلها الواسع المركب والمصبوغ باللون الأخضر. وفيما كانت تجر عدد من الكراسي البلاستيكية، توافدت عدد من نساء القرية الشابات وأطفال الحي ليملأن المكان. 

تعمل اثنتان من بنات غريس في الخارج. إستر وتعمل في كردستان منذ ثلاث سنوات وقبلها عملت في السعودية لسبع سنوات، بينما تعمل جولييتا في السعودية منذ 8 سنوات، وتبقى جانيت، الابنة الكبرى مع والدتهم غريس. 

لم تخبر أي من الفتيات عائلتها بخططها للهجرة سوى قبل أيام من السفر. لم تعد جوليتا للبلد سوى مرة واحدة خلال الثماني سنوات الماضية. تقول غريس: «كانت تبيع الكوفو في مطعم هنا، لكن عندما سافرت ابنة صاحبة المطعم إلى الخارج، ذهبت معها. تحملوا كلفة كل شيء، ثم قامت هي بتسديده لهم فيما بعد». 

«مرت إستر بوقت صعب في السعودية، وتعرضت للكثير من الإساءة، لكنها تبدو في حال أفضل الآن. جولييت لا تشتكي، تبدو سعيدة. البنتان لا تخبراني بكل شيء.  تبعثان بعض المال مرة كل بضعة أشهر، ونقوم حاليا ببناء منزل بخمس غرف في بلدتنا.»

لا تبدو غريس متحمسة أو سعيدة حتى وهي تخبرنا بتفاصيل متفرقة عن حياة ابنتيها. تتنهد قائلة: «أحياناً نسمع عن إساءات ووفيات، وهذا يقلقنا ويخيفنا على حياتهما. لكنهما أخذتا القرار دون مناقشته. يغادر الكثير من الرجال والنساء من هنا. الغالبية يغادرون دون وداع، ونسمع عنهم فقط عندما يغادرون».

تسحب سيسيليا، ابنة عم غريس كرسيا لتجلس عليه وهي تومئ برأسها قائلة إن ابنتها دوريس غادرت أيضاً دون أن تخبر أحدا. وأضافت: «غادرت منذ ثلاثة أشهر. واتصلت بنا عند وصولها، وأصبحت تتواصل معنا بانتظام. أنا لست قلقة كثيراً، فهي في مكان ما في السعودية، علمت بذلك فقط من خلال أحد الأشخاص». ودوريس مطلقة ولديها طفلان، أحدهما تركته في رعاية سيسيليا التي ذكرت: «لم ترسل مالاً حتى الآن.»

انضم الى المجموعة عدد من النساء كبيرات السن، وهن بالكاد يعرفن حقيقة مكان تواجد ابنائهن، لكن، كانت إميليا، الأصغر سنا من ضمن المجموعة، تملأ فراغات التفاصيل في الحديث. فكل الذين غادروا هم أصدقائها وأقاربها، وهي نفسها لديها طموحاتها الذاتية للهجرة مما يجعلها أكثر فضولا للبحث عن المزيد من المعلومات. وتعترف إميليا وهي تبتعد عن بقية النساء: «جميعنا من أعمار متقاربة، لذلك نتحدث فيما بيننا. أنا أخطط للحديث مع أحد أيضا… أعرف كثيرين سيذهبون وأنا أود الذهاب أيضاً». 

تتدخل أسرتوا التي ذهبت ابنتها إستر مع ابنة عمها ليندا إلى كردستان. وهنا نقاش محموم عن أي ليندا كان يدور الحديث. 

«هل هي من تم القبض عليها في كردستان؟»

«لا، أظن أنها الأخرى.»

«ماذا حصل لليندا التي تم القبض عليها؟»

«لا أحد يعرف.»

«لا!، أنها لاتزال في السجن.»

قام أحدهم بتشغيل الفيديو المشوش في هاتفه. «إنها ليندا؟»

«هل هذا في مركز الشرطة؟»

بعض الأمهات يحاولن أن يفهموا ما يدور في مقطع الفيديو، وما إذا كانت هي ليندا التي تنتمي لعائلتهن.

تهز جريس رأسها بإحباط. «لا نعرف مالذي سيحدث لهم حتى يعودون، لا أحد يخبرنا مالذي يجري.»

وعلى مقربة من منزل غريس الذي يبدو أنه يحظى بالعناية، يقع منزل أكتوم المتهالك. كانت قدمها ملفوفة بضمادة، وتوضح أنها تعرضت لإصابة في الحقل. وفي خارج منزلها هناك احتفالات صاخبة. هناك خيمة على زاوية الطريق تستقبل أعداد كبيرة في أفضل حالاتهم ليوم الأحد. تضحك أكتوم قائلة إنه قد يكون جنازة أو قد يكون احتفالا بعيد ميلاد. تعمل ثلاث من بنات أكتوم في الخارج، تعمل كل من فيليشيا وتاتشوا في الكويت منذ 8 سنوات، بينما تعمل ليندا في الأردن منذ 3 سنوات، ولم تعد أي منهن منذ أن غادرن غانا. 

يبدو أن ليندا تعمل بعقد منتظم. لكن، من خلال حديث أكتوم عن ابنتيها في الكويت يبدو أنهما يعملان بشكل غير نظامي. «أحيانا عندما لا يكون لديهن وظيفة لا يحصلن على المال، الأمر ليس ثابتاً. هناك الكثير من الإهانة والإساءة. هناك الكثير من العمال يأتون من دول مثل غانا، كما تقول ابنتاي. وهؤلاء الذين يأتون حديثاً يحصلون على رواتب أقل ممن كانوا يعملون لفترة أطول. لذلك، فالعائلات تجلب أشخاص جدد، ثم عليهم البحث عن وظائف أخرى. 

وتقول: «جميعهن يبنون منازل ويودون استكمال البناء قبل عودتهم إلى البلد، هذا هدفهم. اثنتان منهن يبعث مالاً لأحد إخوتهم وهو يعمل بالبناء، بينما بعثت الأخرى لأخ آخر. أنا فخورة بما يفعلن، لكن في الوقت نفسه هم غائبين عنا لفترة طويلة، وأريد لأنهم أن يعدن.»

أكتوم ليست مدركة أن عودة ابنتيها للوطن لن تكون أمرا سهلاً بسبب وضعهما غير النظامي. كلا ابنتيها، مثل مئات الآخرين في جميع دول الخليج، هاجرتا بشكل غير نظامي وستجدان صعوبة كبيرة سواء للبحث عن العدالة في وضعهما الخطأ، وكذلك لدى عودتهما إلى البلد. 

 «وفي المأوى الذي أطلق عليه «البيت الآمن» لا يوجد معالجين مؤهلين سواء أكانوا معالجين نفسيين أو جسديين، وكل أدوات المعالجة لديهم هي الإيمان والحدس.»

المخالفات وإطلاق يد المؤسسات غير الحكومية 

على سبيل المثال، تم انقاذ المئات من الغانيين وأفريقيين آخرين من الإمارات. (أنظر الجزء الأول) يقول تادير في إشارة إلى مقال كتبه قبل سنوات: «لقد توقعت هذا… إذا لم تستثمر (الحكومة) في إدارة عملية الهجرة والتأكد من الهجرة الآمنة للناس، فسوف ينتهي بها الأمر بإنفاق المال لإعادتهم إلى أوضاعهم المزرية»

ولكن الأمر لم يكن متعلقا فقط بإنفاق الحكومة لأموالها، ولكن لاعتمادها على المؤسسات غير الحكومية التي لها تاريخ من الممارسات المشكوك فيها. مثل عمليات قطار النفق للإنقاذ (OUR Rescue) التي تمكنت من العمل على الأرض في الإمارات. العديد من النساء اللاتي قابلتهن MR، وأحد الملاجئ غير الرسمية في كوماسي أشاروا إلى مساعدة «ELLE» من (OUR Rescue) لدفع تكاليف تذاكرهم. وهذه المنظمة مدعومة بأمثال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وبحسب تقريرVICE لعام 2020 فإن «لايزال الكثير اهتمام OUR يركز على العمل في الخارج» ويضيف: «المجادلات في الدول التي تتم فيها التي «عمليات الإنقاذ» لا يتم تغطيتها في وسائل الإعلام أو الدعم العام في الوطن.»

لا يوجد في غانا منظمات مؤهلة أو مسجلة، لمساعدة النساء اللاتي يعدن وهن في حال سيئة. وليس بالأمر المستغرب أن OUR تقوم بدعم إحدى المؤسسات غير المسجلة ولا تمتلك الخبرة للقيام ذلك. في مبنى مترامي الأطراف على جانب الطريق السريع في كوماسي، تعيش مجموعة من العائدين، البعض منهم مع أطفالهم. ومن المفترض أن يكون المكان آمناً نوعاً ما، إلا أن الحكومة ليس لديها علم بوجوده. ويدير المكان زوجان أمركيان من يوتاه، مدعومان بمنح من منظمات مثل (OUR Rescue). في «مركز إعادة تأهيل الأسر» هذا (FRC) لا يوجد معالجين مؤهلين سواء أكانوا معالجين نفسيين أو جسديين، وكل أدوات المعالجة لديهم هي الإيمان والحدس. ومن الممكن الوصول إلى هذا المبنى من خلال نقطة توقف بين أكرا وسونياني. 

تتعلم النساء كيف يطبخن، ويخبزن ويجدلن الشعر عن طريق برامج التدريب المهني، ولكن لا يمنحن شهادة بذلك. وتصل الأساليب المستخدمة للعلاج إلى حد الشعوذة، لا يوجد هناك الكثير من الخيارات للنساء العائدات، خصوصا المنفصلات عن عائلاتهن ولديهن أطفال. هناك امرأة عائدة وتعاني معاناة شديدة من مرض في بطانة الرحم، وقد خضعت لعملية جراحية في السابق وتعتمد حاليا على علاج بديل وعلى قوة العقل. فيما تعاني أخرى من إصابات شديدة وتتعافي الآن من كسور متعددة، ولا يمكنها الحصول على العلاج الطبيعي، بل طُلب منها التركيز على العلاج القائم على الإيمان. كل هذه التفاصيل عرفناها من ريب* وهي سيدة أميركية تقوم بإدارة هذا المكان وهي ليست من مؤيدي الطب الحديث والتقليدي. عندما وصلنا إلى المكان استقبلتنا بالأحضان والقبلات وتعاملت منا كمنقذين. وهو دور تقمصته بوضوح. وبينما كانت تأخذنا في جولة لتعريفنا على المبنى والمكان، حدثتنا عن كيف انتهى بها المطاف في غانا – كان لديها نداء داخلي «للعمل في أفريقيا»، وكل ما كان عليها فعله حينئذ، هو تضع إشارة على المكان والانتقال من يوتاه في أمريكا إلى غانا. 

هناك خطط لتطوير البنية التحتية للعقار، وتساعد في ذلك المنح التي يتم الحصول عليها من منظمات مثل OUR. ذُكر اسم إل عدة مرات باعتبارها واحدة من الأشخاص الذين يساعدون في عمليات الإنقاذ وإرسال النساء إلى هذا المركز. تبدو الصداقة الحميمة بين النساء وبيكي حقيقية. وفي هذا الوقت الذي يفتقدون فيه الدعم والمأوى، يلعب المركز دورا FRC مهماً في حياتهن. 

تعلم بي البالغة من العمر 27 عاما والتي تم انقاذها من الإمارات عن وجود هذا الملاذ الآمن وكان لها الخيار للجوء اليه، لكنها اختارت أن تبقى مع أصدقاء لها في أكرا، بالقرب من والدتها التي ابتعدت عنها على أمل التصالح معها. 

«ذهبت إلى دبي في أيريل 2021، بتأشيرة زيارة مدتها 3 شهور. استصدرت التأشيرة لي صديقة من غانا وزوجها. أُخبرت أنني سأعمل مدرسة في حضانة. ومن ثم قالوا لي أنها وظيفة مربية». لم تتردد بي في الذهاب وذلك «لأننا نسمع الاخبار السيئة من السعودية وليس من دبي».

لكن ما تبع ذلك بعد الوصول كان عبارة عن أشهر من التنقل من الوكيل إلى صاحب عمل، ثم إلى آخر ولم تحصل أبدا على الراتب الذي وُعدت به، فيما كانت كل عائلة تعمل لديها، تعاملها بشكل أسوأ من سابقتها. «طالبت بإعادتي إلى بلادي، لكنهم طردوني خارج البيت. كنت مشردة بلا مأوى ونمت في محطة مترو الاتحاد … حتى عرضت على سيدة غانية المساعدة».

تمكنت بي من العثور على وظيفة مع عائلة عاملتها بشكل حسن. «كانت عائلة باكستانية في طريقها إلى كندا. ومرة أخرى وجدت نفسي بلا مكان آوى اليه … بعد ذلك ذهبت إلى السلطات وسلمت نفسي».

غالباً ما يذكر العائدون من الإمارات محطة مترو الاتحاد وديرة. وهو المكان الذي يحصل فيه المشردون على مأوى لهم. 

تم ترحيل بي في 15 أغسطس 2022 مع 400 شخص آخرين. «بقيت رهن التوقيف لمدة شهر في مركز التوادي، ثم نُقلت إلى إدارة المباحث الجنائية في 15 سبتمبر في مركز الترحيل T2. وأخيراً غادرنا إلى غانا في 27 سبتمبر. كان يوجد في ذلك المركز أكثر من 600 شخص – أوغنديون وسيراليونيون وكثير من الجنسيات الأخرى. كنا نُعطى بندول عندما نمرض، لكن لا يوجد فحصوات طبية أخرى».

كانت السلطات و OUR يمنحون الأولية للنساء الحوامل. البعض أخبرن MR انهن استفدن من ذلك وطالبن بالعودة دون الخضوع لاختبار فحص الحمل. «تحملت إل تكلفة تذكرة سفري».

في المبنى T2، تم إيواء النساء تحت مظلة دون أسرّة للنوم. «كان مركز الهجرة أفضل. لم يوجه أحد لنا أي أسئلة سواء هنا بعد أن عدنا إلى غانا أو عندما كنا هناك. لم يتحقق أحد من الكيفية التي وصلنا بها إلى هناك، أين عملنا، ما الذي تعرضنا اليه… كانوا فقط يصرخون في وجوهنا».

سافرت بي من أكرا بتأشيرة زيارة، وكانت مترددة في الحديث عن كيفية اجتيازها للاستفسار في إدارة الهجرة. لكنها قالت لصديقتها الغانية في توي: «دفعنا 500 سيدي كرشوة، لكن كيف يمكنني أن أظهر بلدي بصورة سيئة لهم؟»

مثل كثيرات من النساء العائدات من الإمارات، لم تكن بي حريصة على الحديث عن قصتها لأحد. «أقدرانا ليست متشابهة. أي نصيحة ممكن أن أقدم لهم؟ تذهب إلى هناك من خلال القنوات الصحيحة. تسير الأمور بشكل جيد للبعض. والشرطة تساعدك هناك لو تعرضت للموت، عدا ذلك، بإمكانك الاستمرار في عملك». 

مع بي، عادت لين من الإمارات أيضا. فضلت لين أن تلجأ إلى FRC لأن لديها طفل عليها أن ترعاه وليس ليسها مكان تقيم فيه. قالت إن اسم الوكيل الذي سافرت عن طريقة «جون» وهو من أكرا. «لم يكن الأمر سيئاً في البداية عندما ذهبت في نوفمبر 2021. كنا أرعى سيدة كبيرة في السن. ثم أصبنا، هي وأنا بكورونا، بعدها تغيرت الأمور والطريقة التي عوملت بها، وكنا يتوقع منى أن أواصل الاهتمام بها، بدون أعطائي الطعام والدواء المناسب. شكوت من ذلك وطلبت العودة، وقمت أيضا بالاتصال بإدارة القوى العاملة. لكن ابن السيدة المسنة أخذ جواز سفري وأرسلني إلى مكتب وكيل التوظيف في عجمان». 

كان صاحب العمل يطالب بالمال في مقابل جواز السفر، المال الذي لم تكن لين تملكه أصلا لأنها لم تحصل على أجرها خلال الشهور القليلة الأخيرة التي عملها لديهم. «أخذتني صديقة إلى إدارة الهجرة وأخبرتني أن إدارة المباحث الجنائية سوف تدفع لتذاكر سفرنا لكنها لم تفعل. سفارتنا تواصلت مع إل وأعطتنا تذاكر للسفر. وعندما وصلنا إلى غانا، أُخذنا إلى هنا». 

لم تكن لين على علم بالوقت الذي ستقضيه في هذا المأوى الآمن، ولا تعرف إن كان لدى FRC أية لوائح بهذا الشأن. ولكنها، في الوقت الحاضر، ليس لديها أي مكان آخر تذهب إليه. كانت أكثر صراحة في نصيحتها التي قدمتها. «أود أن أقول إن لا تذهبن كعاملات منازل. ستتم معاملتكن كعبيد. ولن تساعدكن الشركة لو تقدمتن بالشكوى».

وتعتبر جملة (تمت معاملتنا كعبيد) هي الكلمة التي نسمعها في كل مقابلة أو لقاء بين جماعات المهتمين بالأمر (الجزء الختامي 3، ينشر في وقت لاحق)

مركز للإتجار بالأشخاص: الأصل، العبور، والوجهة

تقول د. نانستا، التي عملت في مجال العدالة الانتقالية، وهي مطلعة على مخاطر الاتجار بالبشر في المجتمعات الهشة، إنه من السهل للنساء الغانيات خصوصاً أولئك الآتيات من الشمال، للدخول في سوق العمل المنزلي في الخليج. «من المتأصل في المجتمع الغاني أن يتم البحث عن نساء من أقاليم معينة للقيام بهذا العمل. في البداية كانوا يذهبون للمجتمعات المسلمة في المناطق الريفية، ويذهبون للقيادة، ويتبرعون للمسجد. ثم يخبرهم الإمام إننا سنطور المجتمع. في البداية، قبل 10-15 سنة مضت، قد يقال إن هذا يتم في ظل الجهل. لكن ليس الآن، فما يحدث الآن هو أزمة وطنية (من الغانيين الذين يعانون في الخليج) لا يمكنهم الادعاء بالجهل».

وتعني حدود أفريقيا الغربية سهلة الاختراق، وحرية الحركة داخلها أن غانا ليس فقط نقطة انطلاق وإنما دولة عبور رئيسية للهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر من أجل الجنس والعمل. 

تقول إن بعض أسوأ الحالات كانت من سيراليون. ويؤكد ضابط شرطة كبير يعمل في إدارة المباحث الجنائية «نتحدث مع نظرائنا في الدول المجاورة، وكذلك إلى مفوضياتهم هنا، لأن كثير من النيجيريين والسيراليونيين يتم الاتجار بهم من خلال غانا. تجبرهم العصابات وتجار البشر على أخذ طرق خطرة للخروج من القارة». وهذا الطريق الذي توضحه د. نانستا في تفاصيل لاحقة. 

«ترغب الفتيات في السفر حتى لو لم تكن الأوضاع مزرية في بلدهن. لأن السفر يمنحهم الحرية.»

يشير الضابط ويلفريد الذي يفضل عدم ذكر اسمه إلى المبنى الذي يقع في مقابل مكتبه في المقر الرئيسي لإدارة التحقيقات الجنائية، قائلاً إن هناك ما يكفي من القصص هناك لتُسمع. ويمنح المكتب شهادات تخليص للسفر التي يحتاجها أغلب المواطنين. «أقابل نساء غانيات هناك، ونوفر لهم معلومات حول الاتجار بالبشر وننصحهم بعدم الذهاب. لكنهم يضحكون بسخرية على ما نقول. لأن من المسئول عن اطعامهم ورعايتهم؟»

تقول د. نانستا إن الأمر من مجرد حاجة. «ترغب الفتيات في السفر حتى لو لم تكن الأوضع مزرية في بلدهن. لأن السفر يمنحهم الحرية». وتسرد حالة لامرأة شابة من سيراليون تنتمي لعائلة آمنة إلى حد ما. 

«في فبراير (2022)، تلقيت اتصالاً هاتفيا من صديق عزيز من المملكة المتحدة. تنتمي في الأصل إلى سيراليون. وكانت في حالة ذعر. كانت أخت زوجها الصغيرة، في، تعيش في غانا منذ 2021. وتم توظيفها للذهاب إلى الخليج. هربت في لسبب ما وتمكنت من إيجاد هاتف للاتصال بهم من شخص بشكل عشوائي في الشارع.»

تواصلت في معها، وتم الاتفاق على ترتيب لقاء في مكان محدد في أكرا. وأخبرتها عن قصتها المأساوية التي امتدت لعدة شهور ابتداء من رحلة مدتها 12 يوما في زورق في البحر. 

«جاء هؤلاء الرجال إلى سيراليون لتوظيف النساء، ودفعت كل منهن 1000 دولار.»

وضعوا 25 امرأة في زورق في فريتاون للإبحار لمدة 12 يوم من خلال مانغروفيا (ليبيريا) إلى كوت ديفوار. ومن هناك تم ربطهم بأنابيب منفوخة ووضعت في بحيرة، لعبور إقليم بونو في غانا المحاذي لكوت ديفوار. بدأن الرحلة في 10 نوفمبر ووصلن في 25 نوفمبر. 

وبمجرد وصولهن إلى داخل غانا، وُضعت النساء في سيارة وأُخذن إلى كاسوا، على أطراف أكرا في الطريق المتجه إلى كيب كوست، وتم ايوائهم في مكان ناءٍ في الخلاء. كان يتم تعلميهن الطبخ والتنظيف، لكنهن كن أيضا يتعرضن للتحرش الجنسي يوميا من قبل الرجال الذين أوصلوهن إلى هناك – أخوين من غانا، أحدهما يقيم في البحرين وهو الذي يقوم بالتوظيف الفعلي. وكانوا يطالبون النساء بمزيد من المال وإذا عبرّن عن عدم توفر المال لديهن يطلب منهم تقديم خدمات جنسية. 

«قالت في أنه تم جلب شخص طبي لفحص عينات منهن. وأخبرهن هذا الشخص إن البعض كن حوامل، لمجرد تخويفهن. كذلك قدموا لهن أقراصا للإجهاض، ثم قام الرجال بأخذهن إلى الغرفة. يبدو أنها عصابة متمكنة. قررت في أنها لم تأتِ من أجل هذا، فخططت للهرب ليلاً، فقط بالملابس التي تحملها على ظهرها، وبدأت المشي في اتجاه الضوء.»

تقوم د. نانستا بتشغيل تسجيلات صورية وبصرية استلمتها من في، بعضها تم تسجيله بعد عودتها إلى بلادها. «بمجرد أن أخذناها، أوصلناها مباشرة للمفوضية العليا لسيراليون. كانوا على علم بالمشكلة. وكانوا يعانون في التعامل معها. لم يكن بإمكانهم حتى التحقيق في القضية وأعطوها شهادة سفر للعودة إلى بلادها.»

«إنها عصابة ممتدة من الأسفل إلى القمة. أمن، طب، بحرية، هجرة. غالبيتهن تم الاتجار بهن للعمل في الجنس أو للاستعباد الجنسي…»

يتم الاتجار بمئات النساء السيراليونيات إلى الخليج شهرياً، غالباً عن طريق الدولة المجاورة مثل غانا. يقول الضابط ويلفريد* أن العصابة تقوم بتمرير النساء من خلال الحدود بين كوت ديفوار وغانا. وبرغم المعلومات المتوافرة عما يحدث إلى أن الاعتقالات والمحاكمات قليلة جداً. 

«إنها عصابة ممتدة من الأسفل إلى القمة. أمن، طب، بحرية، هجرة. غالبيتهن تم الاتجار بهن للعمل في الجنس أو للاستعباد الجنسي – لدينا حالة لامرأة قالت بعد عودتها أن جميع أفراد العائلة التي عملت لديها، الزوج والزوجة والأبناء اعتدوا عليها جنسيا. لكننا نسمع، وبشكل متزايد عن سرقة الأعضاء.»

«تعود الفتيات بندوب لجروح في ظهورهن. إحدى الفتيات قالت إن فتاة أخرى تعمل معها لدى الأسرة نفسها لديها ندوب لجرحين في ظهرها إذ تم إزالة كليتيها وماتت بعد ذلك. ذكرت إن الفتاة الأخرى أُخذت إلى مسرح العمليات في المستشفى. ومن هناك أخذها أصحاب العمل إلى مجمع تجاري حيت انهارت وتوفيت.»

ذكرت ضابطة الهجرة، دينا، التي تحدثت اليها MR (الجزء الأول) أيضا عن سرقة الأعضاء «لا يتم التحقيق في أي شيء، لكننا نرى النساء يعدن بندوب جراحية». يقول الضابط ويلفريد أيضاً إن سرقة الأعضاء تمثل مشكلة، وأن الأمم المتحدة حذرت الدول الأعضاء من خطر الاتجار بالبشر من أجل سرقة الأعضاء. ومع ذلك، لإثبات أي شي، لابد من توافر سجلات واضحة ومفصلة من مرحلة ما قبل المغادرة حتى ما بعد العودة. لكن مع وجود الحظر، فالهجرة أغلبها غير نظامية، وبدون الإجراءات القانونية لا يوجد الكثير مما يمكن عمله في هذا الشأن. 

تم تغيير بعض الأسماء، أو تقصيرها أو عدم ذكرها بناء على طلب أصحابها*

الجزء الأول: الحظر في غانا يفشل في محاربة الفساد وفي انتشال اليائسين