لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

جاهزات ولكن غير مطلعات...النساء الغانيّات تخاطرن بكل شيء من أجل الوظائف في الخليج

كثيرات يقعن ضحايا الإتجار والتهريب إلى كردستان والعراق

في 9 يونيو 2023

في غانا، من تأتي إلى العالم كأنثى، فعليها اكتساب عادة الصلاة واتقانها. فستحتاجها بشدة فيما وهي تتقدم نحو الشيخوخة (...)

وبالإضافة إلى ذلك، إن كان أبناؤك يشنون حربهم اليائسة من أجل العيش، وليس لديهم الوقت الكافي من أجلكِ، فاحسب نفسك بين المهمشين والمنسيين (...)

– أمّا داركو- عاملة المنزل

في منطقة دروبو، تصطف واجهات محلات صغار التجار ومصففي الشعر، على طول الشوارع الطينية برتقالية اللون. وفي أحد هذه الشوارع، اجتمعت حوالي 36 امرأة تحت شجرة توفر بعض الظل لهن. البعض معهن أطفال صغار، وكثيرات يحملن حقائب مقلدة عن مصممين مشهورين، ولكل منهن حكاية. تنقسم النساء إلى مجموعات صغيرة، يجتمعن للتحدث ومشاركة قصصهن وكفاحهن. يبدو البعض صغيرات السن لدرجة لا يصدق معها أنهن عملن لثلاث أو أربع سنوات في الخارج.

وعلى جانب الطريق السريع كوماسي – سونياني، ليس بعيداً عن حدود كوت ديفوار والعاصمة الإقليمية سونياني، تقع دروبو التي تعتبر واحدة من مراكز الهجرة في غانا. ولا يعتبر إقليم بونو المكان الذي يأتي منه معظم المهاجرين فحسب، لكنه أيضا نقطة عبور للمتاجرين بالأشخاص من الدول المجاورة (أنظر الجزء الثاني). وهذه المجموعة هنا تعتبر صورة مصغرة من بيئة أكبر للهجرة. وكلما كانت النساء أكثر انفتاحاً في الحديث، تتكشف أنماطاً جديدة. كثيرات من النساء أُخبرن أنهن ذاهبات للخليج أو إلى كردستان ولكن ينتهي بهن الأمر في العراق. 

«اعتقدنا أن كردستان أيضا في الخليج.»

جميعهن ذهبن من خلال «وسيط »، ودفعن ما بين 3000 و 5000 سيدي غاني من أجل الوظيفة. وبالنسبة لأولئك اللاتي ذهبن إلى المكان الذي وُعدن بالذهاب إليه، فقد كن لا يعرفن سوى القليل عن مكان وجودهن. تقول فيف، التي قضت 3 سنوات في العراق منذ 2019، أنها لم تكن تعلم أن الأمر سينتهي بها في العراق. أما كوني فكانت تتوقع الذهاب إلى دبي، ولكنها علمت في أديس أبابا حيث كانت محطة عبورها، أنها ذاهبة إلى لبنان. أريكا، كانت تعلم أنها ذاهبة إلى السعودية لكنها لم تكن تعلم إلى أي منطقة فيها. 

لكن، بض النظر عن المكان الذي ينتهي بهن الأمر فيه، فإن قصصهن متشابهة. حتى أولئك اللاتي شعرن أن لديهن صاحب عمل جيد، أو لم يتعرضن لمشاكل فقد كن يستلمن رواتب أقل مما وُعدن بها، وكن يعملن أكثر من 15 ساعة في اليوم، وليس لديهن يوم للراحة. وتضجّ هؤلاء النساء بضحكة جماعية مخنوقة عندما يأتي الأمر لموضوع أوقات الراحة أو يوم الإجازة، حتى أولئك اللاتي كن صامتات، يتحفزن ويشاركن رأيهن، ويشعرن بالإهانة لأن الأمر ليس مطروحاً حتى للسؤال.  

تصرخ كوني: «نحن نعمل كل يوم.»

تتبعها أغنيس: «24X7» أي على مدار الأسبوع. 

وتشير فيف وهي تضرب بأصابعها: «ننام شوي- شوي (قليلاً)، نحن نعمل بشكل مستمر.»

تقول إيريكا: «والوكلاء لا يردون علينا عندما نحتاج إلى المساعدة.»

تقول لين: «سيخبرك الوكيل أن الجمعة هو يوم إجازة من العمل، لكن المدام في المنزل تقول لا، دفعنا المال وجلبناكن إلى هنا، فعليكن العمل كل يوم نظير ما دفعناه. في يوم الجمعة يكون العمل مضاعف بسبب مجيء أصدقائهم وأهلهم، أو عليك الذهاب إلى منازلهم والعمل هناك.»

تهز أغنيس رأسها غير مصدقة وتقول: «يقول الوكيل أن هذه هو الموجود وعلينا تحمّل ذلك». وتضيف: «أحياناً يقول الوكيل هنا، إذهبي إلى المكتب (في السعودية)، لكن عندما تذهب إلى هناك، تتعرض للصفع والضرب، لا أحد يمد يد المساعدة.»

تتصاعد نبرة فيف وهي تقول: «غير مسموح لنا حتى بالحديث مع أصدقائنا، لا نشعر باللطف هناك إطلاقاً. فعليك أن تعمل حتى إن كنت مريضاً»، وتلتفت إلى رفيقاتها ويتحدثن عن موضوع، يبدو مشتركاً، باللهجة المحلية. 

وتقول فيف بإنجليزية واضحة بشكل مدهش، متجاهلة المترجم: «البابا (صاحب العمل أو الأب في الأسرة) أراد أن يمارس الجنس معي وأمسك بثديي. هذا الرجل أجبرني على تدليك أعضائه التناسلية، كانوا يجوعونني إذا لم أمتثل لما يريدون. الماما (الأم) تعرف بالطبع، لكنها تقوم بعمل هذه الإشارة – تمرر أصابعها على عنها في إشارة للذبح بقطع الرقبة- في كل مرة حاولت فيها التحدث عن الأمر. وأخيراً هربت إلى بيت أحد الأصدقاء.»

كان هناك فورة من المناقشات فيما بين النساء، والتعاطف مع بعضهم البعض والحديث عن خبراتهم المشتركة.

«أنظروا ما فعل بي المبيّض». كان جلدها لايزال متأثراً حتى بعد شهور من عودتها، كانت البثور والدمامل تحيط بأصابعها

إهانة وتحقير

تقول ماتا التي أُخذت أيضا إلى كردستان بدون موافقتها أو علمها: «عندما أراد بابا (الأب، رب العمل) ممارسة الجنس معي، أخبرت ماما (الأم، زوجة صاحب العمل)، فاتهمتني بأنني قد فعلت ذلم فعلاً وضربتني. ضربتني هي وابنها. وعندما شكوتهم لدى المكتب (الوكيل)، كل ما فعله هو إعادتي إلى المنزل، ولم يتخذوا أي إجراء حيال ذلك. الأطفال يعتدون عليك جسدياً، والرجال يعتدون جنسياً، ولا يمكنك فعل أي شيء.»

يتحول الحديث نحو أسوأ المهمات التي على هذه النساء عملها، وأسوأ معاملة عليهم تحمّلها. يفيض من الحديث الحزن والهم بسبب فقدان الكرامة، ومن الطرق غير الإنسانية التي عوملن بها. من الصعب متابعة وضبط ما يتم مناقشته. 

تقول جوليانا التي عملت في الدمام، السعودية لمدة 4 سنوات: «عليك غسل هذا السجاد الثقيل وكبير الحجم باليد. إنه عمل يقصم الظهر. والأطفال يفسدون كثيرا العمل الذي أقوم به.»

تقول أغنيس: «عليك أن تنقع وتشطف السجاد الكبير باستخدام اليد. بعد فترة، رفضت العمل.»

وتقول كوني: «حتى عندما سقطت من أعلى السلم، أخذوني إلى المستشفى، لكنهم فقط أعطوني بندول وجعلوني أعمل من جديد. هناك إساءة واعتداء بشكل مستمر.»

تقول روزينا: «كان العمل شاقاً، وصاحب العمل يقول، لو متِّ، سندفنك هنا، ولن نرسلك إلى غانا.»

انفجرت النساء ضاحكات عندما قالت إحداهن إنه كان عليها غسل طقم أسنان صاح بالعمل بيدها. «ليس بمقدوري الأكل بعد ذلك.»

وأثار ذلك الضحك، الحديث عن أشياء مشابهة. 

«كان علينا غسل صينية اللعاب. باليد»

«وإزالة المحارم الورقية المستخدمة، التي يتركونها في المكان، وبدون قفازات.»

تقول إيريكا التي عملت لدى عائلة في الرياض لما يقارب 3 سنوات، إنهم كانوا يجبرونها على غسل الملابس الداخلية الملوثة بدم الدورة الشهرية، باليد. «ليس حتى باستخدام غسالة الملابس. كنت تتم معاملتنا بازدراء كبير. كانت الفتاة في العائلة ترمي فوطها المستخدمة للدورة الشهرية في المرحاض، وعليّ أن أخرجهم بدون قفاز، أو أي شيء.»

«كانت هناك امرأة مسنّة في البيت. كنت أستخدم يدي لتنظيف كل شي، حفاضاتها، والحمام.»

وتتنهد إحداهم متذكرة: «ثم، إن هناك مبيض الملابس (كلوروكس)»

وتسألها أخرى: «هل تعرفين المبيض؟»

«إنه محلول سيء. وعلينا استخدامه كثيرا في البيت. لا يوجد لديهم قفازات أو أقنعة، الغازات المنبعثة منه كثيرة علينا، لا تحتمل.»

ترينا كوني باطن كفيها: «أنظروا ما فعل بي المبيّض». كان جلدها لايزال متأثراً حتى بعد شهور من عودتها، كانت البثور والدمامل تحيط بأصابعها. «ثم كان عليّ استخدام الماء الحار، وهذا زاد الأمر سوءا. كان لديهم غسالة ملابس لكنهم كانوا يريدونني أن أغسل بيدي.»

إنها ليست قسوة العمل فحسب، ولكن أيضا الكلمات، والمعاملة التي لاتزال هؤلاء النساء يجدن صعوبة في تقبلها. ذلك اليوم الذي شعرن أنه تم النيل فيه من كرامتهم لجعلهم يشعرون أنهم من مستوى أقل.

تقول ماتا: «عندما تقوم بالتنظيف، كانوا يسيرون ورائك ويلمسون الأرض.» وتضيف: «كما يقولون إن رائحتنا غير مستحبة. أي أننا القادمين من غانا، رائحتنا غير مستحبة.»

تود لين أن تعرف ذلك: «هل هذا صحيح، هل بنا رائحة غير مستحبة.»

«قاموا بقص شعري لأنه لايعجبهم. لديهم مشكلة مع شعرنا.»

«ننام في البلكونة، صيفاً وشتاءً. ونذهب للحمام لتغيير ملابسنا.»

تقول مريما التي قضت عدة سنوات في الدمام، موبخة نفسها: «يقولون إننا كسالى، وليس لدينا المال، نأتي من بلد فقير، وأننا مثل الحيوانات، ولا أقول شيئاً حيال ذلك. إنه ليس خطأهم بل خطأي أنا التي ذهبت إلى هناك. لو لم أذهب إلى هناك لما قالوا لي كل ذلك.»

«لا يمكننا الجلوس على الكرسي، نحن نجلس على الأرض.»

«يعتقدون أنه لا بأس في إعطائنا المتبقي من الطعام.»

«ولا يمكننا استخدام أدواتهم للمائدة. علينا استخدام أكواب أخرى، هذا فعلا يجعلني أستاء كثيراً.»

كانت تتصاعد في الجلسة همهمات تقول «سيء جداً، سيء جداً»، فيما كانت الدموع تنحدر من عيني ماتا. رفعت النساء اللاتي يتحدثن بصوت خفيض، أصواتهن لتصبح عالية وتنضح بالحزن والغضب وتركيزهم على مسجل الصوت الذي أمامهن.  

واحدة منهن تبدو وكأنها على وشك الاعتذار. 

«ولكن، يبدو أنك لطيفة.»

يسخر منها أصدقائها «يبتسمون عندما يأتون لأخذك من مكتب وكيل التوظيف ويكررون «حبيبتي، حبيبتي. سوف يبتسمون بذات الطريقة التي تبتسمين بها الآن في وجوهنا. هذا كله في البداية. ثم، عندما يأخذوك إلى منزلهم، يبدأون في الصراخ، يتغيرون بعد ذلك.»

إعداد غير وافي وبلا معلومات

معظم النساء يدعين أنهن كنّ في عمر 18 أو 19 عاما عندما غادرن غانا، ولكن بعد سنوات من عودتهن، لا يبدو أنهن تجاوزن 20 عاماً، كما أنهم مشوشات بشأن أعمارهن. عندما يقمن بإجراءات السفر، يضعن عمراً يسمح لهن بالهجرة، وعادة ما يضفن عدة سنوات إضافية إلى أعمارهن. ويقوم الوسيط بتجهيز جميع الأوراق والوثائق بالمعلومات التي تسهل مرورهن، بصرف النظر عن صحتها. كما أن جميعهن يعرفن عن الحظر ومع ذلك كنّ يذهبن، يدفعن المال للوسطاء ويرشين ضباط الهجرة. 

كان الوسيط الذي تعاملت معه مريما من دروبو، بينما هي من أديوكو، القريبة منها. «قام بترتيب كل شيء، وسددت له المبلغ كاملاً بعدما ذهبت إلى السعودية في 2016. لكنها لم يستطع مساعدتي بعد ذلك». عملت لدى عائلة مكونة من 13 فرد في الدمام، وكانت هي عاملة المنزل الوحيدة لديهم. «كل واحدة كانت تلد 3 إلى 7 مرات وكنت أنا وحدي أقوم بعمل كل شيء. كنت أذهب للنوم الساعة 2 صباحاً وأستيقظ الساعة 6 صباحاً. كان عليّ الاهتمام بالأطفال خلال الليل. وإذا قلت لهم إنني متعبة سيقولون إن هذا عملي وعليّ أن أقوم به.»

لم يسمح لها بالعودة في نهاية مدة العقد، وبعد ذلك تأخرت عودتها أكثر بسبب الجائحة. «حاولت أن أتحدث للوكيل لكنه أخبرني أنه بسبب كوفيد لا يمكنني العودة، لذلك كان عليّ الانتظار. لكن خلال فترة كورونا، زاد العمل. وأخيراَ غضبت وتوقفت عن العمل. وكانت صلاحية جواز سفري والإقامة قد انتهت. لذلك أخذوني إلى مكتب الوكيل في الرياض. قضيت فترة أطول مما نص عليه عقد عملي، لم أكن أريد البقاء. فاستصدروا لي شهادة سفر، وعدت بعد شهر.»

حتى هؤلاء الذين ذهبوا بشكل «نظامي»، وجدوا أنفسهم في أوضاع صعبة. كانت شارلوت بالكاد قد بلغت 18 عاما عندما أُخذت إلى الأردن في 2016، وعلمت عن الوظيفة من صديقة لها تعمل في الخارج. وفور وصولها إلى الأردن أُخذت إلى السعودية عن طريق البر حيث عملت لمدة تقارب 5 سنوات عادت بعدها. «كان عدد أفراد الأسرة 8 أشخاص مع سيدة كبيرة في السن. كانت سيئة للغاية، لكن الأولاد كانوا لطيفين. كانت البنات يقولون لي أن آكل عندما لم تكن المرأة المسنة منتبهة. كنا أعمل منذ الساعة 6 صباحاً حتى منتصف الليل، دون يوم إجازة. وحتى الأشخاص اللطيفين في الأسرة يطلبون مني أن أأقلم نفسي مع العمل الكثير، إذ لا يوجد أحد غيري ليقوم بالعمل.»

خلال الفترة التي قضتها في السعودية، لم تكن لدى شارلوت إقامة صالحة. كل ما لديها أوراقها الخاصة بالأردن. «قلت نعم للذهاب للسعودية لكنني لم أكن أعرف ماذا يعني ذلك. كانت جميع أوراقي معهم، حصلت على جواز سفري فقط عند عودتي، ولذلك كان عليهم إعادتي إلى الأردن.»

أما بينوا فقصتها تعود إلى العام 2016، عندما قصدها الوسيط في الكنيسة وفاتحها بأمر الهجرة، وكان عمرها حينئذ 18 عاماً. وهو الشخص نفسه الذي أرسلها إلى السعودية في المرة الأولى وإلى عمان في المرة الثانية. وبرغم أن قصتها لا تختلف عن قصص زميلاتها فيما يتعلق بطول ساعات العمل والمعاملة السيئة، إلا أنها تمكنت من ادخار ما يكفيها لبناء منزل لنفسها. «لم أفتح قط حساباً مصرفياً، كنت فقط أبعث المال لأختي... وكان الأمر يسير بشكل جيد، والآن أتعلم الخياطة.»

معاملة حسنة ولكن بمعايير متدنية

حتى عندما تقول النساء أنهن عوملن بطريقة حسنة، فإن المعيار يبدو منخفض. كانت ريتا في الرياض لمدة 5 سنوات. بعد تجربتين سيئتين، قالت إنها وجدت أسرة تعاملها بشكل جيد، وأنها كانت تستلم 900 ريال سعودي (240 دولار أمريكي) شهرياً. ولم تتعرض لأي إساءة جسدية أو لفظية. «كان البيت كبيراً، وكان هناك ثلاثة أطفال. عاملوني بشكل جيد...». ولمعرفة المزيد عن ساعات عملها، ويوم الإجازة قالت إنها تعمل من الساعة 5 صباحاً حتى 12 ظهراً. ثم من الساعة 3 بعد الظهر وحتى الساعة 12 عند منتصف الليل. «لا إجازة كما أن عليّ شراء جميع مستلزماتي الشخصية.» 

مثل أغلب المهاجرات للمرة الأولى، غادرت ريتا البلد بهدوء دون معرفة كافية أو تحضير للسفر والعمل. «لم يكن لديّ حساب مصرفي، وكنت أبعث المال لعمتي التي أنفقت معظمه. لم يتبق لدي سوي 8000 سيدي غاني عند عودتي، واستخدمت هذا المال لعمل بعض الاختبارات». تقول إنها كانت في النهاية تود دراسة التمريض، لكن لتمويل ذلك، كان عليها الذهاب إلى الخارج. «عندما يسألني الناس عن الذهاب للخارج، أقول لهم، إن كنتم متواضعين فسوف يعاملونكم معاملة حسنة. هم يشعرون أن السود غير جيدين. إنهم، الناس هناك، يعتقدون أن الأشخاص السود لديهم أفكار سيئة. كنت أقول لهم أن يتواصلوا ليتعرفوا أكثر على حياتنا.»

إن كون النساء يهاجرن بدون معرفة الدولة التي يذهبون اليها، أو خطة العودة، فهذا يعني أن هناك سوء تحضير على مختلف الأصعدة. والأمر الأكثر وضوحاً، هو الوعي المالي خصوصاً بين المهاجرات للمرة الأولى. 

تقول شارلوت: «ادخرت بعض المال، لكن عائلتي أساءت استخدامه، لم أكن حتى أعرف كم ادخرت من المال، فقد كنت أواصل إرسال المال إلى عائلتي حتى نهاية إقامتي عندما اقترب موعد عودتي. تلقيت راتبي الأخير، وعندما عدت، أخبروني أنهم أساؤوا استخدامه.»

أما مريما فتقول: «كنت أبعث المال باسم والداي. لم يكن لدي حساب مصرفي. في المرة القادمة عندما أذهب سوف أبني بيتاً، وأبدأ عمل خاص... لكن سأفتح حساب مصرفي قبل ذهابي.»

تشعر النساء أنه ومع فظاعة التجارب هذه، إلا أنه لا يوجد أمامهن سوى خيارات قليلة في غانا. لذلك فكن دائما يتحدثن عن وجود المرة المقبلة، على أمل الحصول على تجربة أفضل. تقول النساء أن لا أحد حذرهن قبل مغادرتهن، برغم أن جميعهن لديهن أصدقاء يعملن في الخارج ممن يقلن فقط الأشياء الجيدة. ويتساءلن: هل سيقولون للناس ألا يذهبوا؟ ويهززن رؤوسهم نفياً. «لن يصدقنا أحد. سيظنون أننا نخفي عنهم حظنا «الحسن».»

هناك تردد عام في مشاركة قصصهن أو إعطاء النصيحة لمن يرغبن في السفر. قليلات من أمثال فليشيا (أنظر الشريط الجانبي) يفعلن ذلك لأن الناس ينظرون لهن على أنهن ناجحات. ومع بعض الالحاح، طرحن بعض الاقتراحات حول كيف يمكن لحياتهن أن تكون أفضل. 

تقول كوني: «يجب أن تكون هناك ساعات عمل محددة. يجب ألا ننام في المكان الذي نعمل فيه. لابد من أن يكون هناك منزلاً آخر للنوم»

تقول إريكا: «الراتب جيد، ولكن العمل كثير. عليهم توظيف أشخاص أكثر إذا ما كان العمل كثيراً.»

وتقول مريما: «أخذوا مني هاتفي المحمول (تهز الأخريات رؤوسهن موافقات)، وبالكاد كنا نتحدث مع أفراد عائلاتنا. كنت أشعر بالعزلة الشديدة، يجب أن يسمح لنا بالتحدث مع عائلاتنا وأصدقائنا.»

إن الاقتراحات هنا، منطقية وعملية وممكنة التطبيق، ومع ذلكن فيتم تجاهلها عند صياغة القوانين وعند تطبيق آليات التنفيذ في دول الخليج. 

تصب قصص المشردون الأفارقة في الإمارات في سردية الهجرة غير النظامية، واضعة اللوم على دول الأصل ... ولكن هناك إدراك ضئيل أو معدوم بشأن السهولة التي يتم بها جلب الآلاف من الدول الفقيرة إلى الدولة، بدون مساءلة للقائمين على ذلك والذين يسهّلون هذه العملية بشكل متكرر إلى حد الوصول إلى الاتجار بالبشر

الرجال غير المرئيين

تقول فيليشيا إنه فيما تتحدث عشرات النساء، من خلال جماعات أو بشكل فردي حول أسباب هجرتهن، ولماذا يردن الذهاب مرة أخرى أو لا، فإن الرجال الذين كانوا في الخارج أو يخططون لذلك، يرفضون المشاركة. لا يريد الرجال أن يُنظر إليهم على أنهم ضحايا أو أنهم فاشلون. 

يتردد شاب في بداية العشرينات من عمره، في الترحيب بنا في صالون حلاقة ذو إضاءة منخفضة، تكتسي جدرانه بورق المصمم لويس فيتون، وأرضه غير نظيفة، في عصر أحد أيام الأحد. كان يجلس على أريكة ويتحدث بصوت مسموع فقط بعد مغادرة الجيران والغانيين الآخرين المحل. ويقوم فرانسيس، وهو معالج بالأعشاب بإدارة صالون حلاقة جدّه – وهو واحد من محلات عدة مشابهة في الشارع نفسه. ذهب فرانسيس إلى دبي في 2019 للعمل في مزرعة للتمور. «إنها مزرعة الشيخة فاطمة. أرسلني الوسيط. كنت أود الذهاب إلى المكسيك، لكن ذهبت أولا إلى جنوب أفريقيا، لكنهم رفضوني. لذلك أرسلني إلى دبي، قائلاً إنها وظيفة جيده لكنها في مزرعة. دفعت 8000 سيدي غاني... قال إنني سأعمل بستانياً. لكن الأمر انتهى بي في قصر بالقرب من العين. كان هنام 25 غانياً يعملون في المزرعة معه. كنا نستلم 1000 درهم إماراتي وسكن ولكن بدون علاوة للطعام.»

يقول إن بعض الغانيين الآخرين في المزرعة نجحوا في الحصول على عمل حراس أمن والبعض منهم غادر.  «البلد جيدة. لكننا نعتبر عمالة رخيصة. عندما ذهبنا للعمل. لم يكن ما نستلمه من مال كافيا بعد دفع كافة النفقات. المدينة أيضا جيدة، والبنية التحتية. ولكن الكيفية التي يعاملوننا بها ليست كذلك.» كان هناك حزن عند الحديث عن البقاء في غانا. «يودّ الناس الذهاب. أنا لا أثنيهم عن الذهاب (عندما يسألونني). التجارب الشخصية تختلف من شخص لآخر. أنا أيضا أود أن أعاود الذهاب. لكن ليس إلى آسيا.»

آبي الذي عمل 6 سنوات في الإمارات كعامل صباغة ولحام، وعاد قبل عدة شهور، استثمر ما ادخره في شراء اوكادا (تاكسي بثلاث عجلات).  يبدو سعيداً بما تمكن من تحقيقه بالعمل في الخارج، وواقعيا بشأن المشاكل التي صادفته هناك. «لم يكن لدي التعليم الكافي للحصول على عمل جيد هنا. وهو السبب الذي دفعني لقرار الذهاب للخارج. حصل لي أحد الأصدقاء من غانا على الوظيفة، وقدمني لصاحب العمل هناك الذي استصدر لي التأشيرة وتذكرة السفر.»

يقول آبي إنه لم يدفع رسوم توظيف، فقط قدم لصديقه مبلغاً من المال كشكر له. «وُعدت بالحصول على 1500 درهم إماراتي كراتب، لكنني لم أحصل على هذا المبلغ حتى العام الثالث من عقد عملي هناك». أما الغانيين الآخرين الذين عملوا في شركات يديرها الهنود فقد عادوا قبله. قال إنه لن يحاول تغيير عمله قط، لأن صاحب العمل كان يحتفز بجواز سفره. 

«كنا نعرف أن حجز جواز السفر ليس قانونياً، لكن في ذلك الوقت عندما تعمل، ليس لديك الوقت حتى للخروج والبحث عن وظيفة أخرى. فأنت تعمل طيلة الوقت. كنا نعمل لمدة 8 ساعات وكذلك ساعات إضافية... كنا نعمل أكثر من ساعتين إضافيتين ولكن كان يدفع لنا فقط نظير ساعتين.»

في المرة الوحيد التي حاول فيها آبي تقديم شكوى، كان قد تأخر وفات الوقت. «أوصلوني للمطار وأعطوني تذكرة سفري وظرفاً به 800 درهم إماراتي... لم يعطوني مستحقاتي لنهاية خدمة السنوات الست التي عملتها لديهم، وأخبروني إن أردت العودة فبإمكاني ذلك. كنت أود تقديم شكوى لكني كنت على وشك المغادرة.»

تمكن آبي من ادخار بعض المال، واشترى أوكادا وأرضا لبناء منزل عليها. «لو حصلت على وظيفة جيدة، فأنا أريد العودة. حتى إلى الامارات، ولكن هذه المرة بتأشيرة عمل. كثيرون غادروا من هنا منذ أن عدت في فبراير 2022، أعرف على الأقل ثلاثة أشخاص ذهبوا وجميعهم عادوا. ذهبوا بتأشيرة زيارة لكنهم لم يحصلوا على عمل هناك.»

وكان أولئك الشباب قد تحدثوا معه قبل ذهابهم. «نصحتهم بعدم الذهاب بتأشيرة زيارة. لأن هذه هي الطريقة الصحيحة للعمل في وظيفة هناك. ولكنهم كانوا يائسين. وكان الغانيين هناك يخبرونهم بأنهم سوف يحصلون لهم على عمل عندما يصلون إلى هناك. وأخبرتهم إن هذه ليست الحقيقة، وإنها ليست الطريقة التي تسير بها الأمور. فسوف يأخذون أموالكم وتعودون بعد ثلاثة شهور. خسر كل منهم أكثر من 10,000 سيدي غاني. وهاهم عادوا الآن وليس لديهم عمل سوى التسكع هنا.»

لا يعرف آبي من هو «الوسيط» الذي تعاملوا معه، لأن لا أحد منهم على استعداد ليقدمه لنا، لكن هناك العديد منهم في المدينة كما يقولون: «إنهم (الوسطاء) لا يقولون الحقيقة للأشخاص الذين يقومون بإرسالهم. السفر أمر جيد، لكن عليك البحث عن وظيفة هنا قبل المغادرة. إذا كان هناك شخص يحاول إقناعك بالذهاب، لا أنصحك حتى ترى تأشيرة العمل والعقد. عدا ذلك، فأنت تضيّع وقتك ومالك وتعود من هناك خالي الوفاض.»

يروى عن القصص التي علم بها من العديد من الأفارقة خلال سنوات في الإمارات، وغالبيتها تعود لنساء تعرضن للخداع في هجرتهن. «الكثير من هؤلاء هناك ليس لديهم وظائف، وهم فقط يتسكعون في المكان. البعض يحاول حتى تسول المال منك. وعندما تواجههم، فجميعهم لديهم القصة نفسها بأنهم تعرضوا للخداع، وبأنهم وعدوا بالحصول على وظيفة. كانوا مشردون بلا مكان للإقامة فيه وكانوا ينامون في الخارج في ديره وفي محطة الميترو.»

تصب قصص المشردون الأفارقة في الإمارات في سردية الهجرة غير النظامية، واضعة اللوم على دول الأصل ووكلائهم، ومبررة عمليات الترحيل الجماعي خلال الشهور العديدة الماضية. ولكن هناك إدراك ضئيل أو معدوم بشأن السهولة التي يتم بها جلب الآلاف من الدول الفقيرة إلى الدولة، بدون مساءلة للقائمين على ذلك والذين يسهّلون هذه العملية بشكل متكرر إلى حد الوصول إلى الاتجار بالبشر. إن نقص الفرص في دول الأصل ليس سوى عامل واحد بين عوامل كثيرة. 

يعمل ريتشموند كعامل تنظيف في قطر، ودفع 2000 دولار أمريكي لأحد وكلاء التوظيف للحصول على هذه الوظيفة. وقضى نحو عام لتسديد هذا المبلغ. يقول إن الوضع في بلاده يشكل تحديا للشباب الذين يواجهون أيضاً ضغطاً من الأهل ليسقلوا مادياً. «بعد انهاء المرحلة الثانوية في غانا، يخبرك ما بين 65-70% من الأهل أنهم قاموا بدورهم، فيما يترك الباقون كل شيء عليك. ولكن كيف تبدأ؟ فهناك بطالة وفرص العمل غير كافية، لذلك فبعد المرحلة الثانوية، مالذي ممكن عمله إن لم تتأهل للتعليم العالي؟ النظام التعليمي لا يمنح التأهيل المناسب لحاجة السوق. نحن نحتاج دعم لتطوير مهارات إقامة المشاريع.»

وبحسب جوها بريماه، خبيرة الهجرة ومكافحة الاتجار بالأشخاص فـ «إن القطاع غير الرسمي - التجارة الصغيرة والزراعة- يعتبر أكبر قطاعات التوظيف في غانا. أما القطاع الرسمي فدوره هامشي في التوظيف. سوف تلاحظ ذلك في الخلفية التي يحملها المهاجرون، خصوصا إلى دول الخليج، إن مستوى التعليم ليس عالياً. إما أن يكونوا أميين أو أنهم متعلمين حتى المستوى المتوسط (الإعدادي). الطلب في الخليج يتركز على عمالة المنازل والمهن الحرفية. الأشخاص الذين لا يمكنهم متابعة تعليمهم يتعلمون التجارة، لكنهم لا يملكون رأس المال لإقامة مشاريعهم. لذلك يذهبون للخارج لكسب ذلك المال لأن الوظائف هناك وفيرة. بالإضافة إلى وجود سوق تشكلت من الوكلاء، وتقوم وسائل الاعلام الاجتماعي برسم صورة مغرية لهم.» وتقول: «بالإضافة إلى ذلك، من المهم جداً أن تملك منزلك، مهما كان صغيرا أو بسيطا. وغير ذلك يعتبر إهانة كبيرة، ولكن هناك فرصاً محدودة لكسب المال لذلك.»

في نوفمبر 2022، أعلنت غانا تجميد التوظيف في القطاع العام، الامر الذي جعل الفرص الاقتصادية أكثر شحاً.

ظل هذه الظروف، لا يوجد الكثير مما يمنع الشخص من المغامرة والذهاب في رحلة محفوفة بالمخاطر على أمل العثور على فرص أفضل. أما دول الخليج فليس لديها الحافز القوي الذي يدفعها لتغيير القوانين واللوائح التي تقود لاستغلال العمالة. فدائما هناك أسواق جديدة وشعوب أكثر يأساً ليتم توقيع اتفاقيات معها دون الاضطرار إلى إجراء تغييرات مهمة في دول المقصد. 

انتهى

الجزء الأول: الحظر في غانا يفشل في محاربة الفساد وفي انتشال اليائسين

الجزء الثاني: الجميع متورط ولكن لا أحد مسئول