لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

العقيدة والتأشيرة الحرة 'الفري فيزا' تحكمان القبضة السعودية على المهاجرين البنغلادشيين

في 14 مارس 2024

يدفع العمال ما بين 4000 و6000 دولار أمريكي للوظائف التي تقدم أجور زهيدة في أفضل الأحوال، أو الوهمية التي ليس لها وجود أصلا. في الجزء الأول من التقرير حول الهجرة من بنغلاديش إلى السعودية أو إلى دول الخليج الأخرى، نحقق في الكلفة العالية للهجرة وللإغراءات التي يراها المهاجرون في المملكة.

 

في 2023، هاجر 1.3 مليون بنغلاديشي للعمل. ومن بينهم ذهب 28٪ إلى السعودية وحدها. ومنذ التسعينات، ذهب أكثر من 5 مليون شخص إلى المملكة سعياً وراء الرزق. ويشكل ذلك نحو ثلث جميع المهاجرين، ونصف جميع المهاجرات الإناث من بنغلادش إلى الخارج. وتعرضت العلاقة العمالية والتوظيف للحظر عدة مرات من كلا حكومة بنغلاديش وحكومات الخليج، وكذلك الترحيل الجماعي، وتفشي سرقة الأجور، ومع ذلك فقد زاد إغراء الذهاب للسعودية. فهي تعتبر وجهة الأحلام وإن ساءت الأوضاع، يتسامح البنغلادشيون مع كل شيء بسبب القرب من الأراضي المقدسة. ففرصة أداء الحج والعمرة تستحق هذه المخاطرة. يقول ديبو الذي كان يحضر اليوم الأخير من برنامج تدريب ماقبل السفر في أحد مراكز التدريب العديدة في منطقة كوميلا: «وإن متنا هناك، فسنذهب إلى الجنة». وتتميز هذه المنطقة بأنها أكثر المناطق التي ترسل معظم المهاجرين من بنغلاديش. كان تعبير ديبو معبراً عن عدم اكتراثه للمشاكل التي قد يواجهونها في السعودية، لكن أفكاره تجد صداها بين الراغبين في الهجرة وأيضا المهاجرين العائدين في جميع القرى والمناطق.

ويردد الناشط سيف الحق هذا الكلام حرفياً كما سمعه وشهده على مدى عقود. «يدفع الرجال رسوما باهظة تتراوح ما بين 400٫000 و500٫000 تاكا بنغلادشية (3650 – 4600 دولار أمريكي) للذهاب إلى السعودية. إنها الأرض المقدسة، ولذلك يريد المسلمون الذهاب اليها. حتى لو وافاهم الأجل هناك فسوف يكون مصيرهم الجنة كما يعتقدون»، ولا يمكن لأي مقدار من الوعي والتعليم سواء من قبل الحكومة أو المنظمات الأهلية مثل جماعته، أن يؤثر على معتقداتهم. ويتولى سيف الحق رئاسة مجلس إدارة صندوق تنمية رعاية حقوق المهاجرين البنغلادشيين.

وفي دولة المقصد، يأخذ هذا الإيمان شكل آخر. ويقول الأخصائي الاجتماعي في الرياض، عبد اللطيف، إن أحد أسباب خوف المهاجرين من تقديم شكوى أو مواجهة أصحاب العمل هو تجنّب ترحيلهم أو منعهم من العودة. إذ أن ذلك يشكل ضربة قوية لمعتقداتهم إذا لم يتمكنوا من أداء واحدا من أركان الإسلام الأساسية – أداء فريضة الحج. «كيف يمكنك منعهم من فرصة دخول أرضهم المقدسة، حيث تُؤدى فريضة الحج؟ وبهذه الطريقة يفلت أصحاب العمل من تبعات الإساءة للعمال». 

إن الترويج لحلم العيش والعمل في مكان مقدس يتم من خلال آلية معقدة. يسمي الناشطون والمسئولون الدلّال أو الوسيط ‘بائع الأحلام’، لكن مع مشاركة الراغبين في الهجرة والعائدين وذويهم، لتجاربهم، يصبح من الواضح آن الأمر يتجاوز كونه حيلة تجارية. فطبيعة التوظيف، خصوصاً في السعودية، تلعب طريقة فريدة من نوعها. ففي الوقت الذي يلعب فيه وكيل التوظيف المعتمد دوراً حاسماً، إلا أن العملية على أرض الواقع نفسها بعيدة عن البساطة وتمر عبر متاهة من الجهات ذات العلاقة بمن فيهم الدلّال (وكيل فرعي معتمد). أما أصحاب العمل وعائلات أصحاب العمل في المملكة فيقوم بشراء التأشيرات من معارفهم – أصحاب العمل وعائلات أصحاب العمل – ومن ثم يقومون ببيعها على الباحثين عن وظائف في بلدهم، إما بشكل مباشر أو من خلال الدلالين والوكلاء. وبرغم أن أصحاب العلاقة في كل أوساط الهجرة العمالية يتفقون على شيء واحد – وهو أن تجارة التأشيرات متفشية وتعتبر ممارسة طبيعية، لكن يبدو أنه لا يوجد مخرج واضح منها. ففي كل مرة يتم القضاء على شكل من أشكال التجارة بالتأشيرة، يظهر شكل آخر أو اثنان. 

ومن بين جميع الدول المرسلة للعمالة إلى دول الخليج، يقال إن البنغلادشيين هم من يتحملون أعلى كلفة للتوظيف، سواء بشكل مطلق أو نسبة إلى رواتبهم. وبحسب بحثنا، فنحو 70٪ من المبلغ يذهب لدفع الرسوم غير القانونية والرشاوى. وكما يقول رئيس جمعية وكلاء التوظيف، إن الفساد عميق جداً، فهناك هامش ربح في كل خطوة من عملية الهجرة. أضف إلى ذلك، اللوائح السعودية الجديدة التي تلزم حاليا باجتياز برنامج الاعتماد المهني – تكامل – مما يضيف 50 دولار أخرى للكلفة العالية أصلا.

ويبدو أن مزايا الهجرة أصبحت آخذة في التضاؤل، ومع ذلك فأعداد المسافرين إلى دول الخليج آخذة في الازدياد. فالتحويلات إلى الداخل أصبحت راكدة تقريباً (انظر جدول 1)، كما انخفض نصيب الفرد منها، والأسباب في ذلك متعددة، ولا يعيق أي منها تجارة التأشيرات المتفشية. ولأن الأرقام الرسمية للتحويلات تأخذ في اعتبارها القنوات المالية النظامية، يشك سيف الحق فيما إذا كان العمال لازالوا يرسلون الأموال ماعدا من خلال نظام الهوندي أو الحوالة (انظر الشريط الجانبي). أما هؤلاء الذين أوضاعهم غير قانونية، خصوصا ممن حصلوا في الأصل على ما يسمى بالتأشيرة المجانية، فليس لديهم طريقة لاستخدام قنوات التحويل القانونية بدون وثائق هوية صحيحة.

الهجرة والتحويلات المالية

2020 2021 2022 2023
عدد البنغلادشيين في دول المقصد (2021-2023)
التحويلات المالية الهجرة التحويلات المالية الهجرة التحويلات المالية الهجرة التحويلات المالية* الهجرة**
المجموع***  21,752.27 217,669 22,070.87 617,209 21,285.31 1,135,873 21,942.76 1,305,453 7,400,000 
السعودية 5128.48 161,726 4152.07 457,227 4015.49 612,418 3281.75 497,674 2,280,000
عمان 1483.19 21,071 893.92 55,009 729.5 179,612 923.75 127,883 703,840
الامارات 2507.64 1082 1505.97 29,202 2593.23 101,775 3675.08 98,422 760,000
قطر 1132.58 3608 1164.54 11,158 1360.31 24,447 1280.18 56,148 420,000
الكويت 1569.14 1744 1474.89 1848 1611.97 20,422 1507.31 36,548 350,000
البحرين 520.34 3 399.63 11 520.28 10 554.95 1 200,000
* مليون دولار أمريكي. المصدر :قاعدة معلومات BMET  |  ** الهجرة السنوية إلى الخارج  | *** عبر 137 من دول المقصد
ملاحظة: البحرين وعمان لا توظفان عمالاً من بنغلاديش، فيما تسمح الإمارات بتوظيف العاملات الإناث فقط، لكنها لا تصدر تأشيرات للعمال الذكور

" واستناداً لمقابلات أجريت مع مختلف الأطراف من ذوي العلاقة، اتضح أنه مع كلفة الهجرة الباهظة، وارتفاع الطلب على العمال المهرة بأجور منخفضة، وارتفاع تكاليف المعيشة، يبدو أن الدول الفقيرة الأكثر فقراً هي من ينتهي بها الأمر إلى دعم الدول الغنية المستقبلة للعمالة، منها."

السؤال هنا، إذا لم تعد الهجرة مربحة كما كانت في السابق، وإذا أصبحت أيضا مكلفة ومسيئة بشكل متزايد لمن يهاجرون للعمل في الخارج، وحتى مع التراجع المستمر لمعدل البطالة محلياً – هل يكفي الإيمان وحده لتدفع هذه الأعداد الكبيرة لرشاوي باهظة من أجل الذهاب إلى السعودية تحديداً؟

يوجد لدى العائدين، وعائلات المهاجرين، والمناصرين المجتمعيين، وجهة نظر أكثر دقة بشأن سبب قبول الناس لدفع رسوم باهظة من أجل الهجرة، وهذا لا يعود فقط لكون البلد واحدة من أكثر دول العالم في العدد والكثافة السكانية. واستناداً لمقابلات أجريت مع مختلف الأطراف من ذوي العلاقة، اتضح أنه مع كلفة الهجرة الباهظة، وارتفاع الطلب على العمال المهرة بأجور منخفضة، وارتفاع تكاليف المعيشة، يبدو أن الدول الفقيرة الأكثر فقراً هي من ينتهي بها الأمر إلى دعم الدول الغنية المستقبلة للعمالة، منها.

وتضخ بنغلاديش حالياً موارد ضخمة لرفع المهارات والتأهيل للشهادات بوجود 64 مركز للتدريب المهني (TTC) في واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. ويأتي من كوميلا، ثالث أكثر منطقة كثافة في بنغلاديش، أغلب المهاجرين كما تصب أكبر نسبة من التحويلات – في 2023، بلغ إجمالي المهاجرين إلي الخارج 1٫305٫453 شخص من بينهم 108٫870 شخص من كوميلا. 

 

"يدفع الرجال رسوما باهظة تتراوح ما بين 400٫000 و500٫000 تاكا بنغلادشية (3650 – 4600 دولار أمريكي) للذهاب إلى السعودية. إنها الأرض المقدسة، ولذلك يريد المسلمون الذهاب اليها. حتى لو وافاهم الأجل هناك فسوف يكون مصيرهم الجنة كما يعتقدون"

مهارات وتدريب وسباق للفرار من البلد

يقول مساعد مدير مكتب توظيف القوى العاملة (DEMO) في كوميلا، «هناك 2700 وكيل توظيف في بنغلاديش، لكن في كوميلا كما في 63 منطقة أخرى، يسافر 80٪ من العمال بتأشيرة يتم الحصول عليها من الأهل والأصدقاء، والنسبة المتبقية بتأشيرات من الشركات التي سيعملون لديها. ويتطلب الذهاب إلى السعودية، حتى في حالة الحصول على تأشيرة بشكل مباشر، الذهاب إلى وكيل معتمد لأن هذه هي الطريقة التي يحققون بها دخل مكاتبهم. ومن المفترض ألا تكون هناك كلفة لهجرة العاملات الإناث- فالتأشيرة ومصاريف الفحص الطبي جميعها مجانية، لكن الدلال، مع ذلك، يتقاضى منهن مبالغ تتراوح ما بين 20000 – 40000 تاكا بنغلاديشية (182 – 365 دولار أمريكي).» 

يقول مدير مركز التدريب المهني في كوميلا، قمر الزمان إنه برغم وجود منطقة نشطة اقتصاديا وتوفر فرصا للعمل محلياً، إلا أن إغراء الهجرة أقوى كثيراً. «في الحقيقة، من الصعب مواجهته، إذ يقدم البنك الحكومي بروباشي كاليان، قروضاً بسعر فائدة قدره 9٪ لتغطية مصاريف الهجرة لإثنائهم عن بيع الأراضي».

ويقول إن مراكز التدريب توفر دورات تدريبية لـ 14 مهنة ليست مخصصة للهجرة تحديداً، ولكن 15٪ من طلابها يهاجرون خلال 6 شهور. فهناك طلب كبير على العمال المهرة من الكهربائيين، والسواقين، والسباكين بالتحديد. بالإضافة على ذلك، يجرى الآن العمل على الاعتراف بنظام التعلم السابق، ففي العام الماضي، حصل نحو 1000 شخص على شهادات مهنية منه.  

«نحن نرى أن الناس جادون بشأن تلقيهم التدريب واكتساب المهارة. كان الأمر مختلفاً قبل 5 سنوات حين لم يكن هناك برامج تدريب كافيه أو حتى رغبة في ذلك. كما أن الحكومة أيضاً تستثمر في التعليم. والعمال أنفسهم يشعرون أنهم لو لم يملكوا مهارات فسوف يحصلون على رواتب منخفضة، فعامل اللحام سيحصل على 60000 تاكا (547 دولار أمريكي)، بينما سيحصل العامل غير الماهر على ثلث هذا المبلغ. وفي كوريا الجنوبية يكسب عامل اللحام ما يصل إلى 200000 تاكا (1820 دولار أمريكي) بحسب مستوى مهارته. 

في مايبور بدكا، يقع المركز البنغلاديشي الألماني للتدريب المهني في مجمع مترامي الأطراف يضم عدد من المباني ومرافق داخلية وخارجية للتدريب. كما يوجد في المجمع جميع أنواع المركبات بأحجام وسعات مختلفة وكراج سيارات يشبه محل التقطيع حيث تعقد دروس السياقة وميكانيكا السيارات. وفي قاعة داخلية هناك عدد من الجلسات القائمة، وفي وسط المكان هناك عدد من الطاولات تم تحويلها إلى شبه حجيرات برقائق خشبية وكاميرا مثبته في أعلى الصندوق. وهنا يجرى اختبار شهادة «تكامل» السعودية ومدته 90 دقيقة. هذه الكاميرات مرتبطة بشاشات مراقبة في السعودية للإشراف على الاختبار. ويُجرى الاختبار مرة اسبوعياً. وهذا المركز هو واحد من 6 مراكز يجرى فيها الاختبار. ويتكون الاختبار من جزأين – أحدهما الكتروني يشتمل على 30 سؤال بخيارات للإجابات عليها، والآخر اختبار للمهارات. 

قالت المتدربتان، فوزية وشيرين أختر ومسئولا التوظيف، ماسون وأنور الذين قاموا بجولة في أنحاء مرافق التدريب، إن بنغلاديش تحملت كلفة اختبار أول 1000 متدرب في بداية إطلاق برنامج «تكامل» في فبراير 2023. وبلغت كلفة الشخص 50 دولار أمريكي أي ما يعادل 50٫000 دولار أمريكي قدمتها الدولة الجنوب آسيوية لتلبية متطلبات المملكة السعودية، حيث لا يوجد فيها حد أدنى للأجور ولا سلم للأجور بناء على المهارة. والآن يتوجب على العمال دفع الـ50 دولار بالإضافة إلى التكاليف التي يتحملونها للوصول إلى هذه المراكز بمساعدة الدلّال أو الوكيل. 

وفي حين تتنوع الوظائف المعروضة، لايزال قطاع الانشاءات يجذب عدد كبير من المتقدمين. «يتم أيضا توظيفهم للعمل في أحواض اصلاح السفن وهي مهارة يمتلكها البنغلادشيون وذلك في قطاع الأمن». وذكر ماسون أنواع أسماء الشركات التي توظّف المتقدمين مثل «نخيلات» و«ترانس غارد» و«أرامكو». ويجلب وكلاء الوظيف، الوظائف من دبي، وقطر، والسعودية. ويتوظّف فقط 4٪ من خلال مكتب القوى العاملة والخدمات الخارجية المحدودة (BOESL)، بينما يتم توظيف النسبة الأكبر الباقية عن طريق الوكالات الخاصة. 

وإلى جانب الـ14 دورة التي تستغرق 3 أشهر، ودورة إرشادات ما قبل السفر (PDO)، هناك نوعين من التدريب على التدبير المنزلي يتم في مركز التدريب (TTC) – وتستغرق الدورة الموجهة لدول الخليج، شهرين فيما تكون مدة الدورة الموجهة لدول آسيا الباسيفيكية 3 أشهر. وهناك فرق كبير وواضح في مرفقي التدريب المتجاورين، فالأول مهتلك وأجهزته قديمة، بينما الآخر يتم فيه تدريب أكثر تخصصاً على الأدوات والأجهزة المطلوبة.  

وبحسب المدربين «يوجد حالياً أكثر من 1.1 مليون امرأة تعمل في الخارج، جميعهن تقريباً يعملن في المنازل، وأغلبهن في السعودية». وتتراوح أعمار المتقدمات للعمل ما بين 25 و40 عاماً. 

لكن قمر الزمان يشير إلى عدد المتقدمات للتدريب على العمل المنزلي أقل منه في فترة ما قبل فترة كوفيد 19. «تبلغ مدة الدورة شهرين الآن، وفي العام السابق (2022) تم تدريب 120 امرأة فقط (من كوميلا)، بينما بلغ العدد في العام السابق 200 امرأة». وهذا لا يعني أن النساء لا يذهبن للعمل في الخارج، وإنما يعني أنهن لا يذهبن من خلال القنوات الرسمية. 

هناك زيادة كبيرة في هجرة النساء من بنغلاديش، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى وجود الطلب في السعودية التي رفعت حظراً استمر 7 سنوات على التوظيف من بنغلاديش كانت قد فرضته منذ 2016، مع شرط أساسي وهو أن ثلث التوظيف يكون من نصيب عاملات المنازل. وبذلك سجل عدد عاملات المنازل في السعودية قفزة كبيرة من 13 عاملة فقط في 2013 إلى 68٫286 عامله في 2015، و83٬354 عاملة في 2016. وتراجع العدد في فترة ما بعد كوفيد 19، لكن في 2023 شكلت العاملات اللاتي ذهبن إلى السعودية 50٬254 عاملة من إجمالي عدد العمال الذكور المهاجرين إلى السعودية البالغ 76٬108 شخص. 

يقول راهينور الذي عمل في هذا المجال لسنوات عدة، إن المهاجرين المحتملين لا يفكرون كثيرا عند اتخاذ قرار السفر. «هم يكبسون هنا 20٬000 تاكا كحد أدنى، لكنهم لا يحسبون تكاليف الهجرة. ويدخل سوق العمل سنوياً أكثر من 2.2 مليون من الشباب، فقط ثلثهم يبحثون عن خياراتهم محلياً. وفي العام الماضي، سافر 1.1 مليون شخص إلى الخارج. ويوجد مشروع تجريبي في 5 من مراكز التدريب (TTC) يحصل المتدربون فيه على علاوة، وفرصة للتوظيف براتب لا يقل عن 20٬000 تاكا، لكنهم مع ذلك يترددون في البقاء». 

ويقوم مكتب DEMO أيضا بالتدريب والإرشاد قبل السفر. ويتدرب فيه 8 مجموعات، يتكون كل منها من 100 متدرب أسبوعياً. ويشير جبل الأحذية عند مدخل المكتب إلى امتلائه بالمتدربين. وفي الخارج، في ممر ضيق ينتظر عدد من المروجين والدلالين لعقد اتفاقات جديدة. وتوجد أكبر دفعة من المتدربين على سطح المبنى. وقام راهينور عندما أمسك الميكروفون، بحثّهم على فتح حساب مصرفي، والاطلاع على العقد، وأن يكونوا على حذر عند التوقيع على أية أوراق. وكان الحاضرون يومؤون رؤوسهم على طول الخط. لكن عندما جاء وقت رفع الأيدي، تبين أن جميعهم تقريباً دفعوا فعلاً رسوماً باهظة بدون أن يستلموا أي رصيد يدل على ذلك. يقول راهينور: «من يبعث التأشيرة يكون من الأهل، فلا يسألونهم للتأكد، وخصوصاً مع ارتفاع الطلب على تأشيرة العمل في الخارج فهم ليس لديهم القدرة على المساومة. 

فخ تجارة التأشيرات

يقول قمر الزمان إنه لا توجد عائلة واحدة بدون مهاجرين أو تواصل مع أحد يعمل في الخليج. وعندما تكون هناك روابط عائليه فذلك يعني أن الحصول على التأشيرة يصبح سهلاً. ويُري ذلك بوضوح في الثراء النسبي في المنطقة حيث توجد الكثير من الأعمال المزدهرة ومنازل الأغنياء. 

يتكون مركز التدريب في كوميلا من 3 طوابق. والمركز نفسه هو عبارة عن مجمع من المكاتب يشبه ما هو موجود في دكا. وهو أقل ازدحاماً لكنه خلال اليوم يوجد فيه على الأقل 600 شخص متوزعين على مختلف قاعات التدريب. وهناك عدد من دورات إرشادات ما قبل السفر PDO، جارية في قاعات مختلفة تضم كل منها أكثر من 150 متقدم، جميعهم تقريبا من الذكور. أغلب الموجودين هم من المبتدئين ويحضرون للمرة الأولي وهم ذاهبون إلى السعودية. وعندما سئلوا عمن دفع أموال – عدا الرسوم المقررة – رفع الجميع أيديهم، كل شخص هناك دفع مبلغا من المال. وفي مناطق أخرى، ومراكز تدريب أخرى، وفي دورات إرشادات ما قبل السفر الأخرى التي تغطي أكثر من 2000 متقدم للهجرة من العمال، كان الرد متطابقاً تقريباً. لم يكن أحد يعلم أنه ليس متوقعاً منهم أن يدفعوا للحصول على وظيفة. وكان معدل ما يدفع هو 500 تاكا لكل شخص.

كان عدد قليل من سكان كوميلا ذاهبين إلى عمان (دفعوا 200٬000 تاكا)، وإلى الإمارات (300٬000 تاكا)، لكن المتجهين إلى السعودية دفعوا الأعلى بقيمة 500000 تاكا (4560 دولار أمريكي)، وأحيانا يدفعون ما يصل إلى 700٬000 تاكا (6390 دولار أمريكي). وليس هناك خيار لعدم الدفع. وباستثناء أقلية لا تذكر، كان أغلب الذاهبين إلى السعودية قد استلموا تأشيراتهم من الأهل أو الأصدقاء. ومع ذلك، لايزال للدلال دور يلعبه لأنه مطلب سعودي. ويقولون إن الدلال يقدم لهم العقد ويساعدهم على الذهاب بعد حصولهم على التأشيرة.

وبرغم أن المتدربين يدركون أن الأجر في السعودية قد يكون أقل منه في دول الخليج الأخرى، كما أن هناك تكاليف إضافية بسبب ضريبة القيمة المضافة التي طبقت مؤخراً، إلا أنهم يفضلون الوظائف في السعودية للسبب الذي يكررونه دائماً. «إنها دولة مسلمة، وبإمكاننا زيارة مكة والكعبة». 

في مركز تدريب مونشينغاني، قال المدرب إن كل عائلة في المنطقة، كما هو الوضع في كوميلا، لديها شخص يعمل في الخارج. والمنهج الذي يتم تدريسه في المراكز لا يتطابق مع ما يقوله الأصدقاء والعائلة في الخارج. في إحدى الغرف بمجمع التدريب (TTC) الجديد، كانت إحدى دورات إرشاد ما قبل السفر، قائمة. ومن بين 60 مشارك كانت هناك 5 نساء فقط. جميعهن لديهن عائلات في الخارج. وباستثناء النساء، كان جميع المشاركين في الدورة قد حصلوا على عروض الوظائف من خلال علاقاتهم الشخصية، لكن لا يزالوا ملزمين باستخدام وكيل لاستكمال اجراءاتهم.

وكما هو الحال في مراكز أخرى، يتراوح معدل التكاليف التي يتحملها الباحثون عن عمل ما بين 400٬000 تاكا و500٬000 تاكا. في حين يتراوح الأجر الموعود ما بين 40٬000 تاكا و45٬000 تاكا، برغم أنهم لم يروا أي عقد.

يقول أحدهم عنما سُئل عن كيفية التخطيط لتسديد الديون المتراكمة: «كلما طال بقاؤك، أصبح الأمر أفضل». لا توجد خطة واضحة، كما لم يحسبوا المدة التي تستغرقهم لاسترداد المبلغ الذي دفعوه للحصول على الوظيفة. 

أكثر من نصف المهاجرين يذهبون بتأشيرة حرة “فري ويزا” [انظر الشريط الجانبي]، لكن ليس جميعهم مدركين بأن ذلك غير قانوني.

«سوف تحمينا عائلاتنا»

«حتى أولئك الذاهبون بتأشيرة الشركات بدلا من التأشيرة الحرة يدفعون، فما المشكلة في ذلك؟»

يقول أحد الأشخاص ممن كانوا في الخارج، بشكل واثق ورسمي: «كما أنك تكسب أكثر عندما تكون صاحب تأشيرة حرة من العمل في شركة. بالإضافة إلى حرية الحركة والمرونة». الجميع يميل لهذا الأمل.

يتم تجاهل أي محاولة للحديث عن التأشيرات الحرة على أنها غير قانونية، حتى ينهض شخص واحد ويرفض بشدة الخوف والتحذير. يقول «وماذا في ذلك؟ لا زلنا سنموت في الأرض المقدسة» فتنطلق هتافاتهم عالية ماعدا نظرات الشك في عيون النساء اللاتي يعملن كممرضات في البيوت. 

مرة أخرى، الإيمان الذي لا يتزعزع ولا جدل عليه، بالأراضي المقدسة. مرارا وتكرارا.

يشير سيف الحق إلى «أنه لا يوجد توظيف أخلاقي إطلاقاً. هناك 2200 وكيل مسجل حالياً. وتجارة التأشيرات متفشية». وهذا يعني أن العمال الذين يذهبون بتأشيرات حرة والكثير منهم يصبحون في وضع غير نظامي فيعملون في أوضاع هشة. وهذا أيضاً يعني أنه لم يعد لديهم قدرة لاستخدام القنوات المالية النظامية أو الرسمية. ويقدر خسارة الدولة 4.5 مليون دولار العام الماضي بسبب أن هذه الأموال يتم ارسالها من خلال نظام هوندي وليس عن طريق التحويلات النظامية. وربما يكون هذا سبب آخر لتراجع بيانات التحويلات مقارنة بالأعداد المتزايدة للعمال المهاجرين.

وبحسب الناشط شكر الإسلام فإن أحد الأسباب الرئيسية لهجرة العمال غير المهرة هو تجارة التأشيرات الحرة. «عندما تكون حراً هناك فلا حاجة لأي مهارة آو معرفة، كما أنه من السهل الذهاب إلى الخارج بهذه الطريقة. ويقوم وكلاء التحويلات بجمع هذه التأشيرات من الأفراد الذين يعيشون في الخارج، ويقدمون معلومات كاذبة للعمال». 

"إذا كان العامل هو سبب المشكلة، نجعله يستمر. أحياناً العاملات يستخدمن الهاتف كثيراً خلال العمل مما يزعج أصحاب العمل فيصفعونهم. وهذا أمر طبيعي فهم أُخذوا إلى هناك للعمل. استخدام الهاتف يسبب مشاكل..."

فساد ممنهج والمهمة الصعبة للتوظيف الأخلاقي

يصر الوكلاء المسجلون على أن دورهم أصبح يمثل مشكلة فقط بسبب نظام التوظيف الفاسد، ومن جانبهم يصر الدلالون على أن خدماتهم لا غنى عنها لتسهيل الهجرة. يقول محمد إقبال، وهو عضو لجنة إدارة التظلمات في كوميلا (GMC) من قبل (WARBE): «لدي رابط هناك لإرسال تأشيرات للعمل. أرسلت حتى الآن 10 أشخاص خلال السنتين الأخيرتين، شخصين إلى دبي والباقين إلى السعودية – للعمل كسائقين، وعمال نظافة وفي محطات البنزين». ويعمل محمد إقبال كدلال أيضا بعد أن قضى 12 عاماً في السعودية يعمل كمساعد مكتب. 

وفي تفسيره لكيفية سير العملية، يقول إن أصدقاء له «يرسلون» التأشيرات من دول الخليج، وتقوم الوكالة في بنغلاديش باستكمال الإجراءات الأخرى لإرسال العمال إلى الخارج. «يحصل العامل على تصريح إقامة مدته 3 شهور (بطاقة تصريح الإقامة). وبرغم وجود عقد يعطى لهم هنا، إلا أنه غير صالح في دولة المقصد. وبعد ثلاث شهور يصبح بإمكانهم تغيير الوظيفة. يقول إقبال إنه من بين الـ 10 أشخاص الذين أرسلهم إلى الخارج، فقط 3 منهم حصلوا على وظائف مناسبة بعقود، وواحد منهم عاد أدراجه، وتسعة لايزالون في دولة المقصد في أوضاع غير نظامية. «إذا لم يتمكنوا من الحصول على وظيفة بعد مرور 3 شهور على الإقامة يصبح وضعهم غير نظامي.» يقولها كحقيقة دون وعي بمدى تواطئ في هذه المخالفة القسرية التي يتورط بها العمال». ويضيف «كان يفترض أن تستكمل الشركة عقد عملهم لكنها لم تفعل. عندما ذهبت إلى السعودية في 2006، حصلت على إقامة مدتها سنتين. لكنها الآن سنة واحدة.»

يستلم إقبال 300٬000 تاكا من كل عامل لكنه يقول إن عليه أن يعطي أغلب هذا المبلغ لأصدقائه الذين ‘جلبوا’ له التأشيرة. يقول إنه قدم شكوى ضد أصدقائه في السعودية لكنه يشعر أن لا فائدة من ذلك لأنهم يعيشون في الخارج. 

يعمل ديلو دلالا في منشيغاني بشكل أساسي، ويجلس على مضض للدردشة. مضى على عمله في هذا المجال 15 عاماً، وهو يعمل مع ثلاث وكالات توظيف (لديهم 500 يعملون لديهم) ومقرها دكا. وعلى عكس إقبال، لم يذهب إلى الخارج بنفسه، مع ذلك فالناس تبحث عنه وتطلب التعامل معه من مدينته ومن أماكن أخرى بعيدة، كما يقول. أرسل ديلو 300 شخص للعمل في الخارج من بينهم أكثر من 250 امرأة، وتوزعوا بين دبي، والسعودية، وعمان، وقطر. وهو يرى أن الدولتين الأخيرتين أكثر راحة اجتماعياً للنساء. «أنا لا أذهب لهم، فالناس يأتون بأنفسهم لي، ورقم هاتفي متداول. في السابق كنت أرسل أحد أفراد العائلة وعندما يعرف الآخرون يسألون عني. 

عندما يشتكي العمال الذين يرسلهم إلى الخارج، يقوم بالاتصال بالوكلاء ويقومون بدورهم بالاتصال بالأشخاص في الخارج. ويقوم الوكلاء هناك بالمبادرة و«التحقيق في الشكوى»، وإذا ما كانت الشكوى ‘صحيحة’ يتم انقاذ العامل، كما يوضح. ويواصل قائلا: «إذا كان العامل هو سبب المشكلة، نجعله يستمر. أحياناً العاملات يستخدمن الهاتف كثيراً خلال العمل مما يزعج أصحاب العمل فيصفعونهم. وهذا أمر طبيعي فهم أُخذوا إلى هناك للعمل. استخدام الهاتف يسبب مشاكل.» ويدعي أن لا أحد ممن أرسلهم إلى الخارج واجه مشكلة، أو على الأقل «لم يواجهوا أي قضية كبيرة». 

ويستلم ديلو ما بين 10٫000 – 15٫000 تاكا عن كل عامل من الوكيل. للعمال الذكور يستلم 20٫000 تاكا. يستفيد ديلو من الرجال في مجتمعه لجمع المهتمين بالسفر إلى الخارج. كانت بنغلادش قد قدمت اقتراح بتسجيل الدلالين، ويرى ديلو أن هذه خطوة جيدة. «لوجستيا، من الصعب تسجيلهم جميعاً. لكن من أجل أمني الشخصي، افضّل أن يكون هناك توثيق. الجميع يلومنا. ليس جميعنا مذنبون. أتصل بعائلات العمال وأحاول أن أثبت لهم من المخطئ، نجد الحل عن طريق الوساطة. إمكانية أن يكون الدلال على خطأ هي 50٪ لكن الناس يعممون». 

ويصر على أن دور الدلال مهم لتسهيل عملية الهجرة. ويقول: «يتوجب على النساء الذهاب إلي دكا لحضور دورات إرشاد ما قبل السفر. من سيتحمل مسئولية كل ذلك؟ نحن نقوم بذلك». ويضيف أن فشل بعض الهجرات التي يلام عليها، يعود للشهادات الطبية المزورة وهي ليست مسئوليته. 

 

"أسعار التذاكر أيضاً مرتفعة. فوكلاء السفريات يتسلمون كل التذاكر آو جزء كبير منها ثم يبيعونها بأسعار أعلى بهامش ربحي ضخم. وهم عصابة كبيرة ومتنفذة. فالسفر من خلال الدول المجاورة أرخص كثيرا"

 يدعّي الأمين العام المشارك للمنظمة البنغلادشية لوكلاء التوظيف الدولي (BAIRA)، تيبو سلطان إن الفساد متفشيا في جميع مجالات الهجرة، وأن الوكلاء بالكاد يلامون لذلك. كان سلطان ينتظر مع بعض زملائه – تضم المنظمة BAIRA نحو 2000 عضو – لقاء المسئولين في مكتب القوى العاملة والتوظيف والتدريب (BMET) في دكا. وفي الوقت الذي يتردد زملاؤه في انتقاد الحكومة سواء في داخل أو خارج البلد، لا توجد لدى سلطان مثل هذه الهواجس.

«هناك فساد كبير في قطاع الهجرة من وقت إصدار جواز السفر. فالكلفة الحقيقية هي 5000 تاكا لكن على العامل أن يدفع 10٬000 تاكا. شهادة براءة الذمة من الشرطة لا تزيد رسوم استصدارها عن 500 تاكا لكنها تكلف العامل 3000 و5000 تاكا. كل بيزة إضافية تعتبر رشوة وفساد. وبعد ذلك نلام على الفساد في التوظيف. كيف يمكننا تغطية التكاليف؟ فنحن نقوم بعمل تجاري. لابد من أن نحقق ربح. أليس كذلك؟ 

ولا يقتصر الفساد على الحكومة وحدها. «أسعار التذاكر أيضاً مرتفعة. فوكلاء السفريات يتسلمون كل التذاكر آو جزء كبير منها ثم يبيعونها بأسعار أعلى بهامش ربحي ضخم. وهم عصابة كبيرة ومتنفذة. فالسفر من خلال الدول المجاورة أرخص كثيرا»

هذه حقيقة، فأسعار التذاكر من بنغلاديش إلى أي دولة من دول الخليج، باهظة، فهي أعلي بما بين ضعفين إلى أربعة أضعاف الأسعار، مقارنه بالسفر من المدن الهندية والنيبالية المجاورة. على سبيل المثال، يبلغ سعر التذكرة من دكا إلى الرياض 1011 دولار أمريكي، بينما سعر التذكرة من كتمندو إلى الرياض يبلغ 693 دولار أمريكي، ويقول «هناك فساد أيضا في مكتب القوى العاملة والتوظيف والتدريب BMET» مشيراً بأصابعه إلي المكاتب في المبنى فيما كان زملاؤه يحاولون تغيير الموضوع. «كل موظف في وظيفة أدني يريد الحصول على رشوة ‘تحت الطاولة’. الفساد منتشر على نطاق واسع. كيف يمكننا الحديث عن التوظيف الأخلاقي في مثل هذا السيناريو؟»

يتفق معه نائب مدير مكتب القوى العاملة والتوظيف والتدريب BMET، محمد رضوان الحق شودري في أن كلفة الهجرة الرسمية من بنغلاديش تعتبر واحدة من بين الأعلى. (الهجرة إلى السعودية تكلف ما بين 165٫000 تاكا/ 1500 دولار أمريكي)، والتي ترتفع أكثر إذا ما أضيفت لها الرشاوى والرسوم غير القانونية. ويقول: «لدينا قوانين، ولكن التحدي الأكبر الذي نواجهه هو خفض التكاليف. والسبب الجذري هو تجارة التأشيرات – هناك منافسة بين العمال للحصول على هذه التأشيرات مما يرفع كلفتها». أصابع اللوم تشير إلى أطراف عدة لكنها تركز طويلا على جهل العمال أنفسهم.

«عمالنا ليسوا واعين بتحليل الكلفة والعائد. فمرحلة ما قبل اتخاذ القرار تعتبر منطقة رمادية. علينا أن نقوم ببرامج توعية على نطاق واسع». يشعر شودري أيضا أن ذوي العلاقة السعوديين ليسوا جادين في حماية العمال، خصوصا النساء منهم، و«لو كانوا كذلك لأمكن التغلب على المشكلة إلى حد ما». ويؤكد شودري أن هذا مهم حتى لمعالجة مشكلة المتاجرة في التأشيرات، لأن العمال لن يكونوا في وضع هش حينها. وهو واثق أنه سيكون للتركيز على تنمية المهارات نتائج إيجابية تدريجية. 

وحول المشاكل التي يواجهها العمال في دول المقصد، يقول سلطان إن الوسطاء هناء يطلبون مبالغ عالية. «تعطي الشركة ما بين 20 – 30 تأشيرة، وعلينا أن ندفع لهم مبالغ مقابل ذلك». ولا يبدو أن في الأفق بديلا قابلا للتطبيق لنموذج الأعمال هذا، برغم من تنفيذ عدد من المشاريع الصغيرة التجريبية الخاصة بالتوظيف الأخلاقي في بنغلاديش. 

وبحسب أعضاء من BAIRA، إن الشركات الكبرى هي من تفعل ذلك، لكنها تصدر عدد قليل من التأشيرات. وتكمن المشكلة الرئيسية في شركات التوريد التي توظف المئات والآلاف من العمال. وينتقل الحديث إلى الحظر وتأثيره، خصوصاً في الإمارات التي لديها وفرة من الوظائف. وفي الحقيقة، تظهر البيانات الرسمية أن التحويلات المتدفقة من الأمارات أعلى بكثير من تلك المتدفقة من السعودية لعدد من السنوات. لكن الإمارات أوقفت إصدار التأشيرات للرجال البنغلادشيين. يقول سلطان: «لكن هذا لا يردع العمال، فهم يذهبون بتأشيرة زيارة ثم يقومون بتحويلها هناك إلى تأشيرة عمل يساعدهم في ذلك وفرة الوظائف. فخلال العام الماضي وحده، ذهب إلى الإمارات 300٫000 شخص بتأشيرة زائر. نحن أيضا نرسلهم على هذه التأشيرة». إن طبيعة التوظيف في البلد غالباً ما تكون أشبه بالإتجار. 

يقول سي آر أبرار، المدير التنفيذي لوحدة البحث في حركات المهاجرين واللاجئين، لا يقتصر الأمر على الافتقار للوعي بالإتجار في العمال، وإنما أيضا هناك حرب عصابات بين الوزارات المختلفة. «يتم رفع القضايا ضد RA بتهمة الإتجار بينما يشعر BMET أن هذا ضمن اختصاصه ولا ينبغي أن يتدخل المختصون بالشئون المحلية. ويبدو أن الأعضاء الأقوياء في BMET لديهم سيطرة على الوكالات المهمة في الدولة. فهم يبسطون نفوذهم على مستويات مختلفة، بما في ذلك قانون الهجرة نفسه.»

ويتفق رئيس مجلس الإدارة لبرنامج أوفيباشي كارما أنايان OKUP، شكر الإسلام مع مخاوف أبرار حول سلطة الوكلاء قائلا: «هناك أعضاء في البرلمان يملكون وكالاتهم الخاصة. ويستخدمون سلطتهم في التفاوض مع الحكومة». 

قبل عدة سنوات، كانت هناك حركة مثيرة للجدل – مقترح تعديل ينص على أن يحل قانون الهجرة محل قانون الاتجار بالبشر. وفي هذا الشأن يقول أبرار رافضاً ادعاء الوكلاء بأنهم كانوا مستهدفين بشكل غير عادل من قبل تدابير مكافحة الاتجار بالبشر: «تم حذفه بعد أن احتج المجتمع المدني. فالوكلاء لديهم قدرة للوصول إلى السلطة بسبب وجود علاقة قوية بين السياسيين والوكلاء»

ويشير شكرالاسلام إلى أن وكلاء التوظيف يرجعون الفضل لأنفسهم عند الحديث عن التحويلات، لكن عندما يتحول التركيز إلى ممارسات التوظيف غير الأخلاقي الذي يدفع المهاجرين إلى أوضاع يتم استغلالهم من خلالها، فهم يلقون اللوم على الآخرين، قائلين أن العمال يذهبون من خلال العائلات. ووفق حساباته، فإن 10٪ من العمال يذهبون من خلال أقارب من الدرجة الأولى، فيما يذهب الباقون من خلال شبكات المعارف الممتدة، وفي جميع الأحوال تكون ‘الفري فيزا’ هي المهيمنة. 

«للفري فيزا تكلفة باهظة على الاقتصاد في بنغلاديش. فالأموال تتدفق من الخارج لإنقاذ الناس، لكنها تأتي من خلال قنوات غير نظامية مثل نظام الحوالة أو الهوندي. وبحسب النظام المصرفي هنا، لا يوجد طريقة رسمية لإرسال المال إلى الخارج». 

وقد نجم عن ذلك مشاكل كثيرة أثناء كوفيد 19 عندما كان العمال العالقين في الخارج يعتمدون على الأموال التي يرسلها ذويهم من بلدانهم. 

وفي الوقت الذي يدفع العمال الثمن ويتحملون عبء الهجرة الاستغلالية، يرجع الوكلاء والحكومة الفضل لأنفسهم في ذهاب أعداد كبيرة إلى الخارج. إلا أنهم ليسوا على استعداد لقبول حقيقة أن الاتجار يتم من خلال وكلاء التوظيف. ويقول: «إنها المشكلة ليست في عملية الهجرة وإنما في الهجرة نفسها.»  

 

الرسومات: أسماء كالوش 

التقرير التالي: نساء بنغلاديش…مطلوبات لكنهن موصومات بالعار