قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارة دولة قطر يومي 4-5 حزيران (يونيو)، هي الأولى له للإمارة، والثالثة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بعد زيارتين آنفتين لكل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وكان قد سبق لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن قام بزيارة للهند في شهر آذار (مارس) من العام الفائت تمخضت عن تبادل ست مذكرات تفاهم، لا تتعلق أي منها بمعالجة أوضاع ما يزيد عن 650 ألف مواطن هندي يعيشون ويعملون في قطر! حيث يشكل الهنود أكبر جالية مهاجرة على الأراضي القطرية. ومعلوم أن العمال المهاجرين ذوي الدخول المنخفضة هم أكثر فئات المهاجرين تهميشاً في المجتمع!
أما الاتفاقات ومذكرات التفاهم الست التي تم تبادلها أثناء الزيارة فتضمنت مجالات: الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في دولة قطر ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في جمهورية الهند. والتعاون العلمي والتقني، بين الهيئة العامة للطيران المدني بدولة قطر ومنظمة علوم نظم الأرض بوزارة علوم نظم الأرض بجمهورية الهند. والتعاون المشترك في مجال التدريب الدبلوماسي، بين المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية بدولة قطر ومعهد الخدمة الخارجية بوزارة الخارجية بجمهورية الهند. والتعاون الإذاعي والتلفزيوني، بين حكومة دولة قطر وحكومة جمهورية الهند. والتبادل الإخباري المشترك.
- حالة المهاجرين المزمنين
من بين الـ 650 ألف هندي، يتواجد في قطر عدد كبير ممن يُعتبرون جيلاً ثانياً من المهاجرين أو من المقيمين لفترة زمنية طويلة، تُعاملهم قطر باعتبارهم عمالاً مؤقتين أو محض عمالة عابرة على الرغم من حجم مساهماتهم الاقتصادية والاجتماعية. ومهما تكن الأفكار المتنازِعة حول أن نظام الكفالة قد خضع "لعملية إصلاح" فعلياً أو أنه تغير اسمياً فقط، فمن الواضح أنه في الحالتين عاجز عن حماية حقوق العمال المهاجرين.
في هذا المجال، راوحت الهند بين موقفَي الصمت تارة ودعم المماطلة القطرية بالإصلاح تارة!
فإثر شكاوى رفعها ممثلو منظمة العمل الدولية، أوفدت المنظمة إلى قطر فريقاً رفيع المستوى منحها مهلة حتى نهاية العام الجاري كي تحرز فيها تقدماً. وذكر لموقعنا أحد مسؤولي المنظمة (فضَّل عدم ذكر اسمه) أن الهند واحدة من خمس دول أيدت مطالبة قطر بمنحها مزيداً من الوقت لإجراء الإصلاحات المطلوبة.
وقبل ذلك لاذت الهند بالصمت أثناء إجراء المراجعة العالمية الدورية في قطر 2014.
يتعين اليوم على رئيس الوزراء الهندي التأكيد على قطر بضرورة زيادة وتيرة الإصلاحات وحماية المواطنين الهنود.
- الصحة وسلامة المهاجرين الهنود
على الرغم من إعلان قطر والهند أن معدل الوفيات بين المهاجرين الهنود "طبيعي"، ينبغي ألا تقلل الدولتين من شأن السلامة الصحية لهذا القطاع الواسع من السكان، حيث ما يزال الحصول على الخدمات الصحية محدوداً بالنسبة لذوي المداخيل المنخفضة، عدا عن شبه انعدام لمفهوم الرعاية الصحية الوقائية.
وإضافة إلى ذلك، شهد هذا العام ارتفاعاً في عدد حالات الانتحار أدى إلى لفت الأنظار نحو فخ ديون العمال المهاجرين وشؤون صحتهم النفسية.
لذلك يتوجب على رئيس وزراء الهند الإصرار على فتح التحقيقات اللازمة والتحري حول مسببات كافة الوفيات.
- فقدان الملجأ
رغم عدد الرعايا الهنود الكبير، لم تحصل السفارة الهندية على تصريح يخولها فتح ملجأ لمواطنيها. وعلى الرغم من إيواء السفارة لبعض النساء المهاجرات بشكل غير رسمي، يتحول الكثير من عموم المهاجرين الهنود إلى مشردين بلا مأوى. فيما تعتبر الدولةُ مركزَ الاحتجاز والترحيل بمثابة ملجأ!
جدير بالذكر أن سفارة دولة الفيليبين في قطر هي السفارة الوحيدة التي سُمِح لها رسمياً بفتح ملجأ خاص بها.
- إدماج المهاجرين العائدين
تعتبر الهند من أكبر مستقبلي التحويلات المالية عالمياً، حيث وصل مجموع ما استقبلته في عام 2015 من مبالغ إلى 72 مليار دولار. ومع ذلك لا تعير أدنى اهتمام لشؤون إعادة إدماج المهاجرين العائدين. وعلى النقيض من حال المهاجرين إلى دول أوروبا وأمريكا، يُحرَم المهاجرون الهنود إلى دول الخليج العربي من حق الحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة، وتُفرَض عليهم العودة إلى بلدانهم فور انتهاء عقود عملهم!
ونتيجة لعدم توفير برامج الإدماج وانعدام فرص التوظيف الإنتاجي للأيدي العاملة يجد الكثير من العمال غير المؤهلين أنفسهم مجبرين على الهجرة من جديد، وهو ما ينطبق بشكل خاص على النساء العاملات في قطاع العمالة المنزلية.
ومن هنا، يتعين على رئيس الوزراء التعامل مع فئات واسعة من مواطني الهند بدل الاكتفاء بالشريحة الضيقة التي تنتقيها قطر والسفارة الهندية، مثلما فعل سابقاً في السعودية والإمارات العربية المتحدة. الأمر الذي يمكن أن يساعده على فهم الواقع الفعلي للمهاجرين ذوي الأوضاع الأصعب وملاقاة تطلعاتهم عند عودتهم إلى الوطن.
- حماية العمال غير المؤهلين، وخاصة النساء
لا يشمل قانون العمل القطري برعايته عمال وعاملات المنازل، ولا يوجد حتى عقد عمل نموذجي يضمن حداً معقولاً من الحماية لحقوقهم. ورغم أن الهند لا تصدِّر العمالة المنزلية إلى قطر رسمياً إلا أن الكثير من الهنود يجدون طرقاً غير نظامية للعمل في المنازل. وتصبح أوضاع النساء العاملات أكثر صعوبة نظراً لتقصير قطر في مكافحة الاتجار غير الشرعي بالتأشيرات.
- 6. التوظيف
أطلقت الهند المنظومة الالكترونية للهجرة (e-migrate) من أجل تسهيل إجراءات التوظيف وجعل الهجرة أكثر أماناً. ولكن ما تزال ظاهرة استبدال العقود متفشية وما زال الوسطاء يلعبون دوراً استغلالياً. لذلك يتعين على قطر تكثيف عملها مع الهند بغية حصر كافة عمليات توظيف العمال غير المهرة والمؤهلين جزئياً عبر منظومة التوظيف الالكترونية. كما يتعين على البلدين كشف أساليب الالتفاف على المنظومة التعاقدية لضمان حصول العمال على المستحقات والأجور التي يُوعدون بها.
مع العلم أن المنظومة تتضمن شرط تحقيق الحد الأدنى للأجور، حسب قطاع العمل والبلد، ويتعين الالتزام به.
- العاملون في قطاع التمريض
تجب الإشارة بشكل خاص إلى الممرضات الهنديات. فهنّ مطلوبات على الصعيد العالمي ويشكلون نسبة عالية من مجمل العاملين بقطاع التمريض في قطر، إنما لا يتم تحديد حد أدنى من الأجر لهن. وقد تحدث موقعنا مع مؤسسة حمد الطبية التي تديرها الدولة ومع عدد من الممرضات الذين أخبرونا بأن الأجور تمييزية وأن الراتب الذي تحصل عليه الممرضة يختلف حسب الجنسية التي تحملها.
وبهذا الخصوص، يتوجب على رئيس وزراء الهند التواصل مع الممرضات، ومطالبة قطر باعتماد معايير المؤهلات والكفاءة المهنية والخبرات في تحديد أجور العاملات في قطاع التمريض.
- المساعدة القانونية
لا توجد في دولة قطر منشآت مختصة بتقديم المساعدة القانونية للعمال المهاجرين. ومن جانبها تتعامل السفارة الهندية مع حفنة من المحامين في قطر ممن يقدمون الخدمات العامة أو الرمزية التكلفة. لذلك يبرز إلحاح الحاجة لتوفير مساعدة قانونية مدعومة الموارد، وخاصةً ضمن السفارة الهندية، لتلبية حاجات أكبر جالية مهاجرة عاملة في قطر.