بعد أشهر من تسريحه وعدم تلقيه مستحقاته والعيش بدون وثائقه الرسمية، اضطر خميس رجب للتخلي عن نضاله في قطر والعودة إلى كينيا. يتواصل خميس مع موقعنا منذ عدة أسابيع بعد أن كان قد فضّل عدم الإعلان عن مشكلته أثناء محاولته تغيير الكفيل ولم يخرج عن صمته إلا بعد استنفاذه كافة السبل في قطر.
في شهري يوليو وأغسطس من العام 2015، قامت شركة زينتوري إيج (Zentury Age) للتنظيف والتعهدات باستقدام خميس وعشرات العمال الكينيين إلى قطر، ثم نظمت تعاقدهم مع شركة ISG JV. وقامت تلك الأخيرة بتشغيلهم في مشروع أحد خطوط السكك الحديدية في الأنفاق، وتحديداً في الجانب الشمالي من "الخط الأحمر" (Red Line North Underground). وتتولى قيادة المشروع المشترك مع شركة ISG، شركة ساليني إمبريولو، وهي أحدى أضخم شركات البناء في إيطاليا، وتمكنت من الفوز باتفاقية بلغت قيمتها ملياري دولار في العام 2013. أما "شمال الخط الأحمر" فهو أحد خطوط السكة الحديدية الأربعة التي تشكل مشروع ميترو الدوحة الذي سيربط الملاعب ببعضها أثناء منافسات كأس العالم 2022.
تحدث رجب مع موقعنا عن المأساة التي مر بها خلال أكثر من عام إلى أن تمكّن من مغادرة قطر في 22 أكتوبر الماضي مستفيداً من قرار العفو الحالي.
بعد أن دفع رجب، كبقية زملائه، 70 ألف شيلينغ (700 دولار) لوكيل توظيف في كينيا، حصل على وعد بالعمل في التنظيف وتقاضي 1500 ريال قطري كراتب شهري. ثم باشر عمله في شهر أغسطس براتب 800 دولار فقط بالإضافة إلى 200 دولار بدل طعام، إلا أن السلطات لم تنظر في تأشيرته ولم تمنحه وثيقة عمل قانونية طوال مدة عمله في قطر.
يخبرنا رجب: "حتى رواتبنا لم تُدفع لنا في وقتها فكنا لا نتلقى أجورنا إلا بعد تأخير يمتد من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، مما جعل حياتنا أكثر فأكثر صعوبة. استمر دفع مرتباتنا حتى الشهر الأول من السنة ثم انقطع تماماً".
في تلك الفترة، كان هنالك 40 عاملاً في موقع مشروع السكك الحديدية الذي أدارته شركة ISG.
ويضيف رجب: "في 19 مارس وبعد شهرين بدون رواتب وحتى بدون طعام، توقفنا عن العمل"، مما دفع شركة ISG لمنح العمال وشركة زينتوري مهلة أسبوع واحد لحل هذه المشكلة، ومن ثم سحبتهم من موقع العمل.
"تعاملت معنا ISG بشكل جيد وحاولت إقناع مديرنا بالتعامل معنا بشكل جيد وضمان دفع رواتبنا، إلا أن المدير عاقبنا بالخصم من رواتبنا وتأجيل موعد الدفع".
كما أن الشركة حوّلت العمال إلى مشرّدين بعد انقطاعها عن توفير سعر الإيجار للمقيمين في معسكر العمال منذ أربعة أشهر.
"سمح لنا رجل مصري لطيف باستخدام بعض الغرف ولكن تلك الغرف لم تحتوِ على مكيّف لدرجة أنه كان من الأفضل لنا النوم في الخارج وكنا بالكاد نملك المال لجلب الطعام". ويقول رجب أنه توجه إلى السفارة الكينية واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ولوزارة العمل لكنه لم يحصل على أي مساعدة فعلية. "لقد توجهنا حتى للشرطة، والسفارة الكينية أخبرتنا بأنه لا حل أمامنا إلا العودة إلا بلادنا، ولكن أين النقود؟".
وفيما يلي خلاصة للشكاوى التي قدّمها رجب بينما كان في قطر:
"أدعى خميس رجب وأعمل في شركة زينتوري. أمرّ أنا وأكثر من أربعين عاملاً كينياً بظروف صعبة في قطر. لقد كنا أكثر من خمسين عاملاً إلا أن الكينيين الآخرين الذين تلقوا تهديدات من المدير النيجيري لم يستطيعوا تحمل المزيد من المشاكل وعادوا إلى البلاد. أما مشاكلنا فشملت:
- تأجيل دفع الرواتب إذ لا نحصل على رواتبنا إلا في العشرين من الشهر التالي.
- انعدام العلاج الطبي، وفي بعض الأحيان لا يحصل الواصلون الجدد على الطعام لما يقارب الشهر، بالإضافة إلى سوء أدوات العمل والإصابات والأمراض.
- المماطلة في منحنا الهوية بينما كان رب العمل/ الكفيل يحتجز جوازات سفرنا. (مضى على وجودي في قطر ثمانية أشهر، واحتجز الكفيل جواز سفري منذ وصولي وما زلت لا أملك هوية. طالبت بجوازي مرات عديدة ولكن بلا جدوى).
- ينام العمال الجدد لمدة أشهر في انتظار العمل، بدون راتب وأحياناً بدون بدل طعام. والعديد من العمال الكينيين ظلوا ينتظرون العمل لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر.
نشكو له أمرنا ونصرخ مطالبين بإعتاقنا ولكنه عوضاً عن ذلك يعيد العمال إلى كينيا".
وعندما تحدث موقعنا إلى عبد الرزاق، مدير شركة زينتوري، أنكر المشكلة بالبداية ومِن ثم اعترف بأن المشكلة أصبحت من الماضي، ونفى وجود عمال عالقين أو محاصرين، قائلاً "لقد قمنا بإعادة جوازات السفر وتوفير شهادة لا مانع لهم. الآن ليست هنالك أي مشكلة، أما العمال الذين يتحدثون معكم فهم من يقومون باختلاق المشاكل"!
أكد رجب أن زينتوري قامت بالفعل بإعادة جوازات السفر وتوفير شهادة لا مانع للعمال لكي يبحثوا عن مكان عمل آخر، ولكن هناك مشكلة واحدة: "إذا وجدت عملاً سيكتشف الكفيل الجديد أنك لا تملك هوية، أي أنك غير شرعي، فكيف سنجد من يوظفنا؟"!
ويحمّل رجب الوكلاء في كينيا الذين يقومون باستقدام العمال لصالح شركة زينتوري قسطاً مساوياً من المسؤولية. إذ "يتلقون مبالغ باهظة من المتقدمين للعمل دون إعلامهم بأية تفاصيل حول الشركة، وعلى أكثر تقدير يقال للكينيين أنهم ذاهبون للعمل في مجال التنظيف بالإضافة إلى أكاذيب كثيرة".
ورغم اتصالاتنا المتكررة، لم يتمكن موقعنا من الحصول على أي رد من الوكلاء في كينيا.
الاستفادة من العفو
لم يرغب رجب في البداية بالعودة إلى كينيا. وحين تحدثنا إليه في الشهر الماضي أخبرنا أنه هو وزملاؤه كانوا يودون الإفراج عنهم والتوجه للعمل بشركات أخرى أفضل. "ما زلت أريد أن أعمل، وكذلك زملائي، كنا خمسين عاملاً لكن الكثيرين منهم استلموا وعادوا إلى كينيا. أنا متواجد في قطر منذ عام وشهرين، والعقوبة على البقاء في قطر بدون تصريح قانوني هي 4000 ريال قطري، يريدون مني أن أدفعها كلها، ولكنني لا أستطيع الانتقال للعمل في شركة أخرى بسبب عدم وجود هوية".
لكنه غير رأيه فيما بعد وقرر الاستفادة من العفو. "بقي أربعة من زملائي هناك لأنهم لم يملكوا المال أما أنا فتمكنت من أداء بعض الأشغال لقاء أجر يومي وادخرت 960 ريالاً قطرياً لتأمين ثمن تذكرة السفر".
توجه بعدها رجب برفقة صديقه إلى دائرة البحث والمتابعة لتسليم نفسيهما، وكلاهما كان بحوزته جواز سفر ولكن بدون هوية. وبما أن رجب كان يملك المال لشراء تذكرة السفر، استفاد من العفو أما صديقه فقد رُفض طلبه، فيما تحاول أسر العمال العالقين جمع الأموال للإفراج عنهم. ويضيف رجب أن السلطات القطرية لم تحاول في أي مرحلة من مراحل سريان مهلة العفو مخاطبة شركة زينتوري.
التعاقدات الفرعية
توجه موقعنا برسالة إلى شركة ساليني إمبرليولو المسؤولة عن شركة ISG، وما زلنا ننتظر رداً أو تعليقاً منها لم يأتِ حتى الآن. حيث تجسد قضية رجب وزملائه الفساد المستشري والمتجذر في التعاقدات الفرعية، فيما فشلت شركات كبيرة كشركة ISG بمراقبة المقاولين والتخلص من الاستغلال الذي يمارسه المقاولون الفرعيون يجعل من العمال ضعفاء جداً.
قيام شركة زينتوري باستقدام عمال مع أمر توظيف من شركة ISG وامتناعها عن إصدار أو النظر في تأشيراتهم إنما يدل على عدم تدقيقها في قضايا المناقصات وإدارة المتعاقدين معها.
وقد كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية في وقت سابق من هذا العام عن الانتهاكات المهولة التي يتعرض لها العاملون في مواقع كأس العالم من قبل المقاولين الفرعيين. ووضّح التقرير أن إحدى المشاكل الأساسية التي يواجهها سوق العمل في قطر تكمن في تجميع العمال وتوزيعهم على عدة مواقع، مما يؤدي إلى وضع لا يتحمل فيه متعهد أو مقاول واحد مسؤولية حماية العمال أما الزبائن الأساسيون فغالباً ما يتملصون من المسؤولية. إلى جانب غياب التشريعات المجدية وتبادل الاتهامات في مشروع السكك الحديدية، أحد أهم مشاريع البناء في قطر وأشهرها.