لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

الكويت ترحّل مجموعة من العمال الصربيين بسبب تقديمهم شكوى

في 24 فبراير 2017

في الشهر الفائت توجه ثمانية من عمال البناء الصربيين من موقع عملهم في العارضية إلى السفارة الصربية بمنطقة بيان، في أول خطوة لهم نحو العودة إلى بلدهم، بعد أن عملوا شهوراً في مشروع المدينة الجامعية بالشدادية دون أن تُدفع لهم رواتبهم. وكل ما يطالبون به الآن هو استعادة رواتبهم المستحقة والعودة إلى صربيا. وحسب قولهم فإن هناك الكثير من العمال الصربيين الذين لم يقبضوا رواتبهم منذ شهور يخشون عواقب التقدم بشكوى.

ومخاوفهم لها ما يبررها بالطبع، حيث أن هذا ما يعنيه إنهاء عقود عمل ثمانية عمال وترحيلهم، بشكل شبه فوري، إلى صربيا دون دفع رواتبهم، لمجرد محاولتهم تسجيل شكوى رسمية.

فاتجهوا إلى منظمتنا لنشر قصتهم بعد أن عجزت إحدى المجموعات الحقوقية الكويتية عن نيل اهتمام وسائل الإعلام المحلية بقضيتهم.

وبعد اطلاع منظمتنا على عقود العمال ووثائقهم الشخصية تبين أن العقود مبرمة مع شركة صربية أغفلت ذكر اسم أي رب عمل أو أي طرف كويتي شريك لها، ولهذا السبب لم تجد السفارة الصربية طريقة للتدخل بالقضية. وبعد القيام ببعض التحريات اكتشف العمال أن الشركة الصربية تشتغل بالشراكة مع مجموعة الهاني للتجارة والتعهدات، إحدى أضخم شركات التشييد والبناء في الكويت التي تتولى تنفيذ عدد من المشاريع الكبيرة بما فيها حديقة الشهيد وجسر جابر الأحمد.

دخل العمال الكويت بتأشيرة وفق المادة 14 التي يحق لهم بموجبها العمل والإقامة المؤقتة. وكفيلهم قانونياً هو الديوان الأميري بذاته، رغم أن مشروع المدينة الجامعية يتبع لوزارة التعليم وليس للديوان. ذلك أن مجموعة الهاني، كما تبين، استخدمت قيامها بمشاريع أخرى مع الديوان لتغطية كفالة هؤلاء العمال بإقامة قصيرة الأجل، لكنها فعلياً كلفتهم بالعمل في مشروع المدينة الجامعية.

أنفقت الكويت 3.5 مليار دولار حتى الآن على مشروع المدينة الجامعية وسط اتهاماتٍ وجهها أعضاء في البرلمان للحكومة الكويتية بالفساد، منوهين إلى ارتفاع الإنفاق على المشروع والتأخر في إنجازه فضلاً عن الإهمال الفاضح حيث نشبت أربعة حرائق في موقع المشروع منذ عام 2013، وأدى انخفاض معايير السلامة فيه إلى وفاة عاملين مصريين بانزلاق رملي في عام 2014 (مما أدى إلى استقالة وزير التربية والتعليم وقتها). وبنفس الطريقة توفي عامل مصري آخر في الشهر الأول من عام 2015.

وعلى الرغم من انهيار أسعار النفط والإعلان عن اتخاذ تدابير تقشفية ما تزال دول الخليج العربي مستمرة بتنفيذ مشاريع بناء عملاقة تقوم على استغلال العمالة الرخيصة التي يمكن استبدالها أو الاستغناء عنها دون خسارة تُذكر. وخلال السنوات الأخيرة، وسّعت دائرة بلدان المنشأ التي يُستقدم منها العمال في محاولة لتجاوز ضغوط هذه البلدان المطالِبة برفع مستوى أمان وحماية عمالها.

مع العلم أن قطاع الأعمال الإنشائية والبناء يعتبر واحداً من القطاعات الأكثر خطورة على العمال. وإذا كانت الأرقام الرسمية في قطر والمملكة العربية السعودية تحصي الوفيات بآحاد الأرقام وتحصرها بحوادث مواقع العمل فقط، فهناك مئات من عمال البناء فقدوا حياتهم بسبب تدني معايير العمل وسوء ظروف المعيشة، فمعدلات الوفاة بنوبات قلبية تسببها ظروف العمل مثل شدة الحرارة وطول ساعات العمل والعيش في غرف مكتظة وانعدام الرعاية الصحية، فهذه كلها عوامل تُعرِّض حياتهم للخطر.

وعندما يتجرأ بعض العمال على الاحتجاج مطالبين برواتبهم يُصار إلى معاقبتهم وترحيلهم! كما حدث في عام 2014 مع العمال الذين حاولوا القيام بإضراب في الإمارات العربية المتحدة فتم اعتقالهم وإخضاعهم للتعذيب ثم ترحيلهم. وكذلك الأمر في المملكة العربية السعودية، إذ صدر حكم بالسجن والجلد بحق عدد من العمال المحتجين على عدم صرف رواتبهم، وبقي أرباب عملهم دون أي عقاب. وهم فئة قليلة من بين عشرات الآلاف من العمال الذين بقوا عالقين ومحاصرين في المملكة، وقضوا العام الماضي بلا عمل وطعام وكهرباء أو أدنى رعاية طبية.

ولطالما كانت معايير قطاع الإنشاءات والبناء متدنية سواء فيما يخص السلامة أو التعويض المناسب والعادل، إنما بات الآن مجرد الحصول على التعويض أمراً بعيد المنال!!