لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

افتتاحية: كيف تُستخدَم وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لاستغلال العمال؟

في 18 يونيو 2017

شهدنا في السنوات القليلة الماضية ازدياداً صادماً في أعداد مقاطع الفيديو لأصحاب عمل وهم يعرضون من يعمل لديهم من المهاجرين للاستغلال وإساءة المعاملة. بدءاً بـالحادثة الشهيرة في الكويت والتي قامت فيها صاحبة العمل بتصوير عاملة المنزل وهي معلقة على شرفة الطابق السابع بدون محاولة إنقاذها، إلى قيام بحريني بالاعتداء على أحد العمال، إلى الفيديو الذي انتشر مؤخراً في دول الخليج تحت هاشتاغ #شاب_يصفع_عامل، حيث نجد وسائل التواصل الاجتماعي في عالمنا العربي زاخرة بصور الظلم هذه. وإلى جانب القيام بنشر هذه المقاطع بشكل واسع – وبسوء نية أحيانا - ما الذي يفعله أي منا تجاه مايجري؟

في العديد من الحالات، يتم تصوير هذه الفيديوهات من قبل المسيئين أنفسهم، ويقومون بتحميلها على الإنترنت بكل عنجهية وثقة بأنهم لن يتعرضوا للمساءلة والعقاب وبجهل لخطورة هذه الأفعال وتبعاتها. وفي أحيان كثيرة تتم مشاركة هذه المقاطع بطريقة ساخرة ما من شأنه أن يزيد من إهانة الضحية والحط من إنسانيتها، وتستمر هذه الممارسة حتى في الحوادث الخطيرة كمحاولات انتحار العاملين. تشعل هذه الفيديوهات شرارة الغضب والانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي لفترة وجيزة، ثم ما يلبث الناس أن ينشغلوا بأخبار شائعة أخرى دون القيام بأي حراك أو تغيير فعلي في كيفية التعامل مع العمال في مجتمعاتنا.

يعتبر العمال المهاجرون في دول الخليج من بين الفئات الأكثر عرضة للإساءة والتهميش في المجتمع الخليجي، وكثيراً ما يعجزون عن الحصول على مساعدة قانونية بسبب تهديدات كفلائهم أو خوفاً من فقدان تأشيراتهم وتعريضهم للترحيل، وبذلك يضطرون لتحمل الإساءات المهددة لحياتهم .

وبعيداً عن الأذى الجسدي الذي تصوره هذه الفيديوهات والتحديات المستمرة التي يواجهونها بشكل ممنهج، يتعرض هؤلاء العمال لمزيد من الإذلال والإهانة بسبب نشر هذه الفيديوهات، لاسيما المقاطع التي تعكس حالات التحرش الجنسي بالعمالة المهاجرة. وفي الحالات التي تنتشر فيها مقاطع للمقيمين في دول الخليج ـــ وخصوصا إذا كانوا من المواطنين الأثرياء أو من الشخصيات البارزة ـــ وهم يقومون بهذه الانتهاكات، تظهر على السطح مجددا نقاشات واسعة وجدل كبير حول قوانين الخصوصية والتستر على الجناة. ففي الإمارات مثلا، تم حبس أحد المهاجرين لتصويره مسؤولا إماراتياً يعتدي على سائق مهاجر بتهمة الإساءة والتشهير.

وللأسف، قلة منا من يأخذ بعين الاعتبار أهمية الحصول على موافقة العامل على نشر مقطع فيديو قد يعرّضهم للتشهير ولا يحمي هويتهم من تبعات نشر الفيديو بشكل واسع. في بعض الأحيان، نكتب حول هذه الأحداث أو نغرد عنها في تويتر، ومن حين لآخر تقوم وسائل الإعلام الدولية بتغطيتها، ولكن ماذا بعد؟ ما هو دورنا؟ ومتى سنقف بشكل جدي ضد سوء المعاملة الممنهج للعمال، ومتى نتحدى الحوارات التي نسمعها حول استغلالهم وإساءة معاملتهم ونوقف التعليقات الهزلية المريضة حول من هم أضعف منا ونسعى لحمايتهم بدلا من ذلك؟ من غير المجدي انتظار المزيد من هذه المقاطع لإنشاء أرشيف يدعم وجود هذا الاستغلال الواضح للعمالة المهاجرة، خاصة وأن الأرشيف الحالي يحوي ما يكفي لدعمها، وتقاعسنا يسهم بشكل سلبي في استمرار هذه الممارسات اللا إنسانية.

قد يؤدي نشر هذه المقاطع إلى زيادة الوعي، وقد يساعد أحيانا في التعريف بالمعتدين، أما في حالة الإساءات بالغة البشاعة، فقد يؤدي النشر لفتح تحقيق جنائي من قبل السلطات الأمنية. ومع ذلك، ينبغي أن نتذكر أن مشاركة هذه المقاطع دون محاولة السعي لتحقيق العدالة، تعزز وتروّج لاستغلال العمال، وتجعل من التعدي والإساءة إلى المهاجرين أمراً طبيعياً. ومع فقدان حساسيتنا تجاه العنف ضد العمال، نبدأ بتقبّل هذه الحالات بل وحتى توقع حالات أبشع لا ينبغي تقبلها.

وبعد سنوات من هذه الحوادث التي يظهر وينتشر فيها مقطع فيديو واحداً تلو الآخر، لم يتغير الكثير بالنسبة للعمال المهاجرين في منطقة الخليج، وما يزالون الفئة الأكثر عرضة للإساءة في بلادنا، وما زلنا قابلين بهذا الوضع الراهن.