لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

صمت يُخيّم على التوقعات، فيما المهاجرون بانتظار المزيد من التفاصيل حول إصلاحات السعودية

سيطرة الكفلاء على الموظفين لاتزال مهيمنة إلى حد كبير

في 22 نوفمبر 2020

منذ أكثر من أسبوعين، عندما أعلنت السعودية، وسط صخب كبير، عن إصلاحات القانون، خيّم الصمت، في أحسن الأحوال، على توقعات هؤلاء المفترض أن يكونوا أكبر المستفيدين من هذه الإصلاحات. ومن المقرر أن تدخل الإصلاحات التي تشمل الحق في تغيير الوظائف بعد مرور عام واحد على العقد، ومغادرة البلد دون إذن الكفيل، حيز التنفيذ في 14 مارس 2021. 

وتسري الإصلاحات على 6,7 مليون عامل مهاجر يقعون تحت المظلة القانونية لقانون العمل. 

إلا أنها لن تشمل أكثر من 3,7 مليون عامل مهاجر لا يغطيهم قانون العمل بما فيهم العمال المنزليين، والسائقين، والفلاحين، والمزارعين، وحراس الأمن. 

وليس من الواضح إن كان العمال غير النظامين المقدر عددهم بما بين 3.5 إلى 4.4 مليون شخص، سيستفيدون من القوانين الجديدة. 

وبرغم أن عددا ً من المنشورات المحلية ذكرت أن السعودية "تلغي نظام الكفالة" إلا أن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ، لم تأتِ بنفسها بمثل هذا الادعاء، ولا تؤشر التفاصيل القليلة التي تم إصدارها حتى الآن إلى مثل هذا الهدف. وفي الواقع، فإن فيديو تم إطلاقة من قبل الوزارة أوضح أنه، ووفق لوائح غير محددة، فإن الكفلاء سيحتفظون بالفرصة للاعتراض على مغادرة العمال. 

وخلق الإصدار التدريجي للمعلومات ضجة دون إعطاء أية توضيحات. وليس من الواضح إن كان ذلك مقصوداً أم أنه مجرد ضعف في استراتيجية الاتصالات. وتنشر العديد من التقارير الإعلامية حالياً شروط تغيير الوظيفة والتي هي ليست جزءاً من الإصلاحات الجديدة، وإنما أنشأت في تعديلات أجريت في 2016 على قانون العمل. 

وحالياً، يمكن فقط لـ6,7 مليون عامل مهاجر ممن يشملهم قانون العمل أن يقوموا بتغيير وظائفهم بعد مرور عام من التوظيف وبموافقة صاحب العمل. كما أن بإمكانهم تغيير الوظائف فقط بدون موافقة صاحب العمل في حالات معينة من تعرضهم للإساءة، مثل تأخير دفع الرواتب لمدة ثلاثة شهور أو أكثر، وفشل صاحب العمل في إصدار وثائق الإقامة، وفي حالة "التستر ("تملُّك الأجانب لشركات أو العمل فيما هي في الأصل تعود لأشخاص سعوديين")

"حتى في الوقت الحاضر، فالكثير من الحقوق التي تستغرق المطالبة بها زيارات عديدة للمحاكم، لا يحصل عليها سوي أعداد قليلة"

ووفقاً للدليل الإرشادي لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الخاص بالإصلاحات الجديدة، فإنه يُسمح قريباً للعمال المهاجرين بتغيير وظائفهم دون موافقة الكفيل الحالي وذلك بعد إتمام عام من الخدمة. ولتحويل الكفالة، يُتطلب من العمال تقديم طلب التحويل بحسب فترة الإشعار المتعاقد عليها، وكذلك تقديم عرض عمل من قِبل صاحب العمل الجديد من خلال بوابة "قوى". 

يقول مظهر، وهو عامل باكستاني يبلغ من العمر 32 عاماً: "آمل أن يكون الأمر سهلاً كما يبدو". ويضيف مظهر الذي يعمل كمسئول للسلامة في شركة خاصة بالدمام:" لا أعرف تفاصيل القوانين الجديدة في الوقت الحالي، ولم أتحرَ عنها – أعتقد أنه سيتم توضيحها مع اقتراب التطبيق – ولكنني آمل ألا تكون هناك ثغرات معقدة، وأن يتمكن الموظفون الأجانب من العيش دون الخوف من صاحب العمل، الذي من الممكن أن يكون استغلالي جداً بسبب القوة التي يملكها حالياً."

أما الثلاثيني خان، الذي يعمل محاسباً في جدة، فقال إنه قلق بشأن التكاليف غير المتوقعة التي قد ينطوي عليها تطبيق القوانين. 

وأضاف خان:" إن كل هذا قائم على توقعات، ولكن مع هذه الضرائب العالية، ورسوم الأجانب، والارتفاع العام في تكاليف المعيشة، لن أتفاجأ إذا ما كانت هذه التغييرات ماهي إلا شكلاً جديداً من كسب المال، ولن يتمتع بها سوى الأجانب الأكثر ثراءً". وقال أيضاً: "حتى في الوقت الحاضر، فالكثير من الحقوق التي تستغرق المطالبة بها زيارات عديدة للمحاكم، لا يحصل عليها سوي أعداد قليلة"

وأشارت الوزارة بالفعل إلى أنه بمجرد دخول الإصلاحات حيز التنفيذ، فسيكون على العمال الأجانب تحمل تكاليف رسوم المغادرة والعودة. وفي الوقت الحالي، تبلغ الكلفة 200 ريال سعودي (53 دولار أميركي) ويتحمّلها الكفيل، وهو الشخص الوحيد الذي يمكنه الدخول على البوابة. وغالباً ما يتم استرداد هذه الرسوم من أجور العمال، برغم أن القانون لا يسمح بذلك بشكل صريح. وتتطرق بعض العقود إلى أن صاحب العمل سوف يتحمل تكاليف تأشيرة للمغادرة والعودة لمرة واحدة سنوياً، فيما على الموظف تحمُّل أية تكاليف لمغادرة أخرى. 

وبرغم أن الوزارة لم تذكر ذلك، إلا أن إياد الله الذي يعمل في مجال التوظيف للسوق السعودية، يعتقد أن العمال الذين أقاموا في السعودية بالفعل لأكثر من عام، سيكون بإمكانهم تغيير صاحب العمل بشكل تلقائي. ويعتقد أن الإصلاحات ستفيد بشكل أساسي الأجانب الذين يشغلون وظائف عالية المهارة أو المدراء، إلا أنها من الممكن أيضا أن تساعد في منع الاستغلال إلى "حد ما".

"الأمر لا يقتصر على عدم وجود وظائف للانتقال اليها، وإنما الأهم هو عدم وجود أي ضمان على أن صاحب العمل الجديد سيدفع الأجر بانتظام؟ هل استمر في تغيير الوظائف!"

ويؤشر ضعف تطبيق القوانين الحالية إلى العقبات المحتملة لإصلاحات 2021. وبرغم من تفشي ظاهرة تأخير وسرقة الأجور، إلا أن ترك مكان العمل الاستغلالي يعتبر أمر بالغ الصعوبة. وبسبب قلة العقوبات التي يتم تطبيقها على أصحاب العمل المخطئين، فلا يوجد حافز كبير لهم للامتثال للقانون. وبحسب تقرير وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الصادر في أغسطس 2020، فهناك 1,2 مليون حالة تأخير لدفع الأجر مسجلة في الوقت الحالي، وأكثر من 153,000 قضية عمالية تم رفعها خلال السنوات الثلاث الماضية. 

ويعتقد عاصف، الذي لم يتسلم أجره منذ ابريل 2019، أن الإصلاحات لن تغير كثيراً في أوضاع العمل للكثير من العمال، ويقول: " لم يًدفع أجري منذ عام ونصف. وأعرف أشخاصاً لم يتسلموا أجورهم لفترات أطول من ذلك. وهذا القانون لن يغيّر الكثير لنا." موضحاً: " الأمر لا يقتصر على عدم وجود وظائف للانتقال اليها، وإنما الأهم هو عدم وجود أي ضمان على أن صاحب العمل الجديد سيدفع الأجر بانتظام؟ هل استمر في تغيير الوظائف!"

ويتفق معه مسئول بالسفارة الفلبينية فضل عدم ذكر اسمه، بأن هذه الإصلاحات لن تفعل شيئاً يذكر فيما يتعلق بالأجور المتأخرة أو تحميل أصحاب العمل المسئولية ومحاسبتهم.   

وقال: "لا يمكنني التعليق بالتفصيل، لأن هناك الكثير مما يجب توضيحه حول الإصلاحات، ولكن في الوقت الحالي، لا يبدو أنها سوف تعالج الافتقار إلى محاسبة أصحاب العمل" وأضاف:" حتى يكون هناك محاسبة ثابتة، سوف يواصل أصحاب العمل استغلالهم العمال الأكثر عرضة للضرر، وفي حين أن الحرية لتغيير الوظائف هي خطوة في الاتجاه الصحيح، فإن الأمر لا ينتهي عندها."

وتبدو الإصلاحات الجديدة أنها قد أثارت الأمل لمستقبل أفضل لبعض المهاجرين الذين عانوا بسبب صرامة قانون حركة تنقل العمال. وقال عامل مطعم مر بتجربة سرقة الأجور وانتهاكات أخرى لعقد العمل، لـ MR ، أنه وزملائه "سعيدون جدا وأن التغييرات سوف تكون (جيدا جدا) للعمال. أعتقد أننا الآن في الوقت الصحيح لأننا لم نعد إلى أوطاننا".

وفي الوقت نفسه، يبقى أكثر المهاجرين عرضة للضرر غير متأكدين عما إذا كانت القوانين الجديدة سوف تنطبق عليهم أصلاً. فنسبة كبيرة من الـ3.5 – 4.4 مليون مهاجر غير الموثقين، دُفعوا إلى الوضع غير النظامي بسبب نظام الكفالة، ويفتقرون للموارد القانونية أو للوصول اليها من أجل ترك مكان العمل الذي يواجهون فيه الاستغلال. ويوجد لدى السعودية قانوناً قاسياً لـ"الهروب"، وبمجرد أن يبلّغ أصحاب العمل عن اختفاء عمالهم، يصبح العامل "غير قانوني" بشكل تلقائي، وعرضة للقبض عليه والترحيل إذا ما تم القبض عليه. وفي خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، سجلت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أكثر من مليون حالة هروب. ويتم الإعلان عن فترات سماح وعفو بشكل دوري، ويسمح بموجبها للعمال غير الموثقين بمغادرة البلد دون دفع الغرامات، أو تعديل أوضاعهم القانونية بالالتحاق بوظيفة جديدة. وكان آخر فترة سماح أعلنت في 2017. 

فاطمة تقول:" انتهت إقامتي قبل 7 سنوات، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعمل بشكل غير نظامي." وفاطمة هي عاملة منزل عشرينية من السودان، تركت منزل صاحب العمل. "كانت حياتي ستتغير بشكل كامل لو أن بإمكاني تعديل وضعي إقامتي القانوني. ففي الوقت الحالي لا يمكنني مغادرة البلد، أو الذهاب إلى المستشفى، أو حتى التجول في الأماكن العامة بدون أن يعتريني الخوف من القبض عليّ وايداعي السجن ومن ثم ترحيلي." 

وتتساءل فاطمة: "إذا ما كانت هذه التغييرات قد أجريت بهدف تحسين أوضاع العمال الأجانب، فلماذا أكثرنا ضعفاً غير مؤهلين للاستفادة منها. " وتضيف:"أرجو أن يكون هناك إدراك بأن هذه الحرية هي أكثر أهمية لهؤلاء الذين يعملون في هذه الوظائف."

واستُبعد من الإصلاحات بشكل نهائي أكثر من 3,7 مليون مهاجر. فلا يزال العمال المنزليين، و المزارعون، والفلاحون، والسائقون بحاجة للحصول على تصريح من أصحاب عملهم لتغيير وظائفهم ومغادرة البلاد. ذلك في حين أن بإمكان هؤلاء العمال أيضاً، تغيير وظائفهم بحرية إذا فشل أصحاب العمل في دفع أجورهم، أو تراجعوا عن التزاماتهم نحوهم، إلا أن وصولهم إلى الموارد يعتبر أكثر محدودية من العمال المهاجرين الآخرين. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على عاملات المنازل المهاجرات اللاتي في الغالب يعملن في بيئة منعزلة في بيوت أصحاب عملهم. 

ومع استبعاد شرائح كبيرة من المهاجرين من السكان، والقيود المستمرة على حركة تنقل العمال، والمعلومات التي لاتزال تصل مشوشة من المسئولين، فإن الملاحظين عبروا عن تحفظهم على إصلاحات السعودية. 

وقالت هبة زيادين، الباحثة لدى هيومن رايتس ووتش والمحققة في مجال حقو الإنسان في دول الخليج: "قالوا إن هذا هو إلغاء لنظام الكفالة ولكنه ليس كذلك – فهو مجرد محاولة اللحاق بركب الإصلاحات الجارية في الدول الأخرى في المنطقة." وأضافت:"إن الإعلانات الأخيرة لا تعالج بدورها الانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب في حق العمال المهاجرين في السعودية."

إن الإصلاحات الكثيرة في مجال العمال والهجرة التي تم تطبيقها بشكل سيء وضعيف خلال السنوات الأخيرة – بما في ذلك نظام حماية الأجور وقانون العمال المنزليين – تعتبر بمثابة تنبيه تحذيري ضد الاحتفال بمجرد الإعلانات.  وفي الوقت الذي لابد فيه من الترحيب بالخطوات التي تتخذ نحو التقدم بالوضع وتشجيعها، إلا أن الدليل على فعاليتها أمر مهم جداً. 

(بمساهمة من رابية جفري)