الأعمال التجارية وحقوق الإنسان
التفتيش العمالي في البحرين: غير كاف وغير فعال
في البحرين، يوجد 12 مفتشاً لتغطية ما يقارب 760,000 عامل (غالبيتهم من المهاجرين)، ونحو 83,000 مؤسسة. ولو افترضنا قيام هؤلاء المفتشين بعمليتي تفتيش يومياً لكل مفتش، فلن يتجاوز عدد حالات التفتيش 6,000 في العام.
في أكتوبر 2020، لقي مياه زوبر البالغ من العمر 40 عاماً، حتفه بانزلاقه على السلالم وهو يحمل سطلين مليئين بالماء في أحد مواقع العمل في كرزكان. لم يكن هناك درابزين أمان لحماية عامل الانشاءات البنغلاديشي من السقوط، كما أنه لم يكن مرتدياً أي من معدات السلامة.
بعد أسبوعين، توفي ثلاثة عمال هنود بشركة صيانة كهربائية، اختناقاً، بعد استنشاق أبخرة سامة في نفق للصرف الصحي في بني جمرة. ووجد المفتش العمالي، الذي وصل بعد الحادث المأساوي، "انتهاكات جسيمة" من جانب الشركة. فلم يقتصر الأمر على أن الشركة لم يكن لديها تصريحا للقيام بأعمال الصيانة في المنطقة، وإنما أيضاً لم يتم تزويد العمال بأي معدات لسلامتهم أثناء العمل، مثل أقنعة الوجه أو خزانات الأوكسجين. ويواجه ثلاثة من كبار مسئولي الشركة محاكمة بسبب "الإهمال الجسيم" لضمان سلامة العمال، وذلك في أعقاب تحقيق أمر به ولي العهد البحريني ورئيس الوزراء.
وهذه الوفيات الممكن تجنبها لم تكن أمرا نادر الحدوث. ففي خلال العقد الماضي، لقي مئات العمال المهاجرين حتفهم بسبب عدم الالتزام بقواعد السلامة. وغالبية الوفيات المتعلقة بالعمل حدثت في قطاع الإنشاءات الذي يوظف المهاجرين فقط.
وأدخلت البحرين عدة قوانين تهدف لحماية حقوق وسلامة العمال المهاجرين في مواقع العمل. وفيما توفر هذه اللوائح الحماية العمل على الورق، تظل المخالفات شائعة، وذلك، جزئياً، بسبب الافتقار للتطبيق وآليات التفتيش. ويعتبر وجود آلية تفتيش عمالي مناسبة مهماً للتأكد من انفاذ القوانين وتطبيق الحدود الدنيا من معايير العمل. ويقيّم هذا المقال، آليات التفتيش العمالي في البحرين، ويقوم على فرضية أن آليات تفتيش العمال غير ملائمة بشكل واضح، لحماية حقوق العمال وللتأكد من وجود بيئة عمل آمنة لهم.
إطار عمل التفتيش العمالي في البحرين
في البحرين، كما هو الأمر في جميع دول الخليج، يتم تنظيم سياسات التفتيش العمالي بقانون العمل. وفي 1976، أنشأت البحرين إدارة التفتيش العمالي في وزارة العمل، والتي تتولى مسئولية إنفاذ قانون العمل.
وتنص المادة 175 من قانون العمل على إنشاء "مجلس السلامة والصحة المهنية"، الذي يقوم بصياغة ومتابعة تطبيق السياسات العامة المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية وتوفير بيئة العمل المناسبة.
وتختلف معايير التفتيش ونطاق سلطتها باختلاف الجهات الحكومية. فعلي سبيل المثال، يوجد لدى هيئة تنظيم سوق العمل سلطة تفتيش وقبض لفحص تصاريح عمل العمال المهاجرين والقبض على غير النظاميين منهم، بينما تتولى وزارة العمل مسئولية التفتيش على أوضاع العمل في مواقع العمل ومساكن العمال المسجلة.
الجدول: نظرة عامة على مجالات التفتيش والجهات الحكومية المختصة (هذه القائمة ليست شاملة) | |||
التفتيش على مواقع العمل | التفتيش على أوضاع العمال المهاجرين | التفتيش على مساكن العمال | |
القوانين ذات العلاقة | الباب (16) من قانون العمل (36) لعام 2012
|
المادة (34) من القانون رقم (19) للعام 2006 المنظم لسوق العمل. | |
الجهات الحكومية المختصة |
وزارة العمل والشئون الاجتماعية القرارات الخاصة بالسلامة والصحة المهنية تأتي أيضاً ضمن اختصاص وزارة العمل والشئون الاجتماعية. إلا أنه في بعض الحالات، قد ينضم متخصصون في مجال الصحة والسلامة المهنية، إلى مفتشي وزارة العمل في أثناء التفتيش |
هيئة تنظيم سوق العمل تجري وزارة الداخلية إجراءات تفتيش روتينية لتحديد والقبض على مخالفي الإقامة |
|
الإطار المعياري
توفّر منظمة العمل الدولية (اتفاقية التفتيش العمالي لمنظمة العمل الدولية والتوصية رقم 81 (1947)) الإرشادات الأساسية المعيارية لسياسات التفتيش في البحرين. وصدّقت جميع دول الخليج على هذه الاتفاقية ماعدا عمان.
ومن بين عدد من الأمور الأخرى، تضع الاتفاقية مجموعة من الارشادات المتعلقة بوظائف نظام التفتيش، وتوظيف المفتشين ومدى قدراتهم وصلاحياتهم والتزاماتهم.
تنص المادة رقم 3 من اتفاقية تفتيش العمل 81 لمنظمة العمل الدولية الوظائف الأساسية لنظام التفتيش العمالي:
- لضمان إنفاذ الأحكام القانونية المتعلقة بظروف العمل وحماية العمال أثناء قيامهم بهذا العمل مثل الأحكام الخاصة بساعات العمل والأجور والسلامة والصحة والرعاية واستخدام الأطفال والأحداث وغير ذلك من أمور بقدر ما تكون هذه الأحكام منوطة بمفتشي العمل؛
- تقديم المعلومات التقنية والمشورة لأصحاب العمل والعمال المعنيين بشأن أكثر وسائل الالتزام بالأحكام القانونية فعالية؛
- تعريف السلطة المختصة بجوانب النقص أو التعسف التي لا تغطيها الأحكام القانونية القائمة بشكل محدد.
كما تدعو اتفاقيات منظمة العمل الدولية الأخرى إلى الحاجة لآليات تفتيش مناسبة لضمان التطبيق في مجالات العمل الأخرى. ويشمل ذلك اتفاقية العمل 155 المتعلقة بالسلامة والصحة المهنية (1981)، التي صدقت عليها البحرين فقط من بين دول مجلس التعاون الخليجي. وبحسب اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 155 فإن " يجب ضمان إنفاذ القوانين والتشريعات الخاصة بالسلامة والصحة المهنية وبيئة العمل، بنظام تفتيش مناسب ومقبول"، وأن توفر آلية التنفيذ هذه عقوبات مناسبة لانتهاكات القوانين واللوائح."
لم توقّع أي من دول الخليج على اتفاقيات التفتيش العمالي الخاصة بالبحارة وعمال الزراعة. وليس هذا بالأمر المستغرب، إذ أن هذه القطاعات ليست مغطاة تحت قانون العمل. ونتيجة لذلك، فإن الآلاف من العمال المهاجرين في هذه القطاعات يعتبرون أكثر عرضة لظروف العمل القسري والعمل في بيئات خطرة.
ولكن، حتى إذا ما تم سن لوائح العمل والسلامة لكل قطاع، فإن التطبيق السليم لهذه اللوائح يعتمد على كفاءة وجودة موارد جهاز التفتيش.
القدرات
عندما يتعلق الأمر بقدرات التفتيش العمالي، تظل معايير تحديد عدد المفتشين ومؤهلاتهم، غير واضحة. وتنص المادة 173 من قانون العمل على أن "جهاز التفتيش السلامة والصحة المهنية" يجب أن تتشكل من عدد كاف من من المفتشين "ذوي التأهيل العلمي و الخبرة المناسبة" ولا يوجد تفسير لما تعنيه كلمة "كاف" وما هي المؤهلات التي تعتبر "مناسبة".
ولا توضح اتفاقية التفتيش العمالي 81 بالتحديد النسبة الكافية من المفتشين لعدد الشركات الخاضعة للتفتيش، إلا أن المادة (10) تنص على أن عدد المفتشين يحدد بناء على:
(أ)أهمية المهام التي على المفتشين القيام بها، وخصوصاً:
(1) عدد وطبيعة وحجم وحالة أماكن العمل الخاضعة للتفتيش؛
(2) عدد وفئات العمال المشتغلين في أماكن العمل المعنية؛
(3) عدد ودرجة تعقيد الأحكام القانونية الواجب إنفاذها؛
(ب) الوسائل المادية الموضوعة تحت تصرف المفتشين؛
(ج)الشروط العملية التي تتم زيارات التفتيش بموجبها لضمان فعاليتها.
ويكشف تقرير الإحصاءات السنوية لعام 2018 الصادر عن وزارة العمل (آخر تقرير منشور) عن مدى فشل آلية التفتيش العمالي في البحرين وفقاً لهذه المعايير:
ويكشف التقرير الاحصائي السنوي لعام 2018 الصادر عن وزارة العمل (آخر تقرير منشور) عن مدى فشل آلية التفتيش العمالي في البحرين وفقاً لهذه المعايير:
ويوضح الجدول أدناه عدد العاملين في إدارة التفتيش العمالي لعام 2018
عدد العاملين في إدارة التفتيش العمالي | ||
عدد المفتشين | القطاع التجاري | 6 |
القطاع الصناعي | 6 | |
إجمالي عدد المفتشين | 12 | |
عدد المؤسسات الخاضعة للتفتيش | 82,597 | |
عدد المؤسسات الخاضعة للتفتيش | البحرينيين | 158,814 |
غير البحرينيين | 600,857 | |
إجمالي عدد العمال | 759,671 |
في العام 2018، عيّنت وزارة العمل 12 مفتشاً فقط للتفتيش على 82,597 مؤسسة خاضعة للتفتيش، أي أنه يجب على كل مفتش عمالي أن يقوم بـ6,883 زيارة سنوياً لتنظيم القطاع الخاص بأكمله. من الواضح أن جهاز التفتيش يعني من نقص عدد العاملين فيه.
وبشكل مشابه تثير أرقام عمليات التفتيش في 2018 القلق، فبحسب تقرير الوزارة، لم تنفذ إدارة تفتيش العمل سوى 4,070 زيارة ميدانية إلى 3,582 مؤسسة.
وفي حين لم تنشر وزارة العمل تقريرها السنوي منذ 2018، فإن الاحصائيات التي نشرت من خلال وسائل الاعلام تؤشر إلى أن عدد عمليات التفتيش انخفضت أكثر في 2019. وبحسب صحيفة Gulf Daily News فقد تم إجراء 2,962 زيارة تفتيش في الفترة من يناير إلى أكتوبر في عام 2019، غطت 2,778 مؤسسة.
وقد تم تفتيش عدد أقل من الشركات لفحص لوائح السلامة والصحة المهنية. وأجرى جهاز تفتيش السلامة والصحة المهنية زيارات تفتيش لـ 663 مؤسسة من أصل 82,597 خاضعة للتفتيش. وهذا الرقم يوضح أن الغالبية العظمى من مؤسسات القطاع الخاص في البحرين لم تخضع للتفتيش من قبل السلطات الحكومية للتأكد من تطبيق قانون العمل ولوائح السلامة المهنية.
ويوضح الجدول أدناه تراجع عدد مرات التفتيش على مدى السنوات القليلة الماضية
الجدول 3: عدد عمليات التفتيش في السنة خلال الأعوام 2014 - 2019 | ||||||
2014 | 2015 | 2016 | 2017 | 2018 | 2019 (يناير حتى أكتوبر) | |
عدد زيارات التفتيش الروتيني | 11,441 | 8,764 | 7,824 | 3,126 | 4,070 | 2,962 |
عدد المؤسسات التي تم زيارتها | 10,438 | 11,287 | 8,973 | 5,701 | 3,582 | 2,778 |
عدد المؤسسات التي تم تفتيش لوائح السلامة والصحة المهنية فيها | - | - | 558 | 718 | 663 | - |
أماكن العمل التي تم التحقيق في حوادث الوفيات والاصابات الجسيمة فيها | - | - |
26 حالة وفيات 134 حالة إصابة عمل جسيمة |
32 حالة وفيات 294 حالة إصابة عمل جسيمة |
21 حالة وفيات 144 حالة إصابة عمل جسيمة |
المصدر: التقرير السنوي لوزارة العمل 2018 ،Gulf Daily News
* يرجى ملاحظة أن إصابات العمل تشمل فقط ما تم التحقيق فيه من قبل الوزارة وليس إجمالي الإصابات التي حدثت في العام المحدد. ويتوجب على الشركات إبلاغ عن إصابات العمل بموجب القرار رقم (12) لسنة 2013 بشأن الإجراءات اللازمة للإبلاغ عن إصابات العمل والأمراض المهنية، إلى أن الشركات تتحاشى الإبلاغ تجنباً للعقاب لعدم وجود لوائح السلامة.
ويعود تراجع قدرات التفتيش، جزئياً، إلى جهود البحرين في الآونة الأخيرة لتقليص القطاع العام واعتماد الدولة على الشركات للتنظيم الذاتي. وأكد مسئول من الوزارة، فضل عدم ذكر أسمه لـ Migrant-Rights.Org على أنهم يواجهون نقصاً في عدد المفتشين مما يضعف قدرتهم على كشف المخالفين.
ويعتبر التفتيش الشامل شبه مستحيل في ظل محدودية قدرات الدولة. وأعرب تقرير منظمة العمل الدولية الخاص بلجنة خبراء تطبيق اتفاقيات وتوصيات الملاحظات العامة لعام 2020، عن اسفه لتقليص أجهزة التفتيش العمالي على المستوى الدولي.
كما تم تسليط الضوء على هذه الموضوع في ورشة منظمة العمل الدولية "الإجراءات الحديثة للتفتيش العمالي" التي تم اقامتها في البحرين العام الماضي. و أشار مساعد السكرتير العام للصحة والسلامة المهنية بالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، محمد مساعد، قائلا: "لدينا عدد قليل من المفتشين مقارنة بالعدد المتزايد لمواقع العمل، فهم يستخدمون سياراتهم الخاصة، فهم بحاجة إلى زيادة في الأجور، كما أنهم بحاجة للمزيد من التشجيع فيما يخص الامتيازات. مضيفاً "أن هذا السيناريو هيأت الوضع للرشوة".
التطبيق
وإلى جانب مشكله عدد الموظفين، فإنه ليس من الواضح نوع التدريب الذي يحصل عليه المفتشون وأي نوع من الخبرات التي يملكونها. وتحدث العمال المهاجرون ممن تعاملوا مع المفتشين العماليين، والذين تحدثت معهم Migrant-Rights.org عن مواجهة حاجر اللغة في تقديم الشكاوى ضد أصحاب العمل. كما يفتقر المفتشون إلى مصادر تقنية المعلومات المناسبة. ويضم جهاز التفتيش موظفين من الجنسين إلا أنه غالباً ما يكلف الرجال بتفتيش المساكن العمالية والقطاع الصناعي.
كما أن إدارة التفتيش بوزارة العمل هي المسئولة عن استلام و"حل الشكاوى العمالية" للموظفين البحرينيين والأجانب على السواء. فالعمال الذين يتعرضون لسرقة الأجور أو انتهاكات عمالية وانتهاكات السلامة بإمكانهم زيارة إدارة التفتيش لتقديم شكاواهم.
وعند تلقى الشكوى، تحاول إدارة التفتيش التفاوض لتسوية ودية مع صاحب العمل – وهو غالبا ما يكون إجراء طويل وغير مجدي. بإمكان العمال أيضا تقديم الشكاوى لإدارة التظلمات والحماية الجديدة بهيئة تنظيم سوق العمل أو مباشرة للمحاكم العمالية. ولكن على عكس هيئة تنظيم سوق العمل، فإن إدارة التفتيش ليس لديها صلة مباشرة لتحويل الحالات للمحاكم.
" لا نريد تطبيق القانون بقسوة ولذلك فإننا نبحث عن تسويات ودية... "
وأعرب الكثير من العمال ممن تحدثت معهم Migrant-Rights.Org عن أسفهم للوعود الفارغة التي تقدمها إدارة التفتيش، فيما شكى البعض من عدم المبالات، والتمييز، ونقص المساعدة وحواجز اللغة عند تقديم الشكاوى.
وأخبر عدد من عمال الأمن الكاميرونيين، ممن تقدموا بشكوى بشأن سرقة الأجور لوزارة العمل، العام الماضي، إن موظفي الإدارة لم يكونوا غير متعاونين فحسب، وإنما عاملوهم بطريقة عنصرية ومهينة:
"عندما ذهبنا إلى هناك، كان هؤلاء الأشخاص عنصريين في التعامل معنا إلى درجة كبيرة، وطردونا من المكتب! وكانوا يغطون أنوفهم وبدأوا برش الغرفة بمعطرات الهواء."
وأوضحت شهادات العمال، افتقار المفتشين العماليين في الوزارة للتدريب والمهنية، وأن مهارات اللغة لم تؤخذ في الاعتبار عند توظيف المفتشين العماليين (في بلد لا يتحدث غالبية العمال فيه اللغة المحلية).
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المفتشين العماليين في البحرين لا يبادرون بمراقبة استباقية لالتزام الشركات بقانون العمل وبروتوكولات السلامة الأخرى. وعوضاً عن ذلك فإن زيارات التفتيش تتم في غالب الأحيان بناء على حوادث جسيمة أو شكاوى.
وعندما يكتشف المفتشون أية مخالفات، فإنه عادة ما يتم التروّى في تطبيق العقوبات على أصحاب العمل، بحسب مدى جسامتها. وتشير التجربة الميدانية أنه من النادر تجريم الشركات أو تغريمها حتى في حالة سماح القانون بذلك. وعوضا عن ذلك، تحاول وزارة العمل التفاوض مع أصحاب العمل لتصحيح الانتهاكات، دون تحميلهم المسئولية أو فرض غرامات عليهم.
وتتمتع وزارة العمل بسلطة الغلق الجزئي أو الكلي للسجلات التجارية للشركات، إلا أنه، وبحسب الأخصائيين الاجتماعيين، من النادر استخدام هذه السلطة. وتنتهج الوزارة أسلوب يهدف إلى تقليل إزعاج القطاع الخاص مهما كانت التكلفة. فعلى سبيل المثال، عندما احتج عمال شركة فوندامنت إس بي سي بالقرب من وزارة العمل في يونيو هذا العام، على عدم تسلمهم أجور ثمانية شهور، علّقت الوزارة قائلة: "لا نريد تطبيق القانون بقسوة ولذلك فإننا نبحث عن تسويات ودية."
وبالمثل، أشار الأخصائيون الاجتماعيون الذين ساعدوا في قضية العمال الكاميرونيين أعلاه، إلى أن الوزارة كانت متساهلة مع الشركة، وترددت في غلق السجل التجاري حتى بعد أن تغيبت الشركة عن الحضور إلى الوزارة بناء على استدعائها.
كان العديد من مساكن العمال التي زارتها Migrant-Rights.Org تقبع في حالة مزرية بعد شهور من اكتشاف مفتشي الوزارة لوجود انتهاكات فيها. في أبريل 2020، في أعقاب تفشي كوفيد 19، أصدرت الوزارة تعميماً لأصحاب العمل تلزمهم بالتعقيم المنتظم لمساكن العمال، وتزويدهم بعدد مناسب من دورات المياه في أماكن العمل والإقامة، وبتقليل عدد العمال في كل غرفة، إلا أنه وبحسب الوزارة فإن 15% فقط من المساكن العمالية المسجلة لدى الوزارة، امتثلت للتوجيهات.
استثناء مخالفات حظر العمل الصيفي
في الوقت الذي يتفاعل جهاز التفتيش العمالي بأسلوب رد الفعل ويعجز عن حماية سلامة وحقوق العمل، فإن أغلب عمليات التفتيش الاستباقية تستهدف حظر العمل في الخارج المطبق في الفترة من 1 يوليو وحتى 31 أغسطس. ويتضح ذلك في الحملات الإعلامية المتكررة التي تقوم بها الوزارة حول هذه الحظر وعدد عمليات التفتيش الكبيرة نسبياً التي تتم خلال هذين الشهرين. ففي حين أجرت الوزارة 4,070 عملية تفتيش روتيني خلال عام 2018 بأكمله، بلغ عدد عمليات التفتيش على مخالفات حظر العمل في الخارج خلال الصيف، 10,185 وذلك خلال شهري يوليو وأغسطس.
كما أنشأت الوزارة خطوطاً ساخنة للجمهور وللعمال للإبلاغ عن الانتهاكات، لكنها لا تتاح للاستخدام للقضايا الأخرى. وعلاوة على ذلك، فإن الغرامات والعقوبات تطبق على أصحاب العمل الذين يخالفون حظر العمل الصيفي أكثر من المخالفات الأخرى، إذ يتم تحويل تلك المخالفات فورا إلى النيابة العامة، بدلا من تسويتها بشكل ودي كما هو الحال أغلب الانتهاكات الأخرى.
ويعود التركيز على حظر العمل الصيفي في الخارج لعدد من الأسباب ولكن أهمها لأنه لا يكلف الشركات الكثير للالتزام له، مقارنة بتوجيهات العمل والسلامة الأخرى، وهو ما يتناسب تماما مع نهج الوزارة في تقليل إزعاج القطاع الخاص.
وقد أكّد وزير العمل، جميل حميدان على هذه النقطة عندما سلّط الضوء على أداء العام الماضي، قائلاً: " إن قرار الحظر (حظر العمل الخارجي في الصيف) يحمل عدد من العناصر الإنسانية والحقوقية، بالإضافة إلى المزايا الاقتصادية التي تعود على أصحاب العمل من خلال إعادة برمجة ساعات عملهم دون التأثير على الإنتاجية والتي تقلل أيضا من الحوادث والإصابات."
ومن العوامل الأخرى لهذا التركيز، هو الحاجة لاستخدام حدا أدنى من الخبرة التقنية المطلوبة في المفتشين العماليين لتنظيم حظر العمل الصيفي، بالإضافة إلى العلاقات العامة.
التفتيش العمالي لعاملات المنازل
كما هو الحال في دول الخليج الأخرى، فإنه لا يوجد في البحرين آلية تفتيش لحماية حقوق عاملات المنازل، برغم أنهن ضمن أكثر الفئات العمالية عرضة للتعرض للانتهاك والإساءة. وأدى غياب التفتيش وآليات الانفاذ، إلى جانب ضعف الحماية القانونية، والأوضاع الهشة بطبيعتها للعمل المنزلي في البيوت الخاصة إلى خلق بيئة خصبة مهيأة للاستغلال والانتهاك.
وفي حين لم توقع البحرين على اتفاقية منظمة العمل الدولية لوكالات الاستخدام الخاصة، 1997 (رقم181)، والتي تدعو لتفتيش وكالات التوظيف الخاصة، فإن تفتيش هيئة تنظيم سوق العمل عادة ما يعني بالوضع القانوني والأمور الأخرى المتعلقة بجودة الخدمات التي تقدمها الوكالة، مثل استقدام وتوظيف عاملات منازل غير مدربات، أو رفض رد أموال الكفلاء، أكثر من التأكد من أن عاملات المنازل قد تم توظيفهن بطرق أخلاقية سليمة ويقمن في ظروف لائقة.
ولا يراقب المفتشون العماليون البيوت حيث يتم توظيف عاملات المنازل، كما أنهم لا يمتلكون السلطة للتحقيق مع أي بيت إذا ما تم تقديم الشكوى. وفقط في حالات الاشتباه بحدوث انتهاك جنائي يمكن للشرطة، وليس المفتشون العماليون، الذهاب للمنزل والقيام بإجراءات الانقاذ. وفي غالبية الحالات تقوم الشرطة بالتواصل مع الكفيل أولاً.
إن أي من دول الخليج لم توقّع على اتفاقية العمال المنزليين 2011 (رقم 189)، والتي تنص أنه على الدول الأعضاء تطوير وتنفيذ تدابير التفتيش العمال والإنفاذ لضمان الامتثال للقوانين واللوائح الوطنية لحماية عاملات المنازل (المادة 17). وتبرر دول الخليج غياب آلية التفتيش لعاملات المنازل بأنها تنطوي على انتهاك خصوصية أصحاب العمل. وفي حين يخدم التفتيش غرضاً مهمأ، فإن الخلط بين تنظيم العمل المنزلي والقيام بالتفتيش في المنازل يعزز رفض جميع أشكال التنظيم في هذا القطاع.
وتدعو هذه الحجج للتنازل والتغاضي عن الانتهاكات التي تحدث في منازل الأسر دون الاعتراف بالمتوفر من مجموعة خيارات المراقبة والانفاذ، والتي من شأنها أن تقلص الحاجة للتفتيش العشوائي بالحضور إلى منازل أصحاب العمل. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يشتمل الامتثال وعمليات التفتيش القوية على خيارات بديلة للتفتيش بالحضور الشخصي، مثل التفتيش من خلال الهاتف، الذي يعتبر أقل تدخلاً وأقل كلفة عند القيام به بشكل منتظم. وبالمثل، فإن تضمين عاملات المنازل في نظام حماية الأجور من شأنه أن يقلل الحاجة إلى الزيارات الميدانية إلى مكان العمل إذ ستتمكن السلطة من الوصول إلى قاعدة الأدلة اللازمة.
الاستنتاجات والتوصيات:
تعتبر آلية التفتيش العمالي في البحرين غير كافية من حيث القدرة الاستيعابية والأداء لضمان الحد الأدنى من معايير السلامة والعمل اللائق للعمال. وأدى إلغاء القيود الاقتصادية خلال العقد الماضي إلى خفض التفتيش العمالي من قبل السلطات الحكومية في مواقع العمل.
ومن الضروري أن تستثمر حكومة البحرين بإنشاء جهاز تفتيش شامل بعدد كافي من الموظفين لتغطية جميع قطاعات العمل من أجل خلق بيئة عمل آمنة وضمان سلامة العمال وأمنهم وكرامتهم الإنسانية.
- رفع قدرات جهاز التفتيش العمال لتغطية القطاع الخاص بالشكل المناسب.
- ضمان تدريب المفتشين مهنياً، وتزويدهم بالموارد الكافية والمعرفة فيما يتعلق بسوق العمل وأوضاع العمالة المهاجرة في ظل ديناميكيات نظام الكفالة.
- التوقيع والتصديق على جميع اتفاقيات منظمة العمل الدولية الخاصة بالتفتيش بما في ذلك اتفاقية التفتيش العمال لقطاع الزراعة (الاتفاقية رقم 129 لعام 1969)، وقطاع الأسماك (الاتفاقية رقم 178 لعام 1996) وقطاع العمل المنزلي (الاتفاقية رقم 189 لعام 2011).
- إدراج عمال المنازل في جميع أحكام قانون العمل بما في ذلك أنظمة السلامة والتفتيش.
- على جهاز التفتيش العمالي التعاون مع منظمات مجتمع المهاجرين، وجماعات حقوق المرأة والدول المرسلة من أجل ضمان أوضاع عمل ملائمة في القطاع الخاص (من الممكن أن يوظّف جهاز التفتيش العمالي عمال مهاجرين من مختلف الجنسيات لتجنب التمييز عندما يتعلق الأمر بالشكاوى العمالية).
- منح مفتشي وزارة العمل السلطة لإحالة المخالفات مباشرة إلى المحاكم.
- التعاون مع المؤسسات الحكومية، مثل وحدة مكافحة الاتجار بالأشخاص، لتحديد ومحاربة حالات العمل القسري.
- رصد الشكاوى المتعلقة بالعقود، وساعات العمل وأوضاع العمل، بشكل استباقي.
- لسماح لشكاوى الطرف الثالث بالتفتيش والمتابعة الدقيقة لطلبات العمال للتفتيش.