تراجع الكويت عن قرار «الدفع مقابل العفو» يُفشل حماية حقول المهاجرين
يعتبر إلغاء الكويت قرار السماح للعمال المهاجرين بتعديل أوضاعهم القانونية، هو آخر ما أتت به السياسات المثيرة للجدل، و يُبرز السؤال: هل ستتعلم الكويت من أخطائها وتعطي الأولوية لحقوق الإنسان للمهاجرين.
في 18 يناير 2024، تم تداول أخبار حول قرار العفو (رقم ٢٠٠٤/٢٦) الصادر من وزارة الداخلية، والذي يُسمح بموجبه للمهاجرين المخالفين لقانون الإقامة بتعديل أوضاعهم القانونية بعد دفع الغرامات. وبحس تقرير نشرته صحيفة الأنباء الكويتية، تم حذفه فيما بعد، فإن القرار يستهدف 110000 عامل مهاجر – بدون ذكر أية تفاصيل ديموغرافية واضحة – ممن أصبح وضعهم غير نظامي قبل 2020. ومن شأن القرار وقف جميع عمليات الترحيل، كما يحمي هؤلاء المهاجرين من الملاحقة القضائية والاعتقال من قبل الشرطة، وبدلا عن ذلك، تحويل قضاياهم لوزارة الشئون الاجتماعية. وما إن يتم دفع الحد الأقصى للغرامة وقدره 600 دينار كويتي (1940 دولار أمريكي)، يتمكن هؤلاء الأفراد من تعديل أوضاعهم والحصول على تأشيرة عمل.
وفي 19 يناير، بعد مرور يوم واحد فقط، ذكرت صحيفة الأنباء إن وزارة الداخلية ألغت قرار العفو واستأنفت المداهمات على المقيمين غير القانونيين واستهدفتهم في حملات الترحيل الجماعي.
ومن النادر أن تتناول السياسات والقرارات المؤثرة على أوضاع العمال المهاجرين، سواء كانت محاولة للقيام بإصلاحات عمالية أو محاولات فاشلة يتم الغاؤها فيما بعد، المشكلة بشكل شامل. وعلى العكس من ذلك، فإن هذه القرارات، غالباً ما تكون ردود أفعال لمشاكل لم يتم حلها في السابق، وأهملت لتتلقى حلولاً مؤقتة – وكل ذلك على حساب العامل المهاجر.
وقد يبدو برنامج العفو الملغى مجرد حادث وزاري غير موفق آخر، لكنه في الوقت نفسه ينطوي على مغالطات خطيرة تحت السطح. أهمها أن ما يفترض أن تكون حلولا للأوضاع «غير القانونية»، تتجاهل تماماً اختلال القوة في نظام الكفالة، الذي يمكن، بموجبه، لصاحب العمل/ الكفيل وحده تجديد تأشيرة المهاجر. إن التخلص من العبء الواقع على الكفيل يعفيه فعلياً من المسئولية القانونية. ويصبح العبء ملقي على السلطات لمعالجة الخلل وفق تصوراتها، الأمر الذي يثير التساؤل حول عنصرين من قرار العفو: الأول هو سبب فرض غرامة باهظة على شريحة من السكان محرومة وضعيفة؟ والثاني، ما هي أهداف الإصلاح عندما يكون الطرف الأساسي وهو صاحب العمل غائب عن المعادلة؟
إن وضع الكفالة إلى جانب الجائحة العالمية جعلت من العام 2020 عام مليء بالمشاكل في الكويت، التي كانت أصلا تواجه أزمة اقتصادية. وقد نتج عن ذلك المزيد من الكراهية للمهاجرين فيها.
في ذروة الجائحة عندما أُغلقت الحدود الدولية، أعلنت الكويت عن برنامجها للعفو في أبريل 2020 لإعادة أكثر من 500 شخص يومياً إلى بلدانهم الأصل على متن طائرات مؤجرة. وكانت دول ذات موارد أقل بكثير من الكويت قد أُجبرت على تحمل أعباء الرعاية الصحية بأنظمتها المثقلة أصلاً ومواردها المالية المحدودة، ذلك لأن دول الخليج عاملت القوى العاملة المهاجرة التي لا غنى لها عنها، على أنها موارد بشرية قابلة للاستبدال والاستغناء عنها. ولم يأخذ قرار العفو في الاعتبار فئات المهاجرين الأكثر هشاشة خصوصاً المهاجرين الأفريقيين الذين ليس لديهم تمثيل ديبلوماسي محلياً، أو أولئك الذين لديهم قضايا معلقة في المحاكم وأجور لم يتسلموها بعد. وبحسب التقارير الإعلامية، فإن قرار العفو الذي تم الغاؤه مؤخراً لم يأخذ في الاعتبار هذه المخاوف.
لاتزال الكويت تعاني من عجز مالي كبير. ولو افترضنا أن برنامج العفو هذا سيُحصّل من خلال تطبيقه على 600 دينار كويتي من كل مهاجر (يقدر عدد المهاجرين ممن أوضاعهم غير نظامية بـ 110000 شخص)، فأين سيذهب ما مجموعه 60 مليون دينار كويتي؟ وبحسب التقارير، فإن ليس من الواضح إن كانت رسوم العفو ستحل محل غرامات مخالفات التأشيرة أم أنها ستضاف اليها.
وبحسب تقارير صحيفة كويت تايمز، يقدر معدل الأجر الشهري للعمال المهاجرين بـ 343 دينار كويتي، مما يجعل التكلفة أعلى من قدرة الكثيرين، خصوصا مع العلم بأن المهاجرين غير النظاميين ليس لديهم فرص عمل مشروعة.
ويتطلب الوضع القانوني العمل، لأغلب فئات التأشيرات. ويظهر أحدث تقرير للإدارة المركزية للإحصاء أنه خلال الفترة من 2019- 2022 كانت مخالفات التأشيرة للعاملين في القطاع الخاص من أصحاب التأشيرة (18) و”خدم المنازل” (التأشيرة 20) مرتفعة بشكل مستمر. وللفئة السكانية من حاملي التأشيرة 18، تتراوح نسبة المخالفات المسجلة ما بين 25٪ من 2019 و 22٪ في 2022. بينما تتراوح مخالفات أصحاب التأشيرة 20، ما بين 47٪ في 2019 و 49٪ في 2022. واحتفظت الفئتان بالنسبة الأدنى في عام 2020 خلال السنوات الأربع التي غطاها التقرير، وهو العام نفسه الذي شهد عمليات الترحيل الجماعي التي أدت إلى خفض أعداد المهاجرين من هاتين الفئتين.
وعندما يتم إصدار إحصائيات 2023 في وقت لاحق هذا العام، ستُظهر بلا شك عدم وجود أي تغيير يذكر. ففي الحقيقة، وكما ذكر في “أرابيان بيزنس”، فإن الكويت قامت بترحيل المهاجرين بمعدل 108 أشخاص يومياً خلال عام 2023، مما يعني أن أكثر من 35000 شخص تم ترحيلهم وأغلبهم على أساس شكل من أشكال مخالفات التأشيرة.
يشار هنا إلى أن برنامج العفو، وكما ذكرت وسائل الإعلام، لم يتطرق للتعويض عن الأجور غير المدفوعة. وبالنظر إلى أن كثير من العمال المهاجرين أصبحوا في وضع المخالفين وغير النظاميين بسبب تأخر الأجور أو عدم دفعها، فلا بد من أن يتم أخذهم في الاعتبار في أي سياسة تتناول العمالة غير النظامية. وتعتبر سرقة الأجور من المخالفات التي يتكرر حدوثها (خصوصا في ذروة جائحة كوفيد 19 في 2020) حيث نادراً ما يتحمل أصحاب العمل المسئولية، مما يحدث انفصالا كبيراً بين الحكومة ووزاراتها عن حياة وتجربة المهاجرين. هذه العلاقة السلبية تفرض فجوة كبيرة بين الطرفين، وكل ذلك من شأنه أن يخرج صاحب العمل من المعادلة ويجعله مستفيداً من النظام.
وبسبب أن العلاقة بين الموظف وصاحب العمل هي المسبب للوضع غير النظامي، نجد أن العديد من العمال المهاجرين ممن هم في هذا الوضع يتعرضون وبشكل كبير للاستغلال أكثر من سواهم، ويتم ابتزازهم بشكل متكرر. وقد وجدت من خلال التعامل مع القضايا القانونية، والتقارير الصحافية، مخالفات متكررة واضحة ومع ذلك تتخلى السلطات عنها: على سبيل المثال، يفصل العمال بشكل متكرر من العمل ويُتركون بدون معرفة لما يجدون أنفسهم فيه، أو أية موارد يعتاشوا منها في الكويت. وكثيرا ما يجبر أصحاب العمل، العمال على دفع مبالغ كبيرة في مقابل تجديد التأشيرة والإبقاء عليها، كذلك يقوم أصحاب العمل، بانتظام، بمصادرة جوازات السفر والوثائق الشخصية المدنية ومن ثم يقومون بالمطالبة بمبالغ مالية لإعادتها للعمال ضمن أنماط مختلفة من الابتزاز. بالإضافة إلى ذلك، فإن رسوم التأشيرة لوزارة الشئون الاجتماعية بشكل عام تعتبر عالية نسبياً مقارنة بدخل المهاجر.
وعلى صعيد شخصي أكثر، طرق العامل المهاجر الهندي علي* باب أهلي في أثناء ذروة الاغلاق أثناء الجائحة. ففي الوقت الذي شهد العمال المهاجرون في مدن الكويت مثل جليب شيوخ حملات مداهمات مكثفة من قبل الشرطة، غالباً ما تتم بشكل عنيف، هرب علي وقطع مسافة 25 كيلومتر مشياً على الأقدام ليصل إلى المدينة التي أعيش فيها. كان صاحب عمله الأصلي قد سلّم جواز سفره وطلب منه إعالة نفسه، لأنه لم يعد قادراً على ذلك، وأنه لم يعد قادرا على دفع راتبه بعد الآن. ظل علي في منزلنا، يعمل في وظائف غريبة في عدد من المناطق في مقابل مبالغ بسيطة حتى تمكن في نهاية الأمر من إيجاد ما يمول به خروجه من البلد.
وتعتبر حالة علي، مقارنة مع حالات آخرين قمت بتسجيلها أو الكتابة عنها، من أخف الحالات. فالوضع بالنسبة للنساء كان الوضع أكثر إذلالا وعنفاً. فأن تكون المهاجرة في وضع غير نظامي فهذا يعني بقائها شهوراً في مراكز الترحيل قبل أن يتم تسفيرهن جواً إلى بلدانهن الأصلية، وفي أسوأ الظروف يتم إجبارهن على العمل دون دفع أجورهن أو دفعهن إلى مزيد من المخالفات القانونية. وفي طرف صاحب العمل، لم يكن كفيل علي أسوأ مثال، فكثير من أصحاب العمل تقاضوا من عمالهم مبالغ كبير نظير إعادة جوازاتهم وبطاقات هويتهم، وقاموا باتهامهم بالهروب للحصول على رواتب حكومية، أو ورطوا موظفيهم للعمل بشكل غير قانوني بدون أجر ضمن أنواع كثيرة أخرى من الاستغلال.
ولم يكن هناك أي إشارة في بيانات وزارة الداخلية، لالتزامات أصحاب العمل، أو مبادرة تقودها الحكومة ترشد العمال المهاجرين لما يمكن عمله في برنامج العفو هذا. وكان صاحب العمل، خلال تداخل نظام الكفالة سواء في القانون أو في المجتمع، تفويضاً مطلقاً لانتهاك حقوق العامل، وإعفاء أنفسهم من المسئوليات القانونية (المزعومة) الملزمة قانونياً. ولا يوجد أي سياسة وزارية تطالب صاحب العمل بتحمل مسئولياته، سواء أكان المتضرر عاملة منزل أجبرت على أن تكون في وضع قانوني والعمل بدون أجر، أو عامل في القطاع الخاص فُصل من عمله بدون سبب سوى بهدف تقليل التكلفة.
ومادامت الدولة والمواطنون، والوزارات وأصحاب العمل لا يرون في العمال المهاجرين سوى مكائن مكسوة باللحم، فلن تتمكن أية سياسة من معالجة المشكلة بشكل كلي. وبذلك ستظل هذه الفجوات القاتلة مفتوحة ولن تملأها سوى حيوات البشر.
* تم تغيير الأسماء لحماية العمال.
ترجمة: هناء بوحجي