في انتظار إعلان تفاصيل إصلاح نظام الكفالة الذي طال انتظاره في قطر، شعرت، ومعي آخرون ممن كنا نعمل على قضايا حقوق العمال المهاجرين في قطر على مدى العقد الماضي، بالحذر. فقد كنت أتابع المحادثات التي كانت تدور حول نظام الكفالة منذ منتصف العقد الأول من هذا القرن وقد رأيت خلال ذلك عدداً من المبادرات الكاذبة.
وظلّت الكفالة لعقود من الزمن هي المبدأ التنظيمي الرئيسي للعمال المهاجرين في دول الخليج. وبينما يتفاوت النظام قليلاً عبر دول المنطقة (يعتبر تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2017، مرجعاً مهماً)، إلا أن الكفالة في الأساس تعني أن وجود العمال المهاجرين في البلد مربوط بأصحاب عملهم، الذين يُمنحون درجات عالية من السيطرة على العمال. وهذا يتضمن تحديد ما إذا كان بمقدور العمال تغيير وظائفهم (شهادة عدم الممانعة)، أو حتى مغادرة البلد (تصريح المغادرة). إن نظام الكفالة يخلق خللاً كبيراً في ميزان القوى ما يضع العامل تحت رحمة صاحب العمل حتى فيما يتعلق بالحريات الأساسية، ولا يعد بمقدور العامل تحدى صاحب العمل في حالة تعرضه للإساءة. ويؤدي ذلك إلى العمل القسري والاتجار ولهذا السبب فهو موضع جدل منذ فترة طويلة.
وبالعودة إلى عام 2007، قارن رئيس وزراء قطر في تصريحه الشهير، الكفالة وتصريح الخروج، بالرق. وبعد ذلك بوقت قصير، وكدبلوماسي في الدوحة، رأيته وهو يدلي برد إيجابي عندما سُئل عما إذا كان سيتم إلغاءه قريباً – وفي اليوم التالي رأيت مانشيتاً في الصحف جاء فيه "رئيس الوزراء: تصريح الخروج للمغادرة ". فلم يكن إذا في طريقه للإلغاء. وفي عام 2009، سُرّبت للصحف مسودة راديكالية لقانون الكفالة الجديد – الأول كان يعود لستينات القرن الماضي – وأثارت هذه المسودة آمالاً جديدة حول إصلاحات جوهرية. لكن، عندما صدر القانون، كان مخيباً لآمال أي شخص يترقب أي شي أكثر من إضاعة الوقت.
وعندما فازت قطر بحق استضافة كأس العالم في 2010، سلّط ذلك الضوء العالمي المستمر على البلد لأول مرة في تاريخها. ويعني ذلك، أنها ستتعرض لأسئلة صعبة حول حقوق الانسان في قطر في وسائل الاعلام الدولية، وفي البرلمان، وفي مجالس الإدارة – على الأخص السؤال المتعلق بكيفية بناء الاستاد والبنية التحتية للبطولة، وأوضاع العمال المهاجرين الذين سيحقق عملهم النقلة المرتقبة للبلاد.
قبل العام 2010، كنت أبحث عن بحوث متعلقة بالكفالة في قطر، ولم يكن متاحاً سوى القليل منها. وقد تغيّر ذلك سريعاً، إذ نُشرت سلسلة من التقارير في وسائل الإعلام، وفي المنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، ومن قِبل خبراء الأمم المتحدة وذلك خلال الفترة من 2012 و2014، وجميعها توضح الانتهاكات التي يتعرض لها العمال المهاجرون على أيدي أصحاب العمل، فضلاً عن الطريقة التي تهيكل بها الدول الأنظمة، بما فيها نظام الكفالة، والتي تؤدي إلى مثل هذه الانتهاكات. (يجب أن أعلن أن اهتمامي هذا نابع من عملي على بعض هذه التقارير، وبعدها كباحث في منظمة العفو الدولية). تم تغيير السياق السياسي الخارجي لنظام الكفالة، ليخلق حوافز جديدة للحكومة ليُنظر إليها على أنها تسعى لمعالجة مشكلة الإساءة للعامل المهاجر.
ورداً على ذلك، كلفّت الحكومة محامين دوليين لإعداد تقريرها الخاص. إلا أنه كان من الصعب استيعاب نتائجها – فمن بين أمور أخرى، ذكر التقرير أن نظام الكفالة لم يعد أداة فعّالة للسيطرة على الهجرة" – ولذلك فقد تم ركنها بهدوء ولم تجد طريقها للنشر مطلقاً. عوضاً عن ذلك، بدأت الحكومة في عملية إصلاحات فاترة وصفتها مراراً وتكراراً وعلى مدى ثلاث سنوات على أنها "إلغاء لنظام الكفالة". وفي نهاية المطاف فإن كل ما أمكن تحقيقه هو إلغاء كلمة الكفالة من قانون البلد. أما النظام فقد ظل كما هو لم يُمسّ.
وفي الحقيقة، فإننا لم نشهد، سوى في الثلاث سنوات الأخيرة، دلائل على استعداد من جانب الحكومة لإصلاح الهياكل التي تؤدي إلى زيادة الانتهاكات المنتشرة. وفي ذروة الأزمة السياسية في 2017 مع جيرانها، وفي الوقت الذي واجهت فيه استفسارات محتملة من منظمة العمل الدولية ILO حول العمل القسري، أبرمت قطر اتفاق شراكة مع منظمة العمل الدولية. ومنذ العام 2017، ألغت، أخيراً، تصريح الخروج، وأدخلت إجراءات جديدة للعمال الذين يسعون للحصول على تعويض عن سرقة الأجور، ومررت قانوناً جديداً يمنح عاملات المنازل بعض الحقوق العمالية في القانون.
ويمثل قانون الكفالة الجديد الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي أكثر الخطوات التي تتخذها قطر، جدية، فيما يتعلق بحقوق العمالة المهاجرة حتى الآن.
وتعتبر حقيقة أن شهادة عدم الممانعة، سيئة السمعة – وهي المصطلح الفني الذي يوحي بأنه أمر جيد وغير ضار -قد أصبح من الماضي الآن، هي ما يمنح الأمل. فإذا ما استطاع العمال الانتقال بحرية أكبر إلى أصحاب عمل جدد، فإن ذلك سيقلل قبضة أصحاب العمل المسيئين، المحكمة، عليهم. ومن المهم الأخذ في الاعتبار أن عناصر الكفالة سوف تبقى – بما في ذلك تهم "الهروب" التي طالما استخدمها أصحاب العمل ضد العمال الذي يجرؤون على الشكوى. كما سيكون هناك حاجة لوجود مراقبة دقيقة وحثيثة لفترة اختبار العمال ومدتها 6 شهور، والتي يتوجب على أصحاب العمل الجدد أن يسددوا رسوم التوظيف لأصحاب العمل السابقون. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تبدو مهمة وتتقدم محاولات دول الخليج فيما يتعلق بتنقل العمالة بين الوظائف، للعمال المهاجرين.
فإذا، وفقط إذا، ما صاحب هذا التغيير إجراءات بسيطة على العمال اتباعها، وتطبيق صارم، فإن ذلك سوف يحقق تغييراً ملموساً لحقوق العمال. كما أنه سيصب في مصلحة الشركات المسئولة. وعلى أصحاب العمل الذي يحترمون حقوق عمالهم ويدفعون أجوراً لائقة، البدء باكتساب ميزة تنافسية. ذلك لأن خلق سوق عمل محلية من شأنه أن يوفر لهم فرصة توظيف العمال من داخل قطر، ما يوفّر عليهم التكاليف والتعقيدات التي ينطوي عليها التوظيف من الخارج.
ولا يجب أن يمنعنا هذا من الإشارة إلى أن حقوق العمال لا تبدأ من، وتنتهي عند الكفالة. فهناك قضايا متجذرة وخطيرة تواجه العمال. وعلى الرغم من وجود المسار السريع الجديد في المحاكم العملية، وصندوق التأمين على العمال الذي تسدد منه الأجور غير المدفوعة، فإن كلا هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية نشرا تقاريراً خلا الشهور الثلاثة الماضية حول تفاصيل حالاتٍ لسرقة الأجور على مستوى واسع. وسوف يصنع الحد الأدنى للأجور الذي أُعلن عنه الاسبوع الماضي، الفرق فقط إذا ما تم ضمان حصول العمال على هذه الأجور. وفي الوقت الحالي، يكاد يكون دفع العمال لرسوم التوظيف وهو غير قانوني منتشراً إلى حد كبير، كما أن النقابات العمالية لاتزال محظورة، وأخيراً، فإن قطر، مثل كل باقي دول الخليج تواصل حجر نشر البيانات حول أعداد وأسباب وفاة المئات من العمال المهاجرين الذين يلقون حتفهم فيها سنوياً. وهناك دلائل على أن الكثير من حالات الوفاة يتم تصنيفها على أنها "لأسباب طبيعية" و "سكتة قلبية" بدون إجراء تشريح للجثث، تعزى للإجهاد الحراري المحتمل أن يكون ناجماً عن العمل في أوضاع قاسية للغاية.
ومنذ ما يقارب العقد، يشجع المناصرون قطر على استغلال اللحظة، وهي تحت الأضواء لتقود الطريق في المنطقة، ولتصنع نموذجاً لما هو ممكن. إن هذا الإصلاح الأخير، في رأيي، هو الإشارة الأولى الملموسة التي مكن أن تختارها للسير في ذلك الطريق. وستخبرنا الشهور المقبلة ما إذا كانت الحكومة سوف تبقي على طموحها من هذا الإصلاح وتُتبِعُه بآليات التنفيذ لحماية حقوق، وسلامة، ورفاه العمال الذي كانوا دائما جزءاً مهماً من اقتصاد قطر ومجتمعها.