لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

الحد الأدنى للأجور، والأقصى للتعديل

آراء العمال في قطر حول ما إذا كان الحد الأدنى للأجور يكفي للمعيشة

في 27 أكتوبر 2020

في 30 أغسطس 2020، أعلنت قطر عن إصلاحين لقانون العمل ولنظام الكفالة. الأول، إلغاء شهادة عدم الممانعة السيئة السمعة، والتي هي في الأساس، عبارة عن وثيقة تُعطى من صاحب العمل الحالي وتمنح الموافقة على تغيير الوظيفة. وقد كان هذا الإعلان كبيراً للدرجة التي لم أصدقه.

جزئياً، بسبب التوثيق السابق والحالي للانتهاكات، والتردد الذي لا يمكن تفسيره في تنفيذ تغيير حقيقي، وايضاً لأنني سمعت عن هذا الإعلان من خلال صديق – ونسبت ذلك للإشاعات والتمني بين النفوس اليائسة والمنهكة. 

وكان الإعلان الآخر عن الحد الأدنى للأجور غير التمييزي (يدخل حيّز التنفيذ في مارس 2011) وهو ما سأتناوله بعمق. وقد تم تحديد الحد الأدنى للأجور عند مستوى 1000 ريال قطري (275 دولار أمريكي)، مع إضافة 300 ريال قطري (55 دولار أمريكي) كبدلٍ للطعام إذا ما كانت شركة لا توفّر الطعام، و500 ريال قطري (137 دولار أمريكي) بدلاً عن السكن، إذا ما كانت شركتك لا توفر السكن. 

أعتقد أنه لا بأس بذلك كمقياس وإظهار الالتزام. ولكن عملياً، فإنه لا يُحدث أي تغيير بالنسبة للغالبية العظمى من العمال الذين تبلغ أجورهم، فعلياً، 1000 ريال قطري وأكثر. ولكنه في الوقت نفسه مقياس جيد جداً لآخرين هم أكثر عرضة لسرقة الأجور، والإساءة، مثل عاملات المنازل، والصيادين، والعاملين في محلات البقالة الصغيرة والكافتيريات، والمنظفين، والمساعدين وغيرهم.

وبالنسبة للعديد من الجنسيات، بسبب الاتفاقات الثنائية بين الحكومات، فإن الحد الأدنى للأجور أعلى بكثير مما أُعلن عنه الآن. 

وعلى الفور يتضح أن هناك الكثير من الأخطاء التي تنطوي عليها هذه الأرقام. فالأجر الأساسي منخفض، برغم أنه في قطر أعلى مما هو عليه في الكويت، وهي الدولة الوحيدة التي تطبق الحد الأدنى للأجور في الخليج. أما الامارات، التي رغم أنها تفتقر لوجود حداً أدنى للأجور، فيوجد لديها رواتب أعلى لوظائف مشابهة تقريباً. 

كما أن بدل الطعام وقيمته 300 ريال يعتبر منخفضا، إلا في حال وجدت الوقت لتتبع عروض السوبر ماركت، والإنفاق بحرص شديد (وتواريخ الصلاحية). وكانت الأسعار قد شهدت ارتفاعاً كنتيجة للحصار الناجم عن أزمة الخليج في 2017، وهذا المبلغ بالكاد يكفي للمحافظة على قدر كافٍ من الغذاء الصحي. وهذا أيضاً يأخذ في الاعتبار أنك تملك ثلاجة. فمبلغ 300 ريال قطري كبدل للطعام، يعني أن عليك أن تطبخ في كل مرة وجبة جديدة. دعونا لا نتوغّل في الأمر أكثر من ذلك... 

"ومع ذلك، فـ (ربما) يكون ذلك أكثر تأثيراً على عاملات المنازل والعاملين في قطاع التنظيف. فأنا أعرف عامل نظافة من بنغلادش، تم التعاقد معه بالباطن من قبل شركة سكك الحديد القطرية، ويبلغ أجره 800 ريال قطري (220 دولار أمريكي)."

وأخيراً، 500 ريال قطري للسكن؟ في قطر؟

إليكم فيما يلي، ما كان على زملائي وأصدقائي قوله.

يقول روبرت، وهو حارس أمن من أوغندة، "لن يحدث ذلك أي فرق. فهذا هو ما نكسبه فعلاً. وعلى أية حال فإن غالبية العمال يكسبون 1000 ريال قطري وأكثر. وأضاف: "ومع ذلك، فـ (ربما) يكون ذلك أكثر تأثيراً على عاملات المنازل والعاملين في قطاع التنظيف. فأنا أعرف عامل نظافة من بنغلادش، تم التعاقد معه بالباطن من قبل شركة سكك الحديد القطرية، ويبلغ أجره 800 ريال قطري (220 دولار أمريكي)."

قرأت من قبل وسمعت عن مثل هذه الأشياء الصادمة. لكنها تنال مني في كل مرة. فملامح وجهي تدل على ذلك مما يدفعه للإعادة: نعم، ما سمعته صحيح. 800 ريال قطري."

وعندما سألته عن علاوة الطعام، اجابني "أنها ليس كافية على الإطلاق، خاصة إذا لم يصاحبها توفير تجهيزات أخرى كالغاز والتبريد. فأنت تحتاج على الأقل 500 ريال قطري لتغذي نفسك هنا". ويخشى أن تجعل الشركات خدمات تقديم الطعام إجبارية، مما سيكون أرخص بكثير من إعطاء الموظفين مبلغ 300 ريال قطري، وتوفير غاز الطبخ، وثلاجات ولوجستيات تلبية معايير الجودة والسلامة للمطبخ. وفي حين تسلّمه شركته بدل طعام بقيمة 200 ريال قطري، إلا أنه مطلوب منه أن يدفع 240 ريال قطري (الحزمة الأساسية) مقابل ما يمكن الحصول عليه من الطعام في كافتيريا معسكر سكن العمال. 

"بالنسبة إلى بدل السكن، فإن أكثر ما يمكن أن توفره لك هو مساحة السرير خارج مساكن الإقامة الخاصة بالشركة، وهي أساساً تشبه المتوفر ولكن في مكان آخر. فهذه العلاوة ليس لها معنى"

يقول جاشوا، وهو أيضاً من أوغندة: "إنها خطوة جيدة، ولكن..."، يسرح قليلاً ويعاود القول: “خطوة جيدة ولكنه منخفض إلى أدنى حد. وبسبب الآثار الاقتصادية للحصار، فإن دخول العمال تأثرت كثيراً بارتفاع أسعار السلع التي نحتاجها لنعيش. إلى الدرجة التي لم يتبق لدى العمال أي مبلغ للادخار. هذا (الحد الأدنى للأجور) أقل بكثير من المتوقع. 

وتقول لونا من كينيا، وعملت في قطر لنحو 5 سنوات: "لا، أنه ليس كافياً، فالمعيشة في قطر غالية جداً." وخلال أول سنتين من قدومها، عملت في منزل حيث يبلغ أجرها 900 ريال قطري شهرياً. وهي لم تتسلم اصلاً أي أجر لمدة ثلاثة أشهر لأنها كانت في "فترة التجربة والاختبار". وفي الوقت نفسه، فإن وكالة التوظيف التي جاءت من خلالها طلبت منها أن تدفع 1000 ريال قطري، رسوماً للتوظيف، إلا أن صاحب عملها أخبرها أن جميع المصاريف قد دفعت في وقت سابق. مما دفعها لقطع جميع قنوات الاتصال مع وكالة التوظيف. وبعدما أنهت مهمتها الأولى، سبحت عكس التيار، وطالبت بالحصول على "تأشيرة حرة" (غير نظامية)، مما، كما تقول، يمنحها قدرة على المساومة على الأجور فيما تقوم بالأعمال المنزلية بشكل مستقل. 

وفيما تتمنى أم لطفل عمره 10 أعوام لو كان بمقدورها أن تجعل طفلها ينضم لها، تقول: "إنه جهد جيد مع ذلك، لأنه يظهر أن هناك من يهتم لأمر العمال، ولكن مع الأخذ في الحسبان جميع المصروفات، فإن مبلغ 2000 ريال قطري كحد أدنى للأجور سيكون أكثر عملية. إن الطعام والسكن غالي إلى درجة كبيرة، والعلاوة الممنوحة لن تغطيه."

ولكن، هل يعني هذا حقاً نهاية لاستغلال عاملات المنازل؟ أولاً، فإن الأمر يعود لهن إن كان بمقدورهن تحمل ذلك، والإساءات الأخرى. فالبعض لا يعرف قانون (العمل) بالتالي فلا يمكنهم الحديث بثقة عندما تحدث مثل هذه الأشياء. ومع ذلك، فليس جميع العمال لديهم المعرفة، واللغة أو الشجاعة للتحدث بصوت مسموع والمخاطرة بوظائفهن. فلونا التي خاطرت بالوقوف في وجه صاحب عملها السابق، تنوى البقاء في قطر لخمس سنوات أخرى، أو أكثر. فهي ليس في عجلة من أمرها لتغادر بعد، إذ لا توجد فرص عمل في بلدها.

فلديهم [الحكومة] طرقاً لمتابعة أشياء أخرى (مثل صلاحية التأشيرة وبطاقات الهوية القطرية)، وهم على علم حتى بقيمة التحويلات المالية التي يبعثها العمال لذويهم في أوطانهم. وسيستمر استغلال العمال من قبل أصحاب العمل مالم تتابع الحكومة التطبيق بالتزام صارم."

من الأوراق إلى الممارسة

ومن الأشياء الأخرى التي يستنكرها جاشوا، العائد إلى أوغندا، هو تطبيق الحكومة من عدمه، خصوصاً فيما يتعلق برفاه الموظفين والأجور. وعن ذلك يقول: "قبل الإعلان كان الحد الأدنى للأجور 750 ريال قطري، ولكن كم شخص كان بمقدوره الحصول حتى هذه المبلغ؟ فالشركات كانت تدفع أقل كثيراً من هذا المبلغ، ولم تفعل قطر شيئاً حيال ذلك. برغم أنهم يعلمون ما يحدث. فلديهم [الحكومة] طرقاً لمتابعة أشياء أخرى (مثل صلاحية التأشيرة وبطاقات الهوية القطرية)، وهم على علم حتى بقيمة التحويلات المالية التي يبعثها العمال لذويهم في أوطانهم. وسيستمر استغلال العمال من قبل أصحاب العمل مالم تتابع الحكومة التطبيق بالتزام صارم." ولدى جاشوا خمسة أبناء أكبرهم في المرحلة الثانوية وتبلغ رسوم مدرسته 1000 ريال قطري للفصل الواحد، وثلاثة منهم في المرحلة الابتدائية وتبلغ رسوم كل منهم 700 ريال قطري لكل فصل، وطفل في مرحلة الحضانة. ويعتمد على كل شخص يعمل في قطر، ما بين 5 إلى 8 أشخاص في الوطن – الزوجة والأبناء والوالدين. ولا يعتبر الحد الأدنى للأجور في قطر أجراً يكفي للعيش في قطر، وإنما لا يغطي جميع نفقات المعالين من قبل العمال "في أوطانهم"، ويسمح بالادخار-وهو الهدف الرئيسي من وراء الهجرة لأغلب المهاجرين. 

ومضى يقول إن أماكن الإقامة "مكتظة" فيما التفتيش الحكومي غير فعال إلى درجة مضحكة. فإلى أي درجة تتوقع فعاليتهم عندما يعطون إخطاراً مسبقاً قبل قدومهم؟ فذلك يعطي للشركة متسعاً من الوقت لترتيب المكان، وكنس الأشياء وإخفائها تحت البساط وإنشاء واجهة جاهزة لموافقة من يسمّون بـ “المفتشين". 

مفاجأة. عمليات تفتيش – إلى متى وإلى أي درجة سيكون ترديد ذلك بصوت مسموع؟ لا بد من أن تقوم بمفاجأة هذه الشركات وضبطهم على حين غفلة منهم. يعلم كل من فنيي الطوارئ الطبية والشرطة ما يدور. فهم يستجيبون لمختلف حالات الطوارئ والأوضاع في معسكرات سكن العمال دائماً. ومع ذلك، بطريقة ما، فهم يبقون على عدم مبالاتهم بالاكتظاظ، وانتشار بق الفراش، والأوضاع القذرة والخطرة وغير اللائقة. أتفهم عدم مبالات فنيو الطوارئ الطبية، ولكن الشرطة؟   

"لو كان تغيير الوظائف أسهل وأسرع، لاحترم أصحاب العمل دفع الأجور، ولوفّرا أماكن إقامة أفضل، وأوضاع معيشية أفضل بشكل عام. فحينها ستنشأ المنافسة وسيستبقى العمال من يدفعون رواتب أفضل ويحافظون على رفاهية العمال." وقد يقود إلغاء شهادة عدم الممانعة إلى تحقق ذلك." 

اعتاد رام النيبالي على العمال في محل للأزياء قبل أن يجعله كوفيد 19 عاطلاً عن العمل. ويقول: "إنها جهود عظيمة من قِبل الحكومة، لكن لا بد من أن نشهد عملية التطبيق وأيضا الفعالية. فهذه ليس المرة الأولى لمثل هذه التغييرات، ويتم تمرير القوانين. فالتطبيق لم يكون يوماً فعالاً. سيستفيد العمال المهاجرين من ذوي الدخول المتدنية، والأوضاع الأكثر هشاشة من ذلك، لكن الأمر ستطلب وجود نظام حماية الأجور، ومتابعة حثيثة، وعقوبات كبيرة ضد المخالفين، ليكون القانون الجديد فعالاً."

ومن جانبه يقول النيبالي تانفير، الذي يعتبر محظوظاً لأنه لايزال يعمل: "أعتقد أن هذا القانون سيحل محل نظام الأجور التقليدي، التمييزي، غير العادل والقائم على الجنسية، وهذا سيكون أمراً رائعاً بالنسبة للموظفين لضمان المساواة في الأجور للعمال من مختلف الجنسيات. ومع ذلك ستكون هناك فرصاً أكبر لاستغلال العمال المهاجرين من خلال الخداع في عملية التوظيف في بلدان المنشأ حيث سيكون لدى وكالات التوظيف، الآن، قدرة على المساومة، وبإمكانها أن تقدم وعود كاذبة للمهاجرين الطامحين لذلك، بفرض رسوما باهضه خصوصاً إذا ما كان أصحاب العمل يفتقرون للقيم. وبذلك، "فإن (الحد الأدنى للأجور) ليس كافياً! إذ لابد من أن يحتسب على أساس تكلفة المعيشة في دول المقصد. لذلك فأنا أعتقد أن الأجر المعقول يكون في حدود 2500 ريال قطري (687 دولار أمريكي). 

وعندما سألت سايمون، وهو حارس أمين من كينيا عن التغييرات في الحد الأدنى للأجور، أجاب أن "المبلغ ضئيل جداً" هو أول ما تبادر إلى ذهنه. ويكدح سايمون في مشروع مشيرب داون تاون الدوحة، فيما يشبه العبودية لمدة 12 ساعة يومياً. ويكسب سايمون 1250 ريال قطري (340 دولار أمريكي). دفع قبل مجيئه 4400 ريال قطر (1200 دولار أمريكي) للحصول على الوظيفة، وأنفق 1100 ريال قطري إضافية على المصروفات ذات العلاقة. يقول سايمون: “لا يوجد فرق بالنسبة لنا (حراس الأمن). كان يجب عليهم تحديد التفاصيل مثل ساعات العمل، وأوضاع العمل... أشياء من هذا القبيل. عندما تأخذ بدل الطعام والسكن، ولا يؤخذ، أبداً، في الاعتبار العمال الإضافي الذي نقوم به، نحن نعمل بجد، ونضطر لتنقلات طويلة، ونقضي ساعات طويلة في موقع العمل، نتعرق بغزارة في هذا الطقس الحار ونعاني من القلق والإجهاد... نحن حتى لا نتغذى بشكل جيد." 

"فأسعار الطعام أعلى بسبب الحصار، والآن بسبب الكورونا. وبرغم أنك عندما تطبخ لنفسك تحتاج على الأقل 400/500 ريال قطري، إلا أن ذلك يعتبر خياراً أفضل بكثير من الطعام الذي تقدمه الشركة. فاضطرابات المعدة أصبحت أمراً اعتيادياً، كما تم نقل الناس الى المستشفى بسبب ذلك الطعام."

بسخرية أقول: "لكنهم بالتأكيد يقولون إنه أعلى حد أدني للأجور في الخليج، أعلى حتى من الكويت، وهي الدول الوحيد الأخرى التي لديها حد أدنى للأجور. “فيما يتساءل:" الرواتب في الإمارات أعلى-وهم لا يحتاجون كأس العالم ليقوموا بذلك. قطر تقوم بذلك فقط بسبب الكأس. فقط تخيل لو لم يكن هناك كأس العالم، ما مدى السوء الذي كانت ستكون عليه الأوضاع هنا؟ 

"أن الـ 300 ريال قطري المخصصة كبدل للطعام ليست كافية. فأسعار الطعام أعلى بسبب الحصار، والآن بسبب الكورونا. وبرغم أنك عندما تطبخ لنفسك تحتاج على الأقل 400/500 ريال قطري، إلا أن ذلك يعتبر خياراً أفضل بكثير من الطعام الذي تقدمه الشركة. فاضطرابات المعدة أصبحت أمراً اعتيادياً، كما تم نقل الناس الى المستشفى بسبب ذلك الطعام. كما أنني أنفق مبالغ إضافية على شراء المياه المعدنية، لأن مياه الشرب التي توفّر لنا، بصراحة، غير آمنه. هل تسنّى لك رؤية المرشحات القذرة؟" كل هذا أتفق معه بالتأكيد. 

بعد ذلك، سألت عن بدل السكن. فقال:" بالنسبة للمبتدئين، هناك خصوصية أكبر في العيش باستقلالية، خارج أماكن الإقامة..."لكنني اشك أن يكون حقاً يعرف ما تصل إليه إيجارات العقارات في هذه الدولة. أروي له، أنني قد حصلت، ذات مرة على عرض لوظيفة في شركة إعلامية معينة في 2019. وعرضت علىّ الشركة المذكورة راتباً يبدأ بـ 6000 ريال قطري (يؤلمني فقط التفكير في الموضوع)، وكنت أنا، بكل أمل أفكر في مكانين يمكنني الانتقال اليهما، بعيداً عن الغرفة المكتظة بثمان أشخاص، التي كنت، حينها، أقيم فيها. وفي ذلك الوقت كان من الممكن أن يكلفني الانتقال للعيش في استديو وهو منزل بغرفة نوم واحدة، بسيط وليس شيئاً فاخراً، نحو 2000 ريال قطر شهرياً. أما الآن فإن البحث عن مكان ليسمي بيتاً يكشف عن أن معدل الايجار يصل إلى 750 ريال قطري لـ "مساحة سرير مؤثثة بالكامل" – في غرفة مشتركة، أفضل نسبياً من مساكن العمال وإن كانت تشبهها في خلوها من الخصوصية. 

وفي ضوء هذه المعلومات الجديدة، يقهقه قائلاً: “إذن من الاستحالة أن تكون هذه العلاوة كافية. وأنت أيضاً لم تأخذ في الحسبان فواتير الكهرباء والماء والمواصلات..."

ماذا تبقى للادخار؟

وأسال، بعد المصروفات الشخصية، عن التحويلات. "أتمنى أن تكون هناك طريقة لتفصيل تكاليف التحويلات على حسب دخلك. فليس من العدل أن تدفع رسوماً عندما ترسل 1000 ريال قطري أو أقل، كالتي يدفعها من يرسل 5000 آلاف ريال قطري. خصوصاً عندما يكون سعر الصرف منخفضاً. الرسوم يجب أن تكون مفصلة على احتياجات العمال. كما أن محلات الصرافة بعيدة جداً عن مساكن العمال، يكلفنا ذلك مالاً في كل مرة نذهب إلى هناك."

ولكن لما لا تُستخدم المواصلات العامة؟ قد يتساءل البعض. بطريقة المواصلات هذه (حافلات كروة) أنت تضحي بالوقت من أجل المال. فمشوار الـ10 دقائق، يتحول بسهولة إلى نصف ساعة في الشارع. أنها ليست على كفاءة عالية، بالتأكيد لن أوصى بها إلا إذا ما كان الوقت غير مهم لك. وقد يكون المترو مثالياً لهذه الخدمات في مثل هذه المناطق، لكن لأسباب واضحة لقطر، لم تقام أية محطات للقطار في المنطقة الصناعية. 

وقال أحد المهاجرين وهو أب لطفلة عمرها عامين:" فقط للتوضيح، أنا ممنون جداً لفرصة العمل وكسب المال هنا، ففي الوطن لا توجد فرص عمل. ومع ذلك، فإن قطر تتبع سياسة " اقبل بالموجود أو عُد إلى وطنك". لا أحد يهتم بنا لأننا مؤقتون وقابلون للاستبدال". ويضيف بفخر: "أنها أذكي بكثير من عمرها"، فهي تشكل عاملاً محفزاً له؛ وهي السبب في عدم استسلامه لليأس من العمل في قطر. إن إعالتها وزوجته، بالإضافة إلى الادخار لإدخالها (ابنته) إلى المدرسة تعتبر أول أولوياته عندما يكسب المال. إنه يخصص كل ما بوسعه، وأغلب الأحيان بتأجيل أولويات مصروفه الشخصي وطموحاته. ولا يوجد مجال حتى لذكر مسألة الادخار. 

وتقول بيل، وهي عاملة منزل فلبينية، وقائدة مجتمعية وإدارية لمجموعة عاملات المنازل على الفيس بوك: "ليس هناك فرق، حقاً؟ فعاملات المنازل يحصلن على هذا المبلغ فعلاً. أنا أعرف من يكسبن 2000 ريال قطر (550 دولار أمريكي). لست متأكدة كيف يمكنهم (الحكومة) تطبيق ذلك للموجودين هنا أصلا. ربما يصلح لأولئك القادمين إلى قطر بعقود جديدة."

وقال موظِّف لعاملة منزل فلبينية:" نحن في قطر ندفع 2000 ريال قطري شهرياً، وهي تقول إن هذا غير كافياً. فلك أن تتخيل ماذا ستقول عن 1000 ريال شهرياً. ربما تضحك وتعتبر ذلك نكته". ماذا عن ذلك؟ أن يكون صاحب العمل هو من يقر بأن "التغييرات المهمة في الحد الأدنى للأجور" أمراً مضحكاً!

تقول عاملة المنزل الكينية، روث: "شخصياً، أرى أن هذا المبلغ غير كافياً، لأنك لو قمت بالبحث، فستجد أن 80% من عاملات المنازل هن أمهات عازبات تركن أطفالهن في رعاية والديهن. وإذا لم يكون الوالدين في الصورة، فإن هذه المسئولية تقع على عاتق اخوتهن وأخواتهن، وبذلك يكون على المرء أن يقوم بتلبية كل احتياجات تلك الأسرة. فهم يرون "أننا نهتم بأطفالكِ، وعليك أن تهتمي بنا أيضاً. في نهاية الأمر، فأنت تذهب للبحث عن ضفة عشبها أكثر اخضراراً ..."

"إنهم لا يعرفون التحديات التي يواجهها الناس هنا، وأهمها الأجر المنخفض." تقول بعد توقف لبرهة: "1000 ريال قطر؟ هل هذا معقول؟ الأشياء تتغير يوما بعد يوم، أسعار السلع آخذه في الارتفاع. من الصعب العيش بـ 1000 ريال قطري، خصوصاً عندما تفكّر في المسئوليات التي تنتظرك في الوطن. أنه غير ملائم على الاطلاق، ربما كان يجب أن يحددوه عند مستوى 1500 ريال قطري. تخيل التالي: عاملة منزل تقطع كل هذه المسافات من أجل الحصول على حياة أفضل. وبذلك فعليها أن تدخّر، وأن تلبي احتياجات أطفالها، وكل طلبات الأسرة في الوطن، كما أن عليها الإنفاق على تلبية احتياجاتها الشخصية، وفي نهاية الأمر...." تتنهّد فيما صمتها يبوح بالكثير. 

"إذا جلسنا، وأخبرتني بإحضار السيدات الهاربات، فإن جميع القصص التي سوف تستمع اليها سوف تدور حول مدى عدم كفاية أجورهن، خصوصاً عندنا تضع في الاعتبار رسوم المدارس، والإعالة والاقارب... الخ" 

*تم تغيير جميع الأسماء لحماية هوية من تمت مقابلتهم.