لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

من المدينة الحرة إلى الأسر

نساء سيراليونيات تعرضن للاتجار في عُمان بانتظار الانقاذ

في 6 ديسمبر 2020

تعاني أكثر من مائة امرأة من سيراليون تقطعت بهن السبل في عمان، في سبيل الحصول على مأوى آمن ريثما يعدن إلى بلادهن. غالبية هؤلاء عملن كعاملات منازل وتعرضن لخداع في التوظيف، والعمل القسري وأشكال أخرى من الإتجار. البعض منهن في حالٍ من اليأس لمغادرة أصحاب العمل ممن تعرضن لمعاملة سيئة على أيديهم، فيما البعض الآخر ممن تركن أصحاب العمل فعلاً محشورات في شقق متصدعة حيث يتعرضن للتهديد لإخلائها بشكل مستمر. وتعيش مجموعة مكونة من 20 منهن في الشوارع في مقابل وزارة الموارد البشرية لعدة أسابيع على أمل، لم يتحقق حتى الآن، في لفت انتباه السلطات. ومع عدم وجود سفارة لدى البلاد، ولقلة مواطنيهم ممن لديهم امتياز أو إمكانية الوصول إلى عمان – لا يوجد لهؤلاء النساء نظام دعم مضمون للحصول من خلاله على الطعام والمأوى الآمن، ناهيك عن تذاكر العودة إلى الوطن. 

و تعفي عُمان، من الرسوم والغرامات، العمال المهاجرين الذين يغادرون البلاد حتى 31 ديسمبر 2020، بمن فيهم العمال المتهمين في قضايا هروب، إلا أن عملية التقديم للاستفادة من ذلك، تحتاج إلى وثائق سفر. وفي حالة هذه المجموعة، فإن أصحاب العمل قد صادروا جوازات سفرهن برغم أن ذلك غير قانوني بموجب القانون العماني. وبدون جوازات السفر، وفي ظل عدم وجود سفارة لتستكمل إجراءات السفر ووثائق السفر الطارئة، فهن غير قادرات على الاستفادة من فترة السماح والعفو.  كما أن جميع الوثائق المطلوبة يجب توفيرها من قبل السفارات في الدول المجاورة مثل السعودية والإمارات، وهي الغالب تستغرق وقتاً طويلاً. 

" لديّ كل الحق لتقديم شكوى ضد الوكيل الذي رتب لمجيئي، والذي قام بالاتجار بي من بلدي وجاء بي إلى هنا، إلى هذا المكان القاتل المليء بالشر. إنه الجحيم. "

الاحتيال والعمل القسري 

تحدثت النساء اللاتي التقيناهن عن قصصاً متشابهة حول الخداع والاستغلال، فغالبيتهن لم يكنّ على علم بأنهن سيعملن كعاملات منازل في منازل خاصة. وقال إيمي* التي وصلت في يناير 2020، أن شركة التوظيف أخبرتها بأنها سوف تعمل في فندق لمدة ستة أشهر، وسيكون بإمكانها العودة إلى سيراليون لاستكمال دراستها. ولكن ما أن وصلت إلى المطار، حتى أخبرها صاحب العمل أنها ستعمل في منزله ولن يكون في مقدورها رفض أي عمل يُطلب منها تأديته. ولم يُدفع أجرها لمدة ستة أشهر، وعندما طالبت براتبها، صادر صاحب العمل وثائقها وطردها من المنزل. 

"أصبحت الحياة سيئة جداً بالنسبة لنا، كنا ننام في الشارع، وعملنا بدون أجر. فإذا تحدثت وقررت السؤال عن راتبك سوف تتعرض للضرب ومن ثم طردك إلى الشارع. ولا يمكننا أن نرد عليهم بالمثل، فليس لنا حقوق هنا، وليس لدينا سفارة... حتى وإن قاموا بقتلك، فلن يكون هناك من يتصدى لحقوقك، ولذلك قررنا التزام الصمت."

وتسرد أميناتا* قصة مشابهة. فمكتب التوظيف أخبرها والأخريات معها أنهن سيعملن في قطاع الضيافة – في صالونات، ومطاعم، وفنادق. كذلك وُعدت نساء أخريات بوظائف يستفدن فيها من خبرتهن، وقدمت لهن فرص العمل في الخارج على أنها استثمار في حياتهن المهنية. وتقول إنه ما أن وصلن إلى المطار حتى تمت مصادرة وثائقهن وتم ارسالهن إلى أصحاب عمل للعمل في منازل خاصة ويتوقع منهن العمل على مدار الساعة مع رفض رفع أجورهن. وتضيف: “ما أن تطلب راتبك حتى يقومون بضربك.". 

غالبية هؤلاء النساء وصلن إلى عُمان في الفترة ما بين 2019 ومطلع 2020، والبعض منهن وصلن، مباشرة، قبل إغلاق الحدود بسبب الجائحة. ولم تكن أيٍ ممن تحدثنا اليهن جاءت عن طريق القنوات الرسمية، البعض منهن ذهبن بالسيارة إلى غينيا، ومن هناك انتقلت بالطائرة إلى السنيغال ومنها إلى عُمان. لم يدفعن رسوم توظيف، ولكن قيل للبعض أن راتبهن الأول سوف يخصص لاسترداد تكاليف التأشيرة وتذكرة السفر. البعض الآخر فوجئن أن أجورهن لعدة شهور الأولى كانت تُدفع مباشرة لشركات التوظيف. 

ويبدو أن شركات التوظيف تعود لوكلاء غير مسجلين ويعملون في جميع أنحاء المنطقة. كانت أميناتا خريجة جامعية عاطلة عن العمل عندما تواصلت مع وكيل التوظيف من خلال صديق. وكان الرجل (الوكيل) يعمل مع زوجته التي تقيم حالياً في الكويت. وعندما وصلت إلى عُمان وأصبح واضحاً أنها كانت ضحية للكذب، حاولت عائلتها الاتصال بالوكيل ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك. وقاموا بتقديم شكوى للشرطة، ولكن لم يتم تعقبه حتى الآن. 

تقول إمي أنها أيضا جاءت إلى عُمان من خلال زوج وزوجته آخرين، واللذين تقول إنها مصرة على تقديمهما للعدالة. " لديّ كل الحق لتقديم شكوى ضد الوكيل الذي رتب لمجيئي، والذي قام بالاتجار بي من بلدي وجاء بي إلى هنا، إلى هذا المكان القاتل المليء بالشر. إنه الجحيم. عاملني الكفيل معاملة سيئة، لكن الخطأ كله يعود إلى وكيل التوظيف الذي كذب عليّ. كذب عليّ بشأن العمل، وكذب على بشأن راتبي. سأحرص على أن أجعلهم يعيدون المال لي فور عودتي إلى بلدي. 

وتقول هذه النساء أنهن لم يقمن بتوقيع عقوداَ في سيراليون، وعديدات منهم قلن إنهن لم يكنّ حتى على علم أنهن سيذهبن إلى عُمان. وكان الطريق بين عُمان والإمارات قد عرف بأنه شهد الاتجار بعاملات المنازل ممن يصلن إلى الإمارات ومن ثم يتم نُقلن عبر حدود عُمان. بعض النساء ممن تحدثن اليهن جئن إلى الإمارات بتأشيرة زائر وبدون تصريح عمل عماني الأمر الذي عقّد خروجهن أكثر. 

محنة المهاجرين الأفارقة

تقطعت السبل بعدد من النساء النيجيريات اللاتي يواجهن مصاعب مشابهة في سبيل العودة. وتقول منظمة العمل ضد الهجرة العمالية غير النظامية، نيجيريا، أنهم تسلّموا شكاوى حول سرقة الأجور وانتهاكات، وأن هناك مالا يقل عن 30 امرأة غير قادرات على العودة إلى بلادهن بسبب رفض أصحاب العمل شراء تذاكر سفرهن، برغم اكمالهن فترة العقد. ولا يوجد سفارة لنيجيريا في عُمان، الأمر الذي يترك النساء بدون أي مصدر للدعم. وكانت إحداهن ممن حصلن على مساعدة من MR قد عانت من مشكلة جلدية شديدة بسبب الافراط في العمل وعدم الحصول على العلاج الطبي اللازم. ولم يُستمع لمناشداتها للعودة إلى وطنها حتى تدخل طرف ثالث بمناشدة صاحب العمل.

وبحسب منتدى الصحافيين الدولي للمهاجرين (JIFORM)، فإن هناك نحو 500 امرأة تقطعت بهن السبل في عُمان واليمن ودول أخرى في المنطقة حتى مطلع نوفمبر. والمعروف أن العمال المهاجرين من القارة الأفريقية يعانون من قلة المصادر الداعمة لمواجهة احتيال التوظيف والاستغلال العمالي في جميع دول الخليج. ويعتبر التوظيف من هذه الدول حديث نسبياً وأقل تنظيماً من نظرائها الأسيويين، ويتركّز العمال في المهن متدنية الدخل، وتفتقر السفارات إلى وجود قوي في هذه الدول. 

 

الإساءة على جميع المستويات

وبعيداً عن الاحتيال والخداع في التوظيف، فإن أكثر الشكاوى مرتبطة بالأجور غير المدفوعة، والعمل المفرط، والتحرش الجنسي ونقص الرعاية الطبية. 

قالت بينتا* أنها كانت تعمل باستمرار وكانت تُطعم من بقايا الطعام. "كنت أرعى الأغنام، والبقر، والحدائق، كنت أقوم بكل شيء." تتذكر عندما كانت تشتكي أنهم أخذوها إلى مكتب وكالة التوظيف، وهناك قاموا بضربها وحبسوها في داخل حمام لمدة أسبوع. بعد ذلك عادت إلى منزل صاحب العمل لتواصل العمل بدون أجر. 

"التحرش الجنسي اليومي، الإساءة، الصراخ في وجهي، كنا أبكي كل يوم، لكن لم يكن ذلك يهمهم. يبدوا أنهم لا يخشون أحداً، أنا لست إنساناً عندما أتحدث".  

كانت أميناتا مرهقة بسبب العمل المفرط، لدرجة أنها أصيبت بمشكلة صحية حادة وبدأت تسعل دماً. قالت إنها كانت في السابق امرأة شابة تتمتع بصحة جيدة، إلا أن تعرضها للماء البارد للتنظيف بشكل دائم أدى إلى مرضها. ورفض صاحب العمل أخذها إلى المستشفى، ومع مغادرتها المنزل الذي تعمل لديه لم يكن بوسعها الحصول على المعالجة من المستشفى بسبب أن وضعها الآن أصبح غير نظامي. 

" فإذا تحدثت وقررت السؤال عن راتبك سوف تتعرض للضرب ومن ثم طردك إلى الشارع "

وفي السياق نفسه قالت حليمة* إنه لم يكن العمل ولا الراتب هما ما توقعتهما. كان صاحب العمل يضربها ويتقرب منها جنسياً. وقالت "أنه تم انقاذها من قبل أختها" في الوقت المناسب تماماً. 

وفي عُمان، لا يوجد أي نوع من خدمات الإنقاذ لعاملات المنازل، ويتعرض هؤلاء اللاتي يقمن خارج العاصمة مسقط لضغوط أكبر للحصول على الدعم. كما لا يوجد مآوى رسمية لعاملات المنازل، ولا سبل واضحة للحصول على المساعدة. وكما هو الوضع في معظم دول الخليج، فإن عُمان لا تعامل حالات العمل القسري على أنها جريمة اتجار بالبشر. ولاحظ تقرير الإتجار بالأشخاص 2020 (TIP) أن حالات الاستعباد المنزلي غالباً ما يتم ملاحقتها على أنها انتهاكات عمالية. وبالتالي فإن الخدمات المفترض أن تكون متوافرة لضحايا الإتجار – بما في ذلك المأوى والإعادة المجانية إلى الوطن، والمساعدة القانونية المجانية في إجراءات المحكمة – لا يمكن أن تحصل عليها هؤلاء النساء المتضررات. 

وتوصل مسئولو MR إلى اقتراح أن تذهب النساء إلى الشرطة. ولكن معظم النساء – خصوصا اللاتي تركن منزل صاحب العمل – يتخوفن من السجن ويعانين من الصدمة عند سرد قصصهن لمكتب غالبية العاملين فيه من الرجال الذين يتحدثون لغة أخرى. أما اللاتي تجاوزن هذه الحواجز فلا يذكرن ما مررن به كتجربة جيدة. 

حليمة تتذكر قصتها:

"عندما ذهبت إلى الشرطة، قال الشرطي أن كرونا متفشية وطردني إلى الخارج. لم يكن لدي مكان أذهب اليه. ليس لدينا حرية التنقل في الحركة، ولا حرية الكلام. والآن ليس لدي مسكن ولا طعام. نحن نريد فقط العودة إلى بلادنا."

وفاقم تفشي كوفيد 19 الصعوبات التي كانت تواجهها عاملات المنازل في عُمان، والتي برغم ضعف الحماية القانونية للعمال المهاجرين، تحصل على اهتمام أقل من دول الخليج الأخرى. ولا يغطي قانون العمل العماني عمال المنازل، وهي الدولة الوحيدة في الخليج التي لا يوجد لديها قانون خاص بالعمال المنزليين، كما لا يتم تضمينهم في أحكام قانون العمل، مما يترك 154 ألف عاملة منزل بدون حماية خارج لوائح الهجرة. كما تفتقر الدولة لأليات فعّالة لمنع أو الإبلاغ عن الانتهاكات. 

وفي عُمان يوجد عدد من الجمعيات الفعّالة للمهاجرين التي تقدم الدعم للمهاجرين الذين يواجهون المصاعب، ولكن لا تركز أي منها على العمالة الأفريقية. فالنساء فقط يعتمدن على بعضهن البعض وعلى شبكة صغيرة من العمال المهاجرين الآخرين من سيراليون لتنسيق دعم رحلات العودة المقدم من سفارات الدول المجاورة. ولكن يبدو أن السفارات الموجودة في كل من السعودية والإمارات والكويت جميعها تعاني من قلة الموارد كما أنها بطيئة في الإجراءات مما يترك هؤلاء النساء تحت وضع من اللايقين بشأن مستقبلهن.

وبرغم المشكلات المستمرة التي تواجهها عاملات المنازل في عُمان، استأنفت الدولة مؤخراً إصدار تأشيرات جديدة لـ "عاملات المنازل". من المهم أن تدرس عُمان مسألة التوظيف الجديد، وأن تعالج احتياجات الموجودات حالياً في الدولة. وتشمل الخطوات التي يتوجب على عُمان اتخاذها:

  • ضمان حصول النساء اللاتي يواجهن صعوبات على المأوى الآمن والرعاية الطبية حتى يتمكنّ من المغادرة؛
  • استرجاع جوازات السفر المصادرة من أصحاب العمل وإلزام أصحاب العمل بدفع تكاليف تذاكر السفر للعودة؛
  • التنسيق مع المنظمات المجتمعية والسفارات لدى الدول المجاورة لتسريع رحلات الإعادة إلى الوطن؛
  • دعم النساء المهاجرات في تقديم شكاوى ضد أصحاب العمل، بما في ذلك تحويل توكيل المحامي إلى مندوب محلي، بما يمكنهم من المغادرة مع استمرار سير القضية؛
  • إتاحة الرعاية الصحية لجميع المهاجرين بمن فيهم العمال غير النظاميين؛
  • معاقبة أصحاب العمل المسيئين؛
  • مقاضاة جرائم العمل القسري تحت تشريعات مكافحة الاتجار بالبشر. 

*جميع الأسماء غير حقيقية، تم تغييرها لحماية الشخصيات المشاركة في التقرير