لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

«هل تنظر الحكومة إلى منظمات المجتمع المدني كشركاء أم أنهم مثيري للمشاكل؟»

في مقابلة مع مهرو فيزوفالا، العضوة المؤسسة لجمعية حماية العمال الوافدين

في 7 فبراير 2021

يعتبر نشاط المجتمع المدني في جميع دول الخليج محدود، وهو عرضة للومٍ منتظم من قبل الحكومة. ويُنظر إلى نشاط حقوق الإنسان تحديداً من خلال الأمن الوطني وبالتالي فهو يقع تحت المزيد من التشديد. ولذا فإنه حين يجتمع مجموعة من الأفراد للدفاع عن حقوق المهاجرين في بلدانهم يعتبر ذلك إنجازاً. وليس من قبيل المصادفة أن تكون الكويت والبحرين، وهما الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان يمنحان مواطنيهما مستوى معين من المشاركة الديمقراطية، أن يكون لديهما حضور نشط للجمعيات المدنية.

مهرو فيسوفالا في مكتب جمعية حماية العمال الوافدين، في آخر يوم لها في العمل.

مهرو فيزوفالا، سيدة من الهند، انتقلت من بلدها إلى البحرين في 1994. وفي أقل من عقد من الزمان وجدت نفسها منخرطة في العمل مع مجموعة صغيرة ولكنها نامية من المقيمين (تضم أيضاً بعض المواطنين) ممن يقومون بالدفاع عن حقوق العمال. ومن هذه المجموعة انبثقت فيما بعد جمعية حماية العمال الوافدين (MWPS)، وهي المنظمة التي واصلت تقديم مساعدة قيّمة للمهاجرين في البحرين.

وفي حديثها لـ Migrant-Rights.org تستذكر فيزوفالا كيف بدأ الأمر بالنسبة لها." كنت أقرأ قصة عن تعرض عاملة لمنزلية لإساءة شديدة. وعلى عكس القصص الأخرى التي تمر مروراً عابراً عليك عند قراءتها، فإن تلك القصة أعطت رقماً للتواصل في حالة الرغبة في المساعدة في مثل تلك المشكلة." وهذا ما فعلته فعلاً في العام 2002.

وتقول: "لقد كان التقاء أشخاص يحملون نفس الأفكار أمراً جيداً، وكنا نقوم بعصف ذهني حول كيفية المضي قدماً في أجندة الدفاع عن حقوق المهاجرين. وكانت بداية مثمرة لرحلتنا التي استمرت حتى عدت إلى الهند في 2019. مشيرة إلى عدم وجود الكثير من الوعي حينئذ، فيما كان يتم الحديث عن المشكلة بشكل هامس أكثر من الاعتراف بها علناً. "وبالطبع لايزال العمال غير مرئيين حتى اليوم، ولكن، في ذلك الوقت، لم يكن هؤلاء موجودون في الوعي السائد للناس."

وفي هذه المقابلة، تتحدث فيزوفالا حول بناء حركة المجتمع المدنية، والتحديات القائمة المستمرة. 

 

كنتِ عضواً مؤسسا لجمعية حماية العمال الوافدين، هل بالإمكان أن تعطينا فكرة عن طبيعة البيئة حينئذ، وماذا تعنيه كلمة التحالف؟ 

كنا جميعا جزء من المجموعة الفرعية تحت مظلة مركز البحرين لحقوق الإنسان (BCHR) الذي انضممت إلية في 2002. وعندما حُلّ المركز من قبل الحكومة لأسباب سياسية من قبل الحكومة، واصل عدد منا من هذه المجموعة الفرعية للعمل بصمت لمدة عام ونصف. وفي 2004، قمنا بالتسجيل لدى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. وحظينا بالكثير من الدعم من قِبل أول رئيسة لمجلس الإدارة، منى المؤيد وهي فاعلة خير وسيدة أعمال. 

واصلنا أعمالنا حتى قبل استكمال التسجيل بشكل رسمي، كنا نلتقي في المقاهي والبيوت. وفي الواقع، قبل إنشاء المأوى، كنا نأخذ العمال المتضررين إلى منازلنا ريثما تُحلّ مشاكلهم. 

وكيف تغير نشاط المجتمع المدني في البحرين وفي دول الخليج خلال السنوات التالية؟ 

أعتقد فعلا أن حركة المجتمع المدني حالياَ أكثر قوة عما كانت عليه عندما بدأت في  مطلع القرن 21. فيوجد الآن عدد من المجموعات التي تعمل من أجل هذه القضية. بالتأكيد شهد عمل المناصرة تطوراً. إلا أنه لايزال هناك نقصاً في منظمات المجتمع المدني المنظمة التي تكرس عملها من أجل متابعة المشاكل والقضايا والعمال. 

من المهم الإشارة إلى أنه لا يوجد هناك نقصاً في الأشخاص المستعدين للتجمع والمشاركة في توزيع الطعام في خلال شهر رمضان، أو لنقل مثلا في حالة نشوب حريق في سكن للعمال. فالناس عادة ما يكونون على استعداد تام للحركة وتقديم المساعدة عندما يتعلق الامر بالتبرع بالمال أو الأشياء العينية. 

ولكن أن يكون هناك مجموعة مكرّسة لمعالجة مشاكل العمال، كل مشكلة على حدة، ومحاولة حل مشكلة كل شخص؟ فإن ذلك لم يحظَ بالكثير من القبول. إنه عمل صعب، ومستهلك للوقت، كما أنه لا يمكن التنبؤ به، فأنت لا تعلم مالذي سينجم عن الموضوع. وأنت ليس فقط عليك إبقاء حماسك، وإنما عليك دائما أن تقدم الحافز والدعم بما في ذلك الدعم النفسي والعاطفي للعمال. وقد وجدت فعلا أن عليك الإبقاء على تفاؤلهم والتأكد من أن لديهم بعض الثقة بأن النظام الذي نحاول التعامل معه، سيفيدهم في نهاية الأمر. إنها رسالة مختلفة.

لما يتردد الأشخاص الميسورون في التحدث بصوت عال أو مد يد العون؟ 

كان الأشخاص الميسورون الذي قابلتهم في البحرين على استعداد للمساعدة المالية والعينية. وقد وجدنا فعلا أن الناس كانوا سعيدين جداً بتقديم الدعم المادي. 

كان الوقت هو دائماَ الجزء الصعب. أن تجعل الناس يكرسون وقتهم للقضية. فعندما يتعلق الأمر بالجالية الأجنبية، فهم هناك من أجل كسب معيشتهم. فأنت تعمل لدى مؤسسة تتوقع منك أن تمنح وقتك وجهدك لعملك. وبالنسبة للنساء اللاتي كنّ يحملن تأشيرة عائلية، فكن غير قادرات لمنح الوقت بسبب التزامهن برعاية أبنائهن. إن العمل مع العمال المهاجرين يتطلب أن تكون متاحاً على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع، وقد يأتيك الاتصال في ساعة متأخرة من الليل أو عطلة نهاية الأسبوع عندما تتوفر الفرصة للعمال للتحدث على انفراد. من الصعب الالتزام بهذا النوع من العمل. لن أصدر أحكامي على أحد، فلكل ظروفه الخاصة. وبإمكان كل شخص أن يعرف العمل الذي يناسبه. بالنسبة لي، كنت أرى أنني كلما عملت أكثر في هذا المجال، كلما شعرت بحاجة للمزيد من الأشخاص للتقدم والانضمام لمثل هذا العمل.

كيف نخلق بيئة لأشخاص على استعداد لمنح وقتهم لقضايا لها معنى؟ 

إن القيام بمثل هذا العمل، خصوصا في الدول الأجنبية حيث تعتمد تأشيرتك على آخرين، يقلق الناس من لفت الانتباه إلى أنفسهم. بالنسبة لنا، من قررنا أن نبذل الوقت والجهد في هذا المجال، كنا نقوم ببناء علاقات مع الحكومة والمؤسسات الأخرى. مما يجعل الأمر سهلا على الأخرين للمتابعة. وكان واضحاً أن لهذا العمل تأثيراً. وحظيت المنظمة بالكثير من الاحترام. ولذلك فبإمكانك خلق تلك البيئة بقيادة هادئة، بأن لا تجعل الأمر خاصاً بك وإنما بالعمل. كنا نتلقى الكثير من الاستفسارات – حصلنا على دعوات من المدارس والجامعات لنتحدث اليهم عن قضايا المهاجرين. خلقت جمعية حماية العمال الوافدين بيئة مواتية. كان شعاري دائماً، عندما تقوم بعمل الشي بهدوء، فأنت تفعل ذلك بإخلاص، ويكون له تأثير بالفعل. 

"...عندما تقوم بعمل الشي بهدوء، فأنت تفعل ذلك بإخلاص، ويكون له تأثير بالفعل."

كيف يُنظر للهجرة على مدى السنين؟  

 إن الهجرة باقية ومستمرة. وأعتقد أنه على الحكومات ومنظمات المجتمع المدني على المستوى الدولي الأوسع الاعتراف بذلك. وتظل التحديات هي نفسها على المستويات المختلفة. عليك أن تحدد لماذا يتنقل الناس. ينتقل الناس بسبب الافتقار للفرص. بإمكاننا التحدث عن السياسات والقوانين، لكن هناك الكثير من المال على المحك عندما يأتي الأمر للهجرة. الأمر لا يتعلق فقط بوكالة أو صاحب عمل، فهناك تواطؤ يتجاوز ذلك. 

نحن نرى خطابات مكررة ونمطية حتى بين العاملين في المجتمع المدني، وهناك تردد في الذهاب إلى جذور المشكلة وإنما بالكاد لعمل إصلاحات تجميلية؟ كيف ترين ذلك؟ 

اتفق معك في هذه النقطة. فالكثيرين منا يقومون بهذا العمل، وحضروا عدد من المؤتمرات والندوات على مدى أكثر من عقد، نحن نجد أن الشيء نفسه يتكرر فعلا، وأن هناك فجوة كبيرة بين ما يتم الحديث عنه وبين الواقع على الأرض. نحن بجاجة لمزيد من وسائل الإعلام للكشف عن التواطئي والصلات بين الأقوياء المستفيدين من الوضع الراهن والاتجار. 

 وماذا عن وكالات المهاجرين أنفسهم؟ 

هذه العملية يدب أن تكون مستمرة وسوف تستغرق بعض الوقت. فنحن نحتاج لبيئة يستطيع فيها العمال أن يطالبوا بحقوقهم، أن يتقدمون للحديث عن مشاكلهم وقضاياهم بصراحة دون خوف من التبعات. الوضع ليس مهيئاً بعد لمثل النشاط بعد. فالحكومة وأصحاب العمل ينظرون للعامل الذي يطالب بحقوقه أنه صاحب مشاكل. وطالما يُنظر للمهاجرين على أنهم مؤقتون أو ضيوف، فإن حقوقهم ستظل هشة. 

هل تعتقدين أنه بإمكان العمال الحصول على مجال للمحاربة من أجل حقوقهم، أم أن ذلك سيتم دائما من خلال أطراف أكثر قوة من الخارج؟ 

إن النفوذ ضد المهاجرين غير متوازن. فحجم سيطرة صاحب العمل على العامل المهاجر كبير جدا. وإذا ما ثار العمال أو حاربوا من أجل حقوقهم، فإن إمكانية ترحيلهم كبيرة. ولذلك فهناك تردد دائماً للمطالبة بمساحة خاصة لأنفسهم. وبالشكل المثالي، إذا ما كان هناك نقابات عمالية فستأخذ دورا قياديا وتنظم العمال. لكن هناك دائما مسالة عدم قدرة المهاجرين على استخدام المتاح من الوضع البيروقراطي لإثارة قضاياهم والحصول على العدالة لأنفسهم. خصوصاً هؤلاء القادمون من خلفيات محرومة في دولهم الأصلية، فهم يرون الوضع صعباً حقاً. البيئة بأكملها مخيفة، فكل شيء باللغة العربية، وهناك الكثير من المشاكل فيما يخص التواصل. فبالنسبة لعاملات المنازل تحديداً، فهن يفضلن أن يتم مرافقتهن من قبل شخص أهلٌ لثقتهن. يجد العمال صعوبة في الثقة بأي شخص في موقع السلطة. 

 

هل سنرى من يقود الدفاع عن المهاجرين من المواطنين في المنطقة؟ 

أعتقد أننا شهدنا ذلك يحدث فعلاً في منطقة الخليج. فمنظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية تدافع عن المهاجرين. نرى أنه عندما تنشر التقارير الإعلامية الإساءة للعمال المهاجرين، أن المواطنين يهبون لدعم العمال برسائل للمحررين. 

أيضا، هل ترى الحكومات في منظمات المجتمع المدني شركاء؟ أم مثيري للمشاكل؟ عليهم توفير الفرض للمنظمات الأهلية للنمو ولأداء مهامهم.

ماذا عن النقابات العمالية، هل تعطى، أينما وجدت في الخليج، أولوية لحقوق المواطنين؟ 

نعم، هذه حقيقة. لكن عندما تحدثت للبعض منهم أخبروني أن العمال لا يتقدمون للحصول على عضوية فيها. 

 

 ما هو أكثر إنجاز لجمعية حماية العمال الوافدين تفخرين به؟ 

أولاً، نحن حصلنا على الكثير من الدعم من قبل الحكومة المحلية، ومراكز الشرطة، وإدارة الهجرة. لقد تم الاعتراف بنا وتقدير بعملنا الذي كنا نقوم به. كان إنشاء المأوى في 2005 واحداً من أكبر الإنجازات خلال أول ثلاثة شهور من تسجيل الجمعية. كانت خدمات المأوى تصل للنساء من جميع الجنسيات. حتى مسئولو مراكز الشرطة وإدارة الهجرة كانوا يقومون بالاتصال بنا لأنهم كانوا على علم أننا نقدم الرعاية للمقيمين. 

إن الاستماع لقصص المهاجرين، يمنحني الكثير من الأمل، لأننا كنا ننظر لهم كما لو أنهم لا يعرفون مالذي يقومون به. إنهم الآن يعملون بوضوح أكثر ما يريدونه. وما يريدونه حقا هو بيئة مواتية أكثر ليتمكنوا من تحقيقه. فمن عدد المرات التي يتوجه بها العامل لمركز الشرطة لكي يتقدم بشكوى حول عدم دفع الأجر أو الإساءة، يتضح أنهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم. نحن فقط نحتاج لمنحهم الدعم. والأهم من ذلك هو أن نستمع لهم، وهو ما كنا لا نميل إلى فعله. 

هل أنت نادمة على شيء؟ 

لست نادمة على شيء. أفضل ما يمكننا القيام به هو نتحامل على أنفسنا ونمضي قدما. لقدر تركت البحرين في مارس 2019. وفي أبريل 2019 أغلقت جمعية حماية العمال الوافدين مأوى النساء. لقد تبقى القليل منا، ولم نجد من لديه الاستعداد لتحمل مسئولية المأوى. أعلم أنه كان عملاً تطوعياً. لم يكن هناك من لديه الاستعداد لتحمل مسئولية المأوى. كان يوم إغلاق المأوى حزيناً لأنه قدم عملا عظيما للنساء اللاتي أقمن فيه. وكان ذلك مخيبا للآمال. أعرف أن هذا العمل سيتواصل وأن قيادات جديدة ستأتي بأفكار جديدة ايضاً.