بعد مرور ثلاث سنوات على إعلان قطر عن إصلاحات شاملة: عقبات مبتكرة متزايدة تواجه العمال المهاجرين
لقد مرت مؤخرًا ثلاث سنوات على إطلاق قطر لبرنامج إصلاحات طموحة وشاملة، كان يراد لهذه الإصلاحات أن ترخي شيئاً من قبضة نظام الكفالة الصارمة. ومع ذلك، لا يزال العمال يكافحون من أجل التمتع بالفوائد الكاملة لهذه الإصلاحات.
وفي حين جاءت تلك الإصلاحات، جزئياً، كاستجابة للانتقادات الدولية ولبطولة كأس العالم 2022 الوشيكة حينئذ، إلا أن قطر ارادت أيضا أن يكون سوق العمل فيها ومؤسساته على أهبة الاستعداد لأوجه التنمية المرتقبة. وتضمنت الإصلاحات الرئيسية، والتغييرات لتشريعات العمل والهجرة، إلغاء تصريح المغادرة، ووضع حدا أدنى للأجر، وحرية تغيير صاحب العمل بدون موافقة الكفيل. وكان الأخيران بمثابة إجراء لتمهيد الطريق لدول مجلس التعاون الخليجي. وتعتبر الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة الأخرى التي تطبق الحد الأدنى للأجر للعمال الأجانب، فيما لم تعد أي من دول الخليج بأي شكل من أشكال حرية الانتقال كما فعلت قطر. وما يلفت الانتباه، أن هذه الإصلاحات تم تطبيقها بشكل متساو على عمالة المنازل، حتى وإن لم يتم تضمينهم قانون العمل الساري في البلاد. كل هذه الإصلاحات تستحق الإشادة، على الورق.
وقد حظيت تلك الإصلاحات بترحيب المنتقدين والمؤيدين على حد سواء، حتى وإن عبر البعض منهم عن خوفهم من أن تشهد هذه الاصلاحات تراجعاً بعد انتهاء بطولة كاس العالم. إلا أن الأمر لم يستغرق وقتا طويلا حتى ينكشف. فبعد أشهر من طرح الإصلاحات، عارضها مجتمع الأعمال ومجلس الشورى (أحد الأجهزة التشريعية في الدولة، وينتمي أعضاؤه لعائلات تجارية معروفة) بقوة «انتقامية»، ما يؤكد أنه غالبا ما ينظر إلى حقوق العمال على أنها إن لُبيت فستكون على حساب حقوق المواطنين وأصحاب العمل. ولطالما جعل هذا التوتر من الخطاب القائم حول حقوق العمال، غير مقبول في المنطقة، ولم تكن قطر مختلفة في ذلك وإن كانت في دائرة الضوء القاسية من الانتقادات الدولية مما سيحتم عليها العمل على استعادة سمعتها.
كان تغيير الوظيفة بدون شهادة عدم ممانعة سلساً في الأشهر الأولى من تطبيقه، سلساً إلى درجة كبيرة لدرجة أن أصحاب الإعمال فوجئوا بعدد كبير من الموظفين الذين اختاروا تغيير وظائفهم. يجدر التذكر هنا أنه خلال الربع الأخير من 2020، كان الكثير من التدابير التنظيمية التي اتخذت في مواجهة جائحة كوفيد 19 لاتزال موجودة، وكات الاقتصاد بالكاد يتعافى. وكانت الشركات غير قادرة على توظيف العمال من الخارج بدون تحمّل تكاليف باهظة، كما كان على الكثير من أصحاب العمل الذين استفادوا من لوائح القوة القاهرة لخفض الأجور أو منحوا الموظفين إجازة، التعامل مع القوى العاملة الساخطة والحريصة على تبني الإصلاحات الجديدة للحصول على فرص أفضل.
تبع كل ذلك تراجع وارتباك، حتى في الوقت الذي كان الاقتصاد فيه يشهد بعض التعافي، ومع اقتراب المواعيد النهائية لاستكمال المشاريع الخاصة بكأس العالم، كان على الشركات التعامل مع معدل دوران حركة الموظفين الذي لم تكن معتادة عليه. وكما ذكرنا في تقارير سابقة، تم رفض طلبات تغيير الوظائف، وأيضا تم إلغاء الموافقات التي تمت لتغيير الوظائف من قبل الوزارة بعد تدخل الكفلاء. وعندما لم يتمكن أصحاب العمل من التدخل في عملية طلب تغيير الوظيفة، بدأت إساءة استغلال قوانين الهروب. وبذلك أصبح على العمال الراغبين في تغيير وظائفهم، الركض من جهة إلى أخرى، إما للاعتراض على تهم هروب كاذبة أو للاستفسار عن سبب رفض طلب تغيير الوظيفة.
يشار إلى أن مجلس الشورى قد وضع، في اجتماعه الأول في 2021، توصيات من شأنها أن تؤدي إلى إلغاء الإصلاحات بالكامل. وفي حين أن هذه التوصيات لم يتم تطبيقها كتعديلات على القوانين، إلا أنها لقيت قبولاً عن طريق الإجراءات الجديدة. وكان الأمر الأكثر اثارة للانتباه هو متطلب الحصول على خطاب موقّع بالاستقالة لاستكمال إجراءات تغيير الوظيفة. وبرغم أنه بإمكان عاملات المنازل تغيير الوظيفة في أي مرحلة من العقد، إلى أنه تم وضع لوائح جديدة لتمديد فترة الاختبار بين وكيل التوظيف وصاحب العمل على 9 شهور، مما يضع عقبات جديدة أمام قدرة عاملات المنازل على تغيير الوظيفة في أي وقت خلال فترة العقد. بالإضافة إلى ذلك، فإن أية محاولة لتغيير أصحاب العمل بإمكانه أن تؤدي إلى قيد بلاغ هروب ضد العمال، الأمر الذي يؤدي إلى احتجازهم ومن ثم ترحيلهم إن لم يكن لديهم المعرفة والقدرة على الطعن في الاتهام. وبعد فترة قصيرة من تطبيق هذه الإصلاحات، شهدت عدد من البعثات الدبلوماسية لدول الأصل، ارتفاعاً في عدد عاملات المنازل اللاتي يتركن أصحاب العمل ويصبحن غير قادرات على تغيير الوظيفة بسبب مواجهتهن لتهم الهروب. كذلك، يصبح بإمكان أصحاب العمل التهرب من التزامات دفع مكافأة نهاية الخدمة من خلال ادعاءات هروب العامل أو العاملة.
وفي حين يتواصل تفشي ممارسات سرقة الأجور ، إلا أن السياسات، والحلول، والآليات لاتزال غير فعالة وغير كافية. وقد قامت الوزارة بإنشاء صندوق لدعم العمال والتأمين، لكنه يفتقر للشفافية في تحديد التعويضات ودفعها. ووضع قرار وزاري صدر في أبريل 2022، سقفاً لحجم التعويضات المالية التي يتم صرفها عند مستوى رواتب 3 شهور، أو 20,000 ريال قطري كحد أقصى للعامل في شركة قائمة، و12,000 ريال قطري كحد أقصى إذا لم تعد الشركة موجودة، و8,000 ريال قطري كحد أقصى لعاملات المنازل. أما الوصول إلى الصندوق، فيعتمد على القرار النهائي للجنة المنازعات، أو حكم المحكمة النهائي,
كان هناك أيضاً زيادة في توظيف عمال التوصيل للعمل في قطاع الوظائف المؤقتة لتوصيل الطعام وسائقي سيارات الأجرة، لتلبية الطلب خلال فترة بطولة كأس العامل، وقد سجلت عدة حالات لسرقة الأجور والتخلي عنها منذ ذلك الوقت. إلا أنه لا توجد أية إشارات أو حركة نحو تنظيم هذا القطاع.
كما أصبح التوظيف خلال الأشهر التي سبقت بطولة كأس العالم أكثر غموضاً. وقبل إطلاق هذه الإصلاحات، كانت قطر قد أنشأت مراكز قطر للتأشيرة (QVC) في عدد من دول الأصل. وتوفر هذه المراكز الجزء الأخير من خدمات إجراءات عملية التوظيف، وتهدف إلى منع استبدال العقد، واستكمال أغلب أجزاء عملية استصدار التأشيرة وتصريح العمل قبل المغادرة. ومع ذلك، ففي العام الذي سبق إقامة كأس العالم، تم وضع مشروع التأشيرة كجزء من «تصريح الدخول الاستثنائي»، تحت مظلة اللجنة العليا لإدارة الأزمات، التي تم تأسيسها لإدارة «الأزمات والكوارث» في 2020. ويتجاوز اصدار التأشيرة أقل درجات الحماية التي توفرها مراكز قطر للتأشيرة، ووجد العمال الذين كانوا يتوقعون أنهم طرف في عقد مدته عامين، أنفسهم وقد تم الاستغناء عن خدماتهم بعد 3 أو 6 شهور، أو بعد انتهاء المشروع الذي يعملون فيه. كما أن مدة العمل القصيرة تعني أنهم غير مؤهلين للحصول على مكافأة نهاية الخدمة بحسب قانون العمل القطري. أصبح الفساد مستشرياً في كلا عمليات تأشيرات المشاريع وأنواع التوظيف الأخرى خلال العامين الأخيرين، في الوقت الذي دفع العمال الملايين كرسوم لعمال توظيف غير قانونية.
مع عدم وجود ما يهدد بخسارة استضافة بطولة كأس العالم، أو أي نوع من العقوبة الرادعة، لم تبذل قطر سوى قليل من الجهد مما كان سيسهّل على العمال تحقيق المزايا الكاملة للإصلاحات. لقد حققت بطولة كأس العالم نجاحاً باهراً لا يُختلف عليه، فيما يتعلق بالتنظيم، لكن مع نهاية البطولة، نالت اتهامات الفساد أقوى حليف لقطر في حركة حقوق العمال، وهو الاتحاد الدولي لنقابات العمال (ITUC)، الذي كان أيضا من أقسى المنتقدين، وتحول بين ليله وضحاها ليمتدح إلغاء قطر لنظام الكفالة (انظر التسلسل الزمني). ولم يعد للاتهامات والتحقيقات أي تأثير، محلياً.
تحديات جديدة
كما كان متوقعاً، بعد انتهاء البطولة مباشرة، كان هناك تصحيحاً للاقتصاد المزدهر لفترة وجيزة. قامت الشركات خصوصاً في قطاعات الضيافة، والصيانة، والإنشاءات – مرة أخرى بتسريح أعداد كبيرة من العمال، إلا أن عدد السكان لم يشهد انخفاضاً ملحوظاً. وكان عدد السكان قد وصل إلى أعلى مستوى له في أكتوبر 2022، عندما بلغ 3,020,080 نسمة. وفي ديسمبر، الشهر الذي أقيمت فيه البطولة، بلغ عدد الشكان 2,909,134 نسمة. وفي الفترة مابين مارس إلى مايو 2023، لم يزل عدد السكان يتراوح حول الـ 3 مليون نسمة. الأمر الذي يشير إلى أن العديد من العمال لم يعودوا إلى بلدانهم.
أكد العمال المهاجرون، وسفارات دول الأصل، وأصحاب العمل في قطر، ممن تحدثت معهم Migrant-Rights.Org، أنه كان وقتاً صعبا بالنسبة للشركات، وأنه لم يكن هناك وظائف كافية. لكن حتى العمال العاطلين عن العمل – في جميع فئات الوظائف – كانوا متردين في العودة إلى بلدانهم لأسباب مختلفة. السبب الرئيسي هو أن كثيرين منهم لم يتسلموا مستحقات نهاية الخدمة بالإضافة إلى أجزاء من أجورهم. وبالنسبة لكثيرين منهم، فإن الفرص في بلدانهم الأصل ليست واعدة بما يكفي لعودتهم.
وفي الوقت نفسه، لايزال الوصول للفرص المتوافرة شيء يتوق العمال له، وإن كان أصحاب العمل يبحثون أكثر عن أساليب مبتكرة لإحباط محاولات تغيير الوظائف. وأصبح أصحاب العمل، وبشكل متزايد، يستخدمون التسهيلات المتوافرة للعمال. على سبيل المثال، يستخدم أصحاب العمل الآن خيار «إشعار مغادرة البلد» على بوابة الإشعارات الالكترونية لوزارة العمل، لإلغاء وثائق الهوية القطرية وإجبار العمال على مغادرة البلد. واشتكي دبلوماسي من إحدى سفارات دول الأصل بأن "الكفيل يستخدم هذه الوسائل المفترض أن تكون لصالح العمال، كسلاح ضدهم." كما أن الغموض أكثر من الوضوح بشأن استخدام هذه الإجراءات المحدثة. وبحسب أحد المسئولين ممن تحدثت إليهم MR، فإنه في الوقت الذي يستطيع صاحب إلغاء كفالته للعمال الكترونياً، فإنه يتوجب على العامل الذهاب إلى مكتب العمل شخصي. ولسبب غير مفهوم، لا يمكن الوصول إلى بوابة الإشعارات الالكترونية إلا خلال ساعات الدوام الرسمية، مما يفاقم القيود التي يواجهها العمال، حيث إنه من المخاطرة استخدام هواتفهم النقالة أو أجهزتهم الشخصية لتقديم الشكاوى أثناء ساعات العمل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قطر قد وعدت منذ فترة طويلة، بربط أنظمة وزارة الداخلية ووزارة العمل لمنع أصحاب العمل من تقديم بلاغات الهروب ضد العمال ممن لديهم شكاوى جارية. إلا أن هذا التكامل لايزال بحاجة للتطبيق، وعلى العمال أن يواجهوا التهم، بالذهاب شخصيا إلى قسم التحري والمتابعة بوزارة الداخلية.
قال عدد من العمال الذين التقتهم MR، إنهم أجبروا على ترك البلد والعودة مرة أخرى للحصول بتأشيرة جديدة، على عكس ما تمليه إصلاحات التنقل الوظيفي. وفي حين استطاع البعض العودة إلى البلد بتأشيرة جديدة، فإن البعض الآخر لم يتمكن من ذلك. والسبب الرئيسي في ذلك يعود لما لاحظت حدوثه، بشكل متكرر، سفارات دول الأصل - التأشيرات الأحدث كانت تصدر لفترات أطول تصل إلى 5 سنوات، رغم أن عقود الوظائف عادة ما تكون لمدة عامين. وليس بإمكان صاحب العمل الجديد التقدم بطلب للحصول على تصريح عمل جديد مالم يتم إنهاء العقد وإلغاء التأشيرة. فالكثير من هذه العوائق تضيف أصلا إلى صعوبات ثني العمال عن محاولات تغيير الوظائف.
وفي الوقت نفسه، حرم العمال من أجورهم المستحقة، كما تمت مضايقة ضحايا الاستغلال الشديد ممن حاولوا الاحتجاج، وواجهوا الاحتجاز والترحيل. ولا تبدو المفاوضات الجماعية أو حرية إنشاء الجمعيات قابلة للتحقيق على المدى القريب. لذلك فإن العمال الذين يتعرضون للأزمات غالباً ما يعتمدون على جماعات الدعم الأهلية لإنقاذهم ولتجاوز أوقات عدم تسلمهم لأجورهم والبطالة التي يقعون فيها، إما من أجل متابعة قضيتهم أو للحصول على وظيفة جديدة.
وفي حين أنه لايزال من الممكن التغلب على هذه الأوضاع الصعبة بالقليل من المعرفة والدعم للعمال المهاجرين الذين يغطيهم قانون العمل، إلا أن هذه العوائق بالنسبة لعاملات المنازل اللاتي يعشن ويعملن في عزلة شديدة، تتحول إلى جدران منيعة لا يمكن اختراقها، ويصبح تأثير الإصلاحات قليل جدا أو منعدم. كما أن استثناءهم من نظام حماية الأجور يجعل من الصعب مراقبة امتثال أصحاب العمل للحد الأدنى للأجور، كذلك، فإن فترة الاختبار المعقدة (أحدها للعامل، والأخرى لوكيل التوظيف) تتطلب من العامل الاستعانة بكلا صاحب العمل ووكيل التوظيف لتغيير الوظيفة، مما يجعلهن عرضة لتهم الهروب. ويعتبر وصول عاملات المنازل للعدالة شبة مستحيل في ظل عدم وجود آليات للشكاوى مصممة لمعالجة ظروفهم الخاصة.
من الضروري ألا تتخلى قطر عن السمعة التي اكتسبتها خلال السنوات الأخيرة. يجب أن تجعل من بطولة العالم إرثا يتجاوز فقط كونها البطولة الأولى بهذا الحجم التي يتم استضافتها في العالم العربي. كما يجب أن يتضمن التزاماً جاداً لحماية حقوق أكثر من مليوني من العمال المهاجرين الهشين والمهمشين ممن لم يجعلوا بطولة كأس العالم ممكنة فحسب، وإنما الأساس لطموح قطر المستقبلي.