لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

عاملات المنازل: يتحملن وطأة كونهن غير مرئيات ومعزولات وغير متساويات الحقوق

في 8 مايو 2020

هناك فئتان تتكرران في كل دول الخليج وتمثلان أكثر المقيمين فيها عرضة للضرر والتهميش. الفئة الأولى هي العمال منذ ذوي البدلات الزرقاء والقبعات الصلبة، والأخرى غالباً ما تكون مرتدية بيجاما البوليستر أو درجات الباستيل في زي العمل. 

وحان الوقت الآن للحديث عن الفئة الثانية. فيوجد عاملات رعاية، ومنظفات، وممرضات منزليات وطبّاخات، ومن شأن كونهم غير مرئيات ومعزولات أن يثبت خطورته في الوضع الحالي التي يتفشى فيه كوفيد19. تأتي أوامر الحكومة بالبقاء في المنزل، ولكن ما العمل إذا ما كان البقاء في المنزل هو المهدد الأكبر للسلامة؟ 

لنوثّق الطرق المتعددة التي ستجد عاملات في الخليج المنازل أنفسهن محشورة في إحداها خلال هذا الوضع الأشد خطراً. 

في أفضل الأوقات كانت العاملات يعملن بأكثر من طاقتهن – ما يصل إلى 65 ساعة أسبوعياً، ويتسلمن رواتب أقل مما يجب – ما بين 150 دولار إلى 400 دولار شهرياً، بدون يوم إجازة أسبوعية، وبدون حرية لترك مكان العمل وقضاء وقت حر كما يرغبن. والأسوأ بين هؤلاء العاملات من لا يتسنى لهن التواصل بانتظام مع عائلاتهن لأنهن لا يملكن هواتفهن. 

وينطبق ذلك، تحديداً، على النساء اللاتي يشكلن الغالبية العظمى من عاملات المنازل في الخليج (ماعدا المملكة العربية السعودية)، وهن يتعرضن ليس للمخاطر في عملهم فحسب وإنما أيضا هن عرضة للأعراف الأبوية سواء في المجتمعات التي يأتين منها أو تلك التي يعملن فيها.

والآن، مع أخذ كل ما تقدم في الاعتبار، مضافاً إليه القيود التي صاحبت تفشي كوفيد19 والتدابير التي اتُخذت في مواجهة ذلك، مع كل الأسر مجتمعة في الظرف نفسه في مكان واحد. إن العنف المنزلي يشهد تزايداً على مستوى العالم، وأصبحت عاملات المنازل خصوصا المقيمات منهم أكثر عرضة للمخاطر المتزايدة. فكل إرشاد عملي يعطى من أجل وقف انتشار عدوى الفيروس له نتائج عكسية بالنسبة لعاملات المنازل. فالنصائح هي، ابق في المنزل، عقم بانتظام، ابق على المسافة الاجتماعية. وعندما تُصدر غالبية الشركات توجيهات العمل من المنزل، وتُغلق المدارس والمؤسسات التعليمية، يتزايد عبء الأعمال المنزلية بشكل كبير. لأن العائلة بأجمعها تتواجد في المنزل، للعمل أو الدراسة عبر الانترنت فتصبح العاملة فعلياً تحت الطلب على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع.

ويصبح لكل قرار يتخذ على مستوى الاقتصاد الكلي، سواء من قبل الحكومة أو الشركات، تأثيرا في داخل الأسرة. وعندما تُفقد الوظائف أو يتم خفض الأجر – كما هو حاصل بالفعل في جميع أنحاء المنطقة – فهناك مخاطرة في تمرير هذا العبء إلى العمال في المنزل.  

ومن بين دول الخليج  الست، توجد قوانين تنظم العمال المنزلية في أربع دول منها (قطر، الإمارات، الكويت، والسعودية)، فيما ضمّنت البحرين بنوداً تنظم العمالة المنزلية في قانون العمل. أما في عمان فلا يوجد ما ينظم هذا القطاع في أي قانون للعمل. وتعتبر قوانين عمالة المنازل أينما وجدت في الخليج، بدائية جداً وتتناول بنوداً عامة حول أيام الراحة ودفع الأجر بانتظام.  

والأكثر من ذلك، لم تعالج أي من هذه الدول وضع عاملات المنازل الأكثر عرضة للضرر في استجابتهم الاقتصادية لتفشي كوفيد19 بما في ذلك الإعانات المالية. 

على الحكومات أيضا الإدراك بأن هناك مجتمع من العمالة "المستقلة". وهؤلاء قد يكن عاملات هربن من أصحاب العمل المنتهِكين وانتهى بهم الأمر في العمل بشكل غير نظامي في عدد من المنازل من أجل كسب معيشتهم،

على الحكومات أيضا الإدراك بأن هناك مجتمع من العمالة "المستقلة". وهؤلاء قد يكن عاملات هربن من أصحاب العمل المنتهِكين وانتهى بهم الأمر في العمل بشكل غير نظامي في عدد من المنازل من أجل كسب معيشتهم، أو هؤلاء اللاتي لديهن اتفاق غير رسمي مع كفيلهن للعمل لدى أسر أخرى. وهذه الفئة، تحديداً، هي أكثر عرضة للضرر خلال هذه الفترة، إذ خسرن غالبيتهن أعمالهن وأصبحن يعانين من اجل لقمة العيش.

إن الوضع غير المرئي لعاملات المنازل، والعزلة التي يعيشون فيها، يعني أنه لابد من أن يكون نهج متعدد الجوانب من أجل ضمان عدم تعرض حقوقهم للانتهاك، وهنا يتسنى للشركات أن تلعب دوراً. 

هل يتوجب على الشركات الاهتمام؟ 

لماذا يتوجب على الشركات الاهتمام بما يحدث في المحيط الخاص لأسر موظفيها؟ إنها ليست مسئولية الشركات في نهاية الأمر. إلا أنه ممكن أن يكون كذلك. فنحن لا نعيش في صوامع منعزلة حيث من الممكن احتواء تصرفاتنا بدقة دون التأثير على هؤلاء المحيطين بنا. ومع توسع الشركات في الديمقراطيات الحديثة أو في الدول التي لاتزال الأطر القانونية غير متماشية مع معايير حقوق الإنسان الدولية، من المهم أن تأخذ سياساتها هذه الفجوات في الاعتبار. 

تشير المبادئ الإرشادية الصادرة عن الأمم المتحدة في مجال الأعمال وحقوق الإنسان (UNGP) إلى أن مسئولية احترام حقوق الإنسان تتطلب "السعي لمنع أو تخفيف الآثار السلبية على حقوق الإنسان والمرتبطة مباشرة بعملياتهم، ومنتجاتهم أو الخدمات التي يقدمها شركاؤهم في الأعمال، حتى في حالة عدم مساهمتهم في هذه الآثار" [13(b)]

هناك اعتماد كبير على عاملات المنازل في هذه الدول، سواء من قبل المواطنين أو المهاجرين من ذوي الدخول العالية والياقات البيضاء. وتأتي البيئة الخالية من الضرائب، بالطبع، مع بعض التبعات. فإذا كان الشخص يعمل في هذه الدول ويعيش مع أسرته، فسيتعين عليه إعالة نفسه فيما يتعلق برعاية الأطفال وخدمات رعاية المسنين، ذلك لأن هذه الخدمات غير متوفرة كخدمات عامة. وعوضاً عن ذلك، فإن إدارة الهجرة لهذه العمالة يتم من خلال الاستعانة بأفراد تحت نظام الكفالة، وغالبا ما يكون بتكاليف منخفضة. وبرغم أن رسوم التوظيف تتراوح ما بين 2000 و5000 آلاف دولار، إلا أن الأجر الشهر منخفض جداً، وعندما تُجمع هذا التكاليف تضيع في الأجور العالية التي تقدمها دول الخليج – وهي التي تقدمها هذه الشركات لموظفيها. 

ومع ذلك، فإن توظيف عاملة منزل لا يعتبر حقاً وإنما امتياز. فقرار توظيف عاملة منزل مقيمة يتخذ بعد أن تؤخذ في الاعتبار عدد من العوامل منها وسائل التوظيف، والتكاليف المترتبة عليها، وفقدان الخصوصية في المنزل، وما إذا كانت الأسرة ككل على استعداد لهذا الالتزام، دون التعدي على حقوق أفراد آخرين. 

وكل ذلك ينطبق في أفضل الأوقات. ولكن في سياق المنطقة والأزمة الحالية التي تمر بها، خصوصاً، ما الذي يمكن للأعمال فعله؟ وبحسب UNGP، فإنه على الأعمال التعبير عن التزامهم من خلال سياستهم بأن "تنص على توقعات المؤسسة بشأن حقوق الإنسان للموظفين(...) الأطراف الأخرى المرتبطة مباشرة بعملياتها، ومنتجاتها أو خدماتها." [16(c)]

وفي حين أن في الواقع ليس على الشركات أي التزامات قانونية مترتبة على قوانين حقوق الإنسان الدولية، إلا أن بإمكانها فرض بعض القواعد الأساسية في محيط نفوذها، والاستفادة من سلطتها لتعظيم العمل الصالح. كيف سيبدو ذلك في الواقع العملي؟ 

كخطوة أولى، لا بد من إعلام الموظفين داخلياً ما هو متوقع منهم فعله، وآلية المسائلة القانونية في حال قيامهم بالانتهاك أو فشلهم في احترام حقوق الإنسان في حق هؤلاء العاملين لديهم. 

وقائمة السلوك المتوقع وشروط التوظيف المناسبة مباشرة وواضحة تماماً:

  • ادفع أجراً عادلاً، وبانتظام. ليس جميع الدول لديها حد أدني لأجور عاملات المنازل، إلا أن هناك غالباً اتفاق ثنائي يتم فيه الاتفاق على الحد الأدنى للأجر
  • وضع حد أدنى للأجور، وبسبب كونهم عمال فمن الممكن تقرير ذلك بشكل ثنائي
  • توفير إقامة مناسبة لعاملات المنزل المقيمات، وعلاوة مناسبة لهؤلاء اللاتي يقمن في الخارج.
  • حدد قائمة المهام والمسئوليات، والتزم بساعات العمل الموصى بها. ويختلف عدد الساعات من دولة إلى أخرى إلا أن الساعات العمل بحسب معايير منظمة العمل الدولية ILO  محددة بـ48 ساعة لستة أيام عمل أسبوعياً
  • تأكد من حصول العاملة على يوم راحة أسبوعي، وأن هذه العاملة بإمكانها قضاء هذا اليوم كما ترغب. وإذا ماكنت قلقاً بشأن سلامة العاملة، تأكد من توعيتها بالقوانين وأعراف البلد. وهناك معلومات مفيدة لعاملات المنازل ولأصحاب العمل هنا
  • لا تمنع العاملة من التواصل مع أسرتها واصدقائها. وينكر أصحاب العمل هذه الشكوى إلا أنها تتكرر من قبل العاملات
  • للعاملة الحق في إنهاء خدمتها بإعطائها الاشعار في الوقت المحدد، ويجب احترام هذه الرغبة. وما عدا ذلك سيعتبر عملا قسريا
  • على الشركة أن لا تبدي أي تسامح على الإطلاق تجاه أي إبلاغ عن العنف أو الانتهاك سواء كان جسدياً أن جنسياً أو عقلياً
  • إذا كان لدى أي موظف بالشركة ممن تم الاستغناء منهم أو خفضت أجورهم، عاملة منزلية، يجب إعطاءه تعليمات محددة لحماية وضع العاملة، أخذا في الاعتبار ضعف قدرتهم على تحمل عدم استلام الأجر أو خفض أجورهم. 

قد يبدو ذلك كثيرا على تحمل الشركات في هذه المرحلة، أو ربما خارج إطار عملياتها. إلا أن جون روجي، الممثل السابق لدى الأمم المتحدة الخاص للأعمال وحقوق الإنسان الذي وضع أسس(UNGP)، يرى أن الإقناع والتواصل الاجتماعي إلى جانب انتشار الأعراف العالمية من شأنه أن يؤدي إلى تضمين معايير حقوق الإنسان هذه ضمن الثقافة السائدة. كما أن إيلاء الأهمية لهذه الفئة من العمال من خلال السياسات الداخلية للشركات سيجعلها بدورها تمارس الأمر ذاته. 

وحتى الوقت الذي سيتم تغطية عاملات المنازل بالكامل ضمن نطاق قوانين العمل،  ويسمح لهم بحرية تشكيل الجمعيات وإجراء المفاوضات الجماعية، وتمكينهم من الوصول لآلية فعالية للشكاوى، فإن الحقيقة غير المرغوبة هي أن على أصحاب الشأن بشكل مباشر أو غير مباشر لعب دورهم ومحاولة الوصول لهم. 

تقع مسئولية الأعمال في قطاعي العمل المنزلي وإدارة المرافق ضمن مجالات اهتمام Migrant-Rights.org، وللمزيد من المعلومات يرجى زيارة بوابة مشروعنا.

ترجمة: هناء بوحجي