لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

بعد عام من مغادرته البحرين خائباً من دون مستحقاته

حرمان محمد إلياس من أجوره المتأخرة ومستحقات 38 عاماً من الخدمة يُسكت قلبه إلى الأبد

في 26 مايو 2022

"مات والدي مقهوراً، في كل ليلة كان يتحدث عن قصته ويقول نادماً: "قضيت كل حياتي في الخارج، فقط من أجل عائلتي، لكن اليوم في نهاية حياتي، لا يمكنني أن أعيل عائلتي! لقد فشلت، لا يمكنني أن أحصل على علاج أفضل، ولا يمكنني أن أتحمل مصروفات دراستك". 

كان امتياز يتكلم، عبر محادثة هاتفية، بصوت مخنوق بعد يوم من وفاة والده محمد الياس بسكتة قلبية صباح ثاني أيام عيد الفطر: "قبل أربعة أشهر أخبره الطبيب أن عليه إجراء عملية عاجلة لفتح انسدادات كبيرة في شرايين القلب. إلا أنه لم يتمكن سوى من أخذ أدوية تخفف الأعراض التي كان يشعر بها، ريثما يتمكن من توفير 7000 دولار أمريكي هي كلفة العملية الواجب إجرائها". 

محمد إلياس، الذي توفي عن 65 عاماً، هو واحد من 18 عاملاً مهاجراً لدى شركة جي بي زخريادس، كانوا ضمن الدفعة الأخيرة من أكثر من 2000 عامل عانوا من عدم انتظام الأجر وتأخيره منذ 2017. وتمت تسوية أجور عمال الشركة بعد إفلاسها تدريجيا من الأموال المتحصلة من الدائنين، إلا أن دور محمد إلياس وزملاءه الـ18 لم يأت بعد، وإن جاء في وقت ما، فلن يكون حاضرا ليشهده. 

فقد ظل محمد إلياس وزملاؤه على تواصل مع وزارة العمل بمساعدة الجمعيات الأهلية الحقوقية من أجل الحصول على مستحقاتهم. وظلت الوزارة تطمئنهم إلى وجود مشاورات جارية مع الشركة ومع الجهات المدينة للشركة لتحصيل أموال تُدفع منها مستحقاتهم. إلا أن الشركة لم تف بوعدها لهذه الدفعة الأخيرة من العمال الذين عملوا في الشركة ما بين 3 أعوام و38 عاما، وفشلت محاولاتهم للحصول على مستحقاتهم، أو جزء منها. هذه المستحقات تراوحت ما بين 3500 دينار بحريني و40,560 دينار بحريني (7,089 دولار أمريكي و108,157 أمريكي). ومع تفشي جائحة كوفيد 19 طلب منهم ممثل الشركة العودة إلى بلدانهم بوعد أن يتم إرسال مستحقاتهم فيما بعد بتحويلها إلى حساباتهم المصرفية. 

يشار إلى أن إجمالي مستحقات العمال الـ 18 تبلغ نحو 197 ألف دينار بحريني (652 ألف دولار)، أي ما يعادل قيمة إنشاء فيلا متوسطة الحجم بمساحة 500 متر مربع في البحرين ولكن الشركة الكبرى – التي أنشأت مشاريع حكومية وخاصة تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات – تحجب عنهم هذه المستحقات

غادر محمد إلياس - الذي عمل في مراقبة الجودة بالشركة - إلى وطنه بنغلاديش في 6 مايو 2021، خالي الوفاض. يقول ابنه امتياز أن والده لم يتحدث عن تفاصيل مشكلته المالية مع عائلته لكنه كان قلقاً وعصبياً ويتذكر قوله: "لم أتوقع أبداً أن أحرم من مدخراتي بهذا الشكل. لقد انتظرت طويلاً لأحصل على مستحقاتي لكن لا يبدو أن هناك حلا".  

كان آخر أجر حصل عليه محمد الياس في 30 أبريل 2018، عمل بعدها لمدة 15 شهراً دون أن يحصل على أجر، وكانت الشركة تطلب منهم مواصلة العمل وتعدهم بدفع أجورهم فيما بعد. إلا أنه توقف عن العمل في 30 يوليو 2019 بعد أن أنهت الشركة خدماته. وظل يعيش مع زملائه في مساكن عمالية تابعة للشركة التي اكتفت بإعطاء العمال مبلغ 20 دينار بحريني شهرياً (53 دولار أمريكي) ليتدبرو بها معيشتهم.  وقبل أن يغادر عانى محمد الياس وزملاؤه من إهمال الشركة وسوء أوضاع السكن وتهديدات المالك بطردهم منه بسبب تلكؤ الشركة في دفع الإيجار. فاعتمدوا على التبرعات والمساعدات للطعام والحصول على خدمات الرعاية الطبية والأدوية الضرورية بمساعدة الجمعيات الأهلية. 

الجدير بالذكر، أن تقارير محلية ودولية تناولت، مرات عدة، معاناة عمال الشركة من حجب أجورهم ومستحقاتهم، ومحاولات للاحتجاج، إلا أن تسليط الأضواء على هذه المعاناة الإنسانية، لم ينجح في إعادة حقوقهم لهم.  

 

"أشعر بالضيق والحزن الشديد، أشعر بالعار أن أعود لبلدي بعد أن عملت لقرابة 40 عاماً، وأسأل المساعدة وأطلب المال من الآخرين... لا، لن أفعل ذلك"

بعد وصوله إلى بنغلاديش، ظل محمد إلياس على تواصل مع زملائه، يتابع، عن بعد، مجريات قضيتهم مع الشركة والوزارة، وذكر أكثر من مرة في رسائله مع زملائه من خلال الواتس أب أنه يعاني من مشكلة صحية وبحاجة لأمواله المحتجزة لدى الشركة، لكن مناشداته لم تصل، وتوفي أثناء انتظاره مستحقات رواتبه المتأخرة، ومستحقات نهاية الخدمة التي تبلغ 8000 دينار بحريني (21,3 ألف دولار أمريكي) التي تغطي ثلاث مرات حاجته لإجراء عملية ربما كانت ستنقذ حياته لو تمكن من إجرائها، ومنحت سنوات إضافية لعمره ينعم فيها بعيش كريم مع عائلته، كثمر سنوات عمله الطويلة بعيدا عنهم. 

ترك محمد إلياس وراءه عائلته المكونة من زوجته، جوسنا (48 عاما) وابنه الأكبر امتياز (25 عاما)، وابنته زكية (18 عاما)، وابنه الأصغر عدنان (12 عاما).

مفارقة 

في إحدى الزيارات لمتابعة قضيته في وزارة العمل. جلس محمد إلياس أمام المسئول في وزارة العمل ساهماً ثم قال: "أتعرف أنني عندما قدمت لأول مرة للبحرين في 1982. كان هذا المبني، مبنى وزارة العمل هو أول مشروع أعمل عليه". يبلغ عمر المبنى 38 عاما، حينئذ، ما يطابق عدد السنوات تلك التي قضاها محمد الياس في العمل لدى شركة الإنشاءات التي شيّدت المبنى، لتشغله ذات الوزارة التي جاء ليقدم شكواه للمسئول العمالي فيها، ليساعده في الحصول على مستحقاته منها. 

في لقاء صحافي أجري معه قبيل مغادرته، قال محمد الياس:" أشعر بالضيق والحزن الشديد، أشعر بالعار أن أعود لبلدي بعد أن عملت لقرابة 40 عاماً، وأسأل المساعدة وأطلب المال من الآخرين... لا، لن أفعل ذلك."

وذكر تقرير صحفي استقصائي أن عدم دفع الأجور هي مشكلة مئات الآلاف من العمالة المهاجرة في الخليج الذين يحرمون من أجورهم ومن مستحقات نهاية خدمتهم، وهو الانتهاك الأبرز في ممارسات يرتكبها أصحاب العمل، اصطلحت الأوساط الحقوقية العمالية على تسميتها"سرقة الأجور". 

حتى وقت كتابة هذا الموضوع، لايزال العمال في بلدانهم بعد مرور عام على وصولهم، وما يزيد على ثلاثة أعوام منذ توقف الشركة عن دفع متأخرات أجورهم ومستحقات نهاية الخدمة، بانتظار تحرك الوزارة لحل مشكلتهم، بينما تقبع قضيتهم في درج محام يسعى لتحصيل مستحقاتهم، ومن جهته يعاني من تعاون الجهات الرسمية لاستكمال إجراءات القضية.