لقد وصلت إلى المقالات الرئيسية

كسر جدار المقاومة: لماذا مجرد الإصلاحات لا تعتبر كافية

في 16 أغسطس 2020

تبدو المناصرة في دول الخليج أشبه بممارسة عبثية، كمشاهدة الطلاء يجف على حائط في وسط اللامكان وليس لحماية أي شيء، ولكنه يقف ثابتاً ومشرعاً في وجه الغبار والريح في الصحراء. وبين الفينة والأخرى يُدهن مجدداً بطبقة من الطلاء، وكلما جف الطلاء تشكّل بقايا الأوساخ تفاصيل دقيقة تشهد بوضوح على حقائق تتجاوز ما يتظاهر الجدار بأنه أنشئ ليحميه. 

وغالباّ ما يتم تجاهل وازدراء موضوعات حقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق العمال بشكل خاص على اعتبار أنها من المفاهيم الغربية، وكأن الحقوق الأساسية للأفراد تتعارض مع أهداف بناء الأمة. كأن البلد ليس أكثر من حدود مقدسة وأن الناس مجرد تروس تمضي بأجندة الوطنية إلى الأمام. وهذا، بالطبع، ليس موضوعاً تنفرد به دول الخليج، وإنما يتجلى بوضوح أينما تُهدد الأقلية المؤثرة الأغلبية الضعيفة التي تكدح في ظروف عمل تشبه العبودية لخدمة أجندة وطنية تخدم، ماعدا القليل منها، الشوفينية الفارغة. 

تصوير : Palap

لقد كُتب كثيراً عن الخطابات العنصرية في الخليج ضد الأغلبية من السكان، تلك التي لا يمكن الاستغناء عنها والتي تستند عليها هياكل اقتصادات هذه الدول الريعية. ويعزى الوضع البائس للعمال المهاجرين إلى نظام الكفالة، والافتقار إلى الديمقراطية، وأنظمة الحكم القاسية، وفساد الأعمال، والشريعة. وهذه الأنظمة لم تأتِ من الفراغ. فالظلم الذي نتحسّر لوجوده يزدهر في الصمت الخصب للمتواطئين – ليس فقط من المواطنين وإنما أيضاً من الأجانب الذين يجدون ثرواتهم هنا، ومن الشركات التي تحقق الكسب من السياسات الاستغلالية، والوكالات الدولية التي تقدم الكثير من التنازلات باسم الديبلوماسية، والمنظمات غير الحكومية التي تتبنى وتدوِّل فكرة مؤقتية العمال المهاجرين. 

مرة كل عام أو عامين ستطل كارثة برأسها. وعندها تُضخ مليارات الدولارات وتصمم المشاريع لتضخيم الأجندة: إصلاح التوظيف، والتوظيف الأخلاقي، والهجرة الآمنة، مكافحة الإتجار، والوصول الى العدالة، والقائمة تطول. وسوف تكون هناك أجندة لدول المقصد وأخرى لدول المنشأ، وسوف تكون هناك مخططات تجريبية لكل مشروع. ولا يتقدم ذلك مع مرور السنين بل يُعاد المرة تلو الأخرى. المانحون يقررون ما يستحق التمويل، وبناء على ذلك، سوف تصمم المنظمات برامجاً لتناسب النموذج المطروح متغاضية عن الحقائق الكثيرة التي قد تتعارض أحيانا مع بعضها البعض.

وكل واحدة من هذه الأجندات تأتي مع برنامجها التمويلي الخاص، ويشمل ذلك مجموعة من الخبراء، والسياسات الخاصة، ومسار سفر يثير الغبطة، تبرره المؤتمرات الدولية المدعومة من قِبل آليات الأمم المتحدة والآليات الدولية. وقد تتداخل هذه الأجندات، إلا أنه نادراً ما تتداخل المناقشات الخاصة بها. وستظل خطوط الاتصال ضعيفة ولا يمكن اعتبارها ذات صلة بالموضوع. ولكن هل تتناسب القضايا الخاصة بالهجرة وحقوق الإنسان مع هذا البناء المتميز من الاستعدادات؟ وهل من الممكن ترك حقوق الأفراد غير القابلة للّعب بها، لمثل هذه التصنيفات والتسلسل الهرمي الصّوري.

وكما تملي الفطرة السليمة، فإن النتائج لا يمكن تتباين، إذا لم تكن الأساليب المتبعة للوصول اليها، كذلك. ومع ذلك فنحن نثابر لتعريف مجموعة من الحقوق التي يجب حمايتها والتي تعود لمجموعة يفترض الجميع أنها أفرادها مواطنون من الدرجة الثانية، وليس لهم حقوق أكثر مما تضمنه التدابير المؤقتة. وفي سعيها للإصلاح ستقوم دول الخليج بـ -” خطوات أولية صغيرة" تذكّرك – بأنها تبدو وكأنها تعيد اختراع العجلة في الوقت الذي كل ما يتوجب عليها عمله هو فقط وضعها في الممارسات الدولية السارية. 

ولا يجب أن تكون الجائحة منبهاً منذراً للحكومات وحدها. بل يجب أن تكون جرس إنذار للناشطين والمناصرين، وللمنظمات المجتمعية وللمواطنين الصالحين. وفي أفضل الأوقات، إن كان هناك مثل هذه الأوقات إطلاقاً، كانت المناصرة تقتصر على التقارير الدورية والانتقاد منخفض النبرة. أما الآن فقد تطور عملنا على أكثر من صعيد، فأصبحنا نقدم الخدمات، والحزم الغذائية، وتذاكر السفر، وتغطية مصاريف الإيجارات وتوفير الرعاية الطبية. إن المعونات حينما تقدم بدون عدالة، فإنها تشكّل مخرجاً للممارسات الاستغلالية والإدارة السيئة. لماذا يستعاض عن الواجب المطلق للحكومة والالتزام الذي لا يمكن التغافل عنه للشركات، بالإحسان الذي يقدمه الأفراد والمجتمع؟

وفي كل هذا، يبقى صوت العمال غير مسموعاً. وستظل قصصهم بحاجة دائماً لمن يتحدث عنها لتجد لها مكاناً، طالما يتم تصويرهم على أنهم ضحايا عاجزون بانتظار سخاء وعطايا ميسوري الحظ. وسيقتصر ما يتم الدفاع عنه على مساعدتهم للخروج من وضع الضحية. إلا أن هذا يعدُّ ازدواجية أيضاً. لأنهم إذا لم يكونا ضحايا، فهم غير مرئيين، فمشاكلهم تبدو غير ذات أهمية، فيما تبدوا تطلعاتهم وكأنها تنتمي لمكان آخر. وسوف يظل ذلك الجدار غير المجدي، يجتذب طبقات جديدة من الطلاء، وسنقضي سنوات في محاولة "تنظيف الشوائب من الكهرمان". لقد حان الوقت لهدم ذلك الجدار حجراً جحراً. 

ولا يمكن السماح لدول الخليج أن تعوّض العجز العمالي الكبير لديها بتكرار ظروف مشابهة للدول الفقيرة التي تستقدم العمالة منها. لم يكن الامتهان التام لكرامة الإنسان أكثر وضوحاً منه خلال الشهور الستة الماضية. ومما لا جدال فيه، أن هذه المجتمعات والاقتصادات سوف تنهار في عدم وجود هؤلاء الذين تتم معاملتهم بشكل سيئ جداً. ولذلك سيكون من المضلل أن يركّز المدافعون عن حقوق الإنسان على إصلاحات تدريجية ومجزأة. في كثير من الأحيان، نحن نأخذ فقط ما تكون الدول مستعدة لتقديمه، فيما ندفعهم بمعايير قليلة إلى الأمام. وإن كانت هذه اللعبة قد نجحت في وقت من الأوقات، فالأمر سيكون مختلفاً عندما يكون ما نقدمه آخذاً في التراجع. فلا يمكن الركون إلى خطوات صغيرة لا تحقق سوي الحد الأدنى من الشيء، وأخفض نقطة من المستوى الأساسي للحياة الإنسانية. 

لذلك، فلايكفي القبول بالحصول على الحد الأدنى للأجر الذي لا يكون عادلاً ولا لائقاً.  وليس من المقبول أن يتم تمزيق شمل العائلات بين القارات لأنه لا يوجد لدى دول الخليج ما يكفي لتوفير المسكن الشامل واللائق. كما أنه من غير الأخلاقي إنكار الانتماء على هؤلاء الذين يبنون هذه الدول. إن منح أصحاب العمل الذين يرتكبون أسوأ الانتهاكات في حقوق الانسان فرصة الإفلات من العقاب يعتبر جريمة. وليس من العدل إحلال الصدقات والإحسان مكان العدل. إن الانقضاض على الدول الفقيرة من أجل تلبية احتياجاتك العمالية لهوَ استعمار جديد.

 

من المسئول؟
تترك الشركات الكبيرة المحققة للربح عمالها في حيرة من أمرهم. فأجورهم قد سرقت، فيما تقطعت السبل بكثيرين منهم وتركوا بلا مأوى وبلا طعام. 
  • يتدخل الساعون لعمل الخير لتقديم المساعدة للعمال. ولكن، وبسبب عدم وجود مساحة واضحة وشفافة للمجتمع المدني في الخليج، فإنه حتى هذه المساعي تكون غير مخطط لها، ولا تكفي حتى لتلبية جزء بسيط من الاحتياجات. كما أنها غير مستدامة والكثير منها يضيع في الفوضى.
  • ولذلك، فبعد قضاء عمر من الكدح، يترك العمال في حال من العوز والبؤس في جميع دول المنطقة، بلا أمل في العدالة.
كان يجب على الحكومة استرداد أموالاً من الشركات التي انتهكت عقود العمال وخالفت القوانين، وذلك لدفع أجور العمال، ومن ثم تقوم بإدراجهم في القائمة السوداء لحرمانهم من تقديم العطاءات للمشاريع المستقبلية.
كما يتوجب على الحكومة إنشاء مآوى ومخزون من الأطعمة يسهل الوصول اليها لتمكين العمال من البقاء لمتابعة قضاياهم وحقوقهم دون خوف من الفقر.
◊◊◊
تقيّد الكفالة الأفراد وتربطهم بكفلائهم (أصحاب العمل). ربما كان المقصد من وراء هذا الترتيب في وقت ما، مضي منذ زمن طويل، هو لتحميل الكفلاء مسئولية العيش اللائق لعمالهم. لكننا تجاوزنا، بمراحل، ذلك الترتيب الذي لم يعد موجوداً، وهذا النظام أصبح موجوداً لإحكام السيطرة على العمال. ولذلك، عندما اكتسحت الجائحة المنطقة، “غسل الكفلاء أيديهم” من مسئولياتهم. 
يجب على الشركات التي توظّف عمالاً متعددي الجنسيات أن تدفع ضمانات من الممكن استخدامها في أوقات الأزمات. لكن الأنظمة الخليجية، وفي سعيها لتمكين الشركات (ورجال الاعمال المواطنين)، لم تنشئ حتى الحد الأدنى من آليات الحماية مثل هذا النظام.
◊◊◊
العاملون في مشروع إنشاءات كأس العالم، المشروع الرائد، لم تدفع لهم أجورهم. وتطلب الأمر أن تنشر منظمة دولية مثل منظمة العفو تقريراً ليتفاعلوا مع الوضع في عقر دارهم. ولكن ماذا عن آلاف العمال في الشركات الأقل شهرة، ممن هم أيضاً ضحايا العمل القسري وسرقة الأجور؟ 
كان يفترض من نظام حماية الأجور أن يكون قد التقط حالات عدم دفع الأجور، وأن يكون المفتشون قد قاموا بالتحقيق في القضية خلال الأسابيع القليلة الأولى في أعقاب ظهور المشكلة. لكن نظام حماية الأجور لا يحمي الأجور، كما أن عمليات التفتيش العمالي أقل بكثير من المعايير الموضوعة لهذه المهمة في جميع أنحاء المنطقة.
◊◊◊
عاملات المنازل يقعن في قعر الاهتمام، فلا يُسلَّط الضوء على مشاكلهم إلا حينما يكون هناك تهديداً لحياتهم. أو عندما يُفضي سوء المعاملة إلى تعرضهم لإصابات. هؤلاء يتعرضن، يومياً، للعمل المفرط، وعدم دفع الأجور، والإساءة اللفظية، إلا أن كل هذا لا يحظى بإدانة او استنكار من قبل المسئولين
يجب تضمين عاملات المنازل، إلى اقصى حد ممكن، تحت مظلة قانون العمل، مما يمنحهن كافة الحقوق العمالية مثل الحد الأقصى لساعات العمل، والعمل الإضافي، وإدراجهن تحت نظام حماية الأجور، والتفتيش العمالي، ويوم الإجازة الأسبوعية، ومستحقات نهاية الخدمة، والحد الأدنى من الأجور.
كما يجب أن يدرج أصحاب العمل المسيئين على القائمة السوداء ومنعهم من توظيف عاملات منزل جدد.
◊◊◊
عمال الزراعة والصيادون هم أيضا مستبعدون من قوانين العمل، ومعرضون لانتهاكات شديدة.
لابد من إدراج جميع العمال، بغض النظر عن قطاع عملهم، تحت مظلة قانون العمل.
◊◊◊
وفي الوقت الذي تعتبر مصادرة جواز السفر تصرفاً غير قانونياً في جميع دول الخليج، إلا أن هذه الممارسة متفشية كوسيلة لتقييد حركة تنقل العمال، وكذلك لاتخاذه كوسيلة ضغط لثنيهم عن تقديم الشكاوى ضد الكفلاء المسيئين. 
يجب أن يتم تجديد التأشيرة بشكل مستقل من قبل العامل (مع تحمل الكفيل للتكاليف) مما يمنح العامل الفرصة لاتخاذ قرار واعٍ. وإذا ما صودرت الجوازات لا بد من أن يدفع صاحب العمل الغرامة التي يفرضها القانون، ويتم إدراجه في القائمة السوداء لمنعه من أي توظيف مستقبلي.
◊◊◊